منذ شهر أبريل، عندما بدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في التسجيل البيومتري للاجئين الماليين في مخيم مبيرا في موريتانيا، تم إلغاء تسجيل نحو 8,000 من إجمالي 68,000 لاجئ مسجل- كان جميعهم تقريباً من الموريتانيين القادمين من المدن والقرى المجاورة أملاً في الحصول على المساعدات. وفي شهر سبتمبر، حاولت مجموعة صغيرة من سكان المخيم تدمير مركز التسجيل احتجاجاً على النظام الجديد، مما أثار تساؤلاً حول متى وكيف ينبغي على وكالات المعونة التي تساعد اللاجئين أن تحاول أيضاً مد يد العون للمجتمعات المضيفة الضعيفة؟
والوضع في موريتانيا ليس فريداً عن غيره بأي حال من الأحوال، فهناك كثير من مخيمات اللاجئين تعج بالسكان المحليين الذين يسعون للحصول على المساعدات، بل إن السكان المحليين قد فاقوا في بعض الحالات عدد اللاجئين، وذلك وفقاً لما ذكره مصدر بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفي الغالب، تقوم المفوضية ووكالات معونة أخرى بمساعدة المجتمعات المضيفة من أجل تخفيف التوترات المحتملة بين اللاجئين والسكان المحليين، ولكن هذا لا يأتي في مقدمة الأولويات. وفي حين أن بعض وكالات المعونة تفعل ذلك منذ البداية، عادة ما تقوم المفوضية بهذه المهمة عقب الانتهاء من مرحلة الطوارئ في أزمات اللاجئين التي يطول أمدها.
من جانبها، تحث لبنى بن حيون، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في موريتانيا، على تقديم المعونة في وقت مبكر، حيث قالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين):" السكان المحليون ضعفاء تماماً [كاللاجئين]، إذا لم يكونوا في حالة أسوأ". وفي الوقت الحالي، يقوم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بحصر الاحتياجات ومواقعها والمسؤولين عن تلبيتها، فيما يتعلق بالسكان المحليين.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أولويتها المبدئية هي الاستجابة للأزمة الآنية للاجئين. فقد كان توفير الاحتياجات الأساسية – من الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الصحية- في الموقع لعشرات آلاف اللاجئين، في وضع لا يتوفر فيه لديها موظفون أو مكتب داخل المساحة التي تمتد على نحو 1,000 كيلومتر مربع "تحدياً كبيراً" على حد وصف اتييميزيان هوفيج، الذي يدير المخيم للمفوضية في مبيرا. وأضاف قائلاً: "نحن نركز الآن بشكل أكثر على الأمور المتعلقة بالجودة، بما في ذلك كيفية مساعدة السكان المضيفين بشكل أفضل".
السكان المحليون بحاجة للمساعدة
ويقع مخيم مبيرا في ولاية الحوض الشرقي، المنطقة التي تعاني من أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي في موريتانيا، إذ أن 37 بالمائة من سكانها معرضون لخطر الجوع، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي. ولم تهطل على المنطقة في عام 2011 سوى كمية قليلة جداً من الأمطار، إلا أن الوضع كان أفضل خلال العام الحالي. وفي شهر أكتوبر، وهو الوقت الذي ينبغي أن تظهر فيه المراعي في الصحراء الشمالية في منطقة الساحل، لم يكن هناك سوى القليل منها في ولاية الحوض الشرقي.
إلى ذلك، كشفت بعثة التقييم المشتركة التي يشرف عليها كل من برنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في وقت سابق من هذا العام أنه في حين أن 80 بالمائة من أسر اللاجئين كانت تتناول ثلاث وجبات في اليوم، إلا أن 14 بالمائة فقط من الأسر التي تعيش على مقربة منها تفعل الشيء نفسه.
وأبدى الموريتانيون الذين يعيشون بالقرب من المخيم والذين تحدثت إليهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) تعاطفاً مع اللاجئين الموجودين في المنطقة. وفي هذا الصدد، قالت فطومة بنت الحسن المقيمة في باسيكونو: "هؤلاء الناس هم أهلنا. إنهم كإخواننا وأخواتنا، ونحن هنا لمساعدتهم".
لكن أسرة فطومة تعاني أيضاً حيث تعيش في منزل مكون من غرفة واحدة مع أولادها الثلاثة في حين يبحث زوجها عن عمل في الأدغال. وقالت أنها لو كانت تعيش بالقرب من المخيم، لحاولت الحصول على المعونة الغذائية: "فالأسعار مرتفعة جداً. لا أستطيع أن أطهي الصلصة في الكثير من الأيام. يمكن القول أننا أكثر احتياجاً من اللاجئين!"
واستطردت قائلة: "ما زلنا على قيد الحياة. في بعض الأحيان نأكل جيداً، وفي أحيان أخرى لا نأكل شيئاً- أرز، بدون صلصة. اعتدت على العيش بهذه الطريقة. لقد أصبح هذا نظام حياتي". وقال اتييميزيان من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "هذه المنطقة فقيرة... يعاني السكان المحليون من سوء التغذية والجوع قبل إقامة المخيم". مع ذلك، أشار إلى أن بعض السكان المحليين يحصلون على مساعدات غذائية من الحكومة منذ عدة سنوات.
وذكر محمد ولد زيدان، رئيس قسم التخطيط في وزارة الداخلية، التي تدير عملية الاستجابة لللاجئين، أن الأسر المحتاجة في ولاية الحوض الشرقي تتلقى معونة غذائية من الحكومة، بدعم من برنامج الأغذية العالمي. وفي أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في المخيم، تم تكليف إدارة ولاية الحوض الشرقي بتخصيص مبلغ 2 مليون دولار لمساعدة السكان المحليين. وقال ولد زيدان: "لقد خفت حدة التوتر منذ ذلك الوقت". ولم يتسن لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) تتبع تدفق الأموال.
أثر اللاجئين على البيئة المحلية
وتفيد العديد من الدراسات أنه في العديد من المرات تنشأ توترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، الذين يجدون أنفسهم يتنافسون على الموارد الشحيحة مثل المياه أو الطعام أو الحطب، وفي بعض الأحيان على الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية، ودعم البنية التحتية. وذكرت مذكرة معلومات أساسية خاصة بتقرير التنمية الذي أصدره البنك الدولي في عام 2011 أن الضغوط المشتركة الناجمة عن مخيمات اللاجئين في البيئات الصحراوية تتسبب في إزالة الغابات ونضوب المياه الجوفية وتدهور نقاط المياه.
وتشير دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول أثر اللاجئين على السكان المستضيفين في غرب تنزانيا، أن اللاجئين غالباً ما يستخدمون الحطب أكثر من مضيفيهم، نظراً لأن طهي حصص الحبوب التي يحصلون عليها تستغرق وقتاً أطول، كما أنهم يبقون النيران مشتعلة لأنهم لا يملكون ما يكفي من الثقاب. وقد قامت المفوضية ومنظمة "الاتحاد اللوثري العالمي" غير الحكومية بتوزيع مواقد مُوَفِّرة للطاقة على العديد من اللاجئين في مخيم مبيرا، لكنهم ما زالوا بحاجة إلى المزيد منها.
وقد تسبب الضغط السكاني في مخيم مبيرا في إجهاد البيئة الصحراوية الهشة بالفعل، ذلك أن قدوم نحو 68,000 لاجئ مالي إلى مخيم مبيرا قد ضاعف عدد السكان المحليين إلى ثلاثة أضعاف، فتحول المخيم إلى ثالث أكبر مدينة في موريتانيا. كما أن المخيم محاط بأراض قاحلة، ومعظم الشجيرات والأشجار قد جرى قطعها بواسطة اللاجئين الذين يجمعون الحطب لطهي الطعام، على الرغم من أنه لم يتم إجراء تقييم للأثر حتى الآن.
من جهته، قال أحمد إبراهيم، رئيس منظمة " SOS Desert"غير الحكومية أن البرامج الذكية يمكن أن تساعد في التصدي لبعض هذه التحديات. وقد سعت المنظمة إلى إبطاء إزالة الغابات عن طريق جمع الأغصان اليابسة من المناطق غير المأهولة لتوزيعها على 20,000 لاجئ. وعلى الرغم من أن عدم جمع الخشب وتركه في مكانه ليلتهمه النمل الأبيض قد يتسبب في حرائق الغابات، إلا أن المسؤولين المحليين في وزارة البيئة أوقفوا المشروع، مصرين على أن هذا الخشب هو ملك للموريتانيين. أما ابراهيم الذي لا يزال يناقش الخيارات المتاحة مع الحكومة، فيرى أن توزيع الخشب على السكان المضيفين واللاجئين سوف يساعد في تخفيف التوتر.
وقال اتييميزيان: "من الناحية المثالية، نريد أن نقدم لكل أسرة لوحة شمسية وموقد طهي مُوَفِّر للطاقة، ولكن هذا يتطلب جيلاً جديداً من الجهات المانحة".
وهناك أيضاً ضغوط متزايدة على مياه الشرب للماشية (يذكر أن أغلبية اللاجئين في مبيرا هم من الرعاة). ولهذا، تسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة " SOS Desert " ومنظمة "سبانا" الألمانية غير الحكومية ومنظمات أخرى الآن لتحسين نقاط توزيع المياه على طول مسارات الرعي التقليدية إضافة إلى جهود أخرى محتملة.
فرص
وقد لا يدرك الكثيرون الفوائد التي يمكن أن يجلبها اللاجئون للفئات الضعيفة من السكان المحليين.
وقد أظهرت العديد من الدراسات أن اللاجئين يخلقون فرصاً اقتصادية لأنفسهم ولمضيفيهم، ولكن هناك بالتأكيد رابحون وخاسرون في كلا الجانبين: الموريتانيون المؤهلون يستفيدون من فرص العمل في العشرات من وكالات المعونة التي أقامت مكاتب في باسيكونو، على بعد 18 كيلومتراً من المخيم، ولكن العمالة الرخيصة التي يقدمها اللاجئون قد تدفع السكان المحليين خارج المنافسة في الوظائف المنخفضة الأجر بالأساس.
وعلى الرغم من أن اللاجئين قد يساهمون أيضاً في توسيع الأسواق التجارية للسلع المحلية، إلا أن لهذا الأمر أيضاً جانب سلبي: ففي تنزانيا، يبيع المزارعون المحليون كميات كثيرة من منتجاتهم إلى اللاجئين الكونغوليين والروانديين لدرجة أنهم لا يتركون ما يكفي لأنفسهم، ما يتسبب في ارتفاع هائل في أسعار المواد الغذائية. وفي باسيكونو، رفع أحد ملاك الأراضي الأثرياء قيمة إيجار أرضه من 10,000 إلى 180,000 أوقية موريتانية (ما يعادل 33 إلى 603 دولاراً أمريكياً) في الشهر، وبالتالي يحقق أرباحاً كبيرة من الأزمة، لكن العمال المحليين لا يستطيعون مواكبة مثل هذه الزيادات في الإيجار.
وتعليقاً على هذا، أشارت آن مايمان، رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في موريتانيا إلى أن السبيل الوحيد لفهم ديناميكيات هذه العملية هو تقييم الأثر، كما أن السبيل الوحيد للتأكد من احتياجات السكان المحليين هو تقييم الاحتياجات بشكل تفصيلي، حيث قالت: "استهداف سكان البلد المضيف يتطلب دراسات لتقييم الاحتياجات، ويجب تخصيص موارد كافية لكل من هذه الدراسات".
وغالباً ما يجلب وصول وكالات المعونة إلى مكان ما معه مساعدات تعود بالفائدة على السكان المحليين أيضاً. فعلى سبيل المثال، يمكن للموريتانيين الذين يعيشون حالياً بالقرب من مخيم مبيرا أن يسقوا قطعان ماشيتهم من خزاني المياه اللذين قامت منظمة أوكسفام ببنائهما خارج المخيم. بدورها ساعدت منظمة اليونيسف في بناء المراحيض في القرى المحيطة، وتعمل مع شريك محلي من أجل إعادة بناء مدرستين ابتدائيتين في قرية مبيرا وروضة لتعليم الأطفال في باسيكونو. أما منظمة سوليداريته Solidarité غير الحكومية فقامت بتمديد خطوط الكهرباء إلى الناس الذين يعيشون في القرى المحيطة. وتقوم منظمة أوكسفام والمنظمة الدولية للهجرة ببناء أو ترميم عشرات الآبار التي تقع خارج المخيم، فيما قامت منظمة " SOS Desert " بترميم 12 بئراً يستخدمها الرعاة على بعد كيلومترين اثنين من المخيم.
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه هو التحسن الذي طرأ على قطاع الخدمات الصحية: فقد أصبح بإمكان الموريتانيين الاستفادة من أي من العيادات الأربع المجهزة تجهيزاً جيداً، والمزودة بطاقم عمل كامل في المخيم، والتي تدار ثلاثة منها بواسطة منظمة أطباء بلا حدود، وواحدة بواسطة صندوق الأمم المتحدة للسكان. كما أن العيادات مزودة بأجهزة للتشخيص بالموجات الصوتية، ويمكن نقل المرضى الذين يعانون من مضاعفات إلى مركز العمليات الجراحية الطارئة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في باسيكونو. وقد أشارت فاطمة أحمد، وهي ممرضة بوزارة الصحة تعمل في إحدى العيادات بالمخيم، أن نحو 10 بالمائة من المرضى يأتون من القرى المجاورة. وأضافت أن المخيم وفر فرص عمل لموظفي وزارة الصحة.
من جانبه، قدر فابيان كابونجو، رئيس منظمة أطباء بلا حدود في باسيكونو، أن نحو 70 بالمائة من مرضى الجراحات الطارئة هم من الماليين والبقية من الموريتانيين. وقبل ذلك، كانت النساء يضطررن إلى السفر إلى مدينة النعمة، على بعد 240 كيلومتراً، عندما يحتاجن إلى ولادة قيصرية. وقال كريد كاسونجو، الجراح في المركز أن "اثنين من بين خمسة مرضى توفوا في الطريق".
ربط المساعدات بالتنمية
ويرى خبراء في مساعدة اللاجئين بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن السبيل الأفضل لمساعدة سكان البلد المضيف هو من خلال ربط المساعدة بجهود التنمية الجارية.
من ناحية أخرى، يشير تقرير البنك الدولي لعام 2011، إلى أن تنسيق تقديم المعونة إلى اللاجئين ومشاريع المعونة الإنمائية الجارية لا يتم في العادة على نحو جيد. ويرى التقرير أنه غالباً ما تكون مشروعات التنمية المبتكرة التي يمكن أن تفيد كلا من اللاجئين والمضيفين هي "الاستثناء وليس القاعدة" نظراً لغياب دعم المانحين والافتقار إلى الوعي بالفرص التي يمكن أن يجلبها اللاجئون.
وفي حين يمكن للاجئين أن يجذبوا المزيد من المعونات التنموية للمنطقة، الأمر الذي يجلب فوائد لها، إلا أن خبيرة في العاصمة نواكشوط، أعربت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عن خشيتها من أن تدفع المساعدات الطارئة للاجئين الجهات الفاعلة في التنمية إلى تقليص أنشطتها. وقالت أن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث في هذا المجال.
وقالت مايمان، رئيسة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في موريتانيا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "تقديم المزيد من المساعدة للسكان المضيفين الآن سيكون بمثابة جسر جيد لعملية إلغاء تسجيل 'اللاجئين'". وأضافت أن الحكومة لم تعط أي توجيهات بشأن استهداف السكان المحليين، ولكنها "رحبت بذلك" عندما ذكرت المفوضية أنها تسعى لزيادة المساعدات المقدمة إليهم.
وختاماً، قال اتييميزيان أنه منذ الاحتجاجات التي اندلعت في مخيم مبيرا في شهر سبتمبر، لم يُلحظ أي توتر بين السكان المضيفين واللاجئين. وبإمكان الأفراد الذين يشعرون بأنه قد تم إلغاء تسجيلهم عن طريق الخطأ، أن يرفعوا قضاياهم إلى المفوضية، وقد تم حتى الآن إضافة 5 بالمائة من الحالات بعد التحقيق فيها.
aj/rz-kab/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions