يقول الخبراء أن أنماط الطقس المتغيرة وسوء الصيانة ونقص الاستثمارات كلها عوامل تتسبب بخسائر لنظام الأراضي المنخفضة المستصلحة من البحر (البولدر) الممتد على مساحات واسعة في بنجلاديش، والذي يعتبره الكثيرون خط الدفاع الأول للمجتمعات الساحلية في مواجهة موجات المد المرتفع.
وصرحت وحيدة أحمد، المدير السابق للحد من الكوارث بمنظمة أكشن إيد، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "العديد من هذه الأراضي المنخفضة [المحاطة بحواجز ترابية] بحاجة إلى مستويات متباينة من الترميم، مشيرة إلى الأضرار البالغة التي أحدثها إعصار سيدر (2007) وإعصار آيلا (2009). وأضافت أن "هذا يعرض الملايين من سكان المناطق الساحلية للخطر."
وجاءت تصريحات أحمد بعد شهر واحد من إعصار محاسن الذي ضرب جنوب بنجلاديش وأسفر عن مقتل 17 شخصاً وأدى إلى إجلاء أكثر من مليون شخص غيرهم، وفقاً لما قررته وزارة إدارة الكوارث والإغاثة.
والجدير بالذكر أن الأعاصير تضرب المناطق الساحلية في بنجلاديش كل عام تقريباً، في أوائل الصيف (إبريل ومايو) أو في موسم الأمطار الذي يأتي في وقت متأخر (أكتوبر ونوفمبر)، في حين يضرب إعصار شديد (تبلغ سرعة رياحه 90 إلى 119 كيلومتراً في الساعة) كل ثلاث سنوات في المتوسط.
لماذا تعتبر الأراضي المنخفضة المستصلحة من البحر مهمة؟
في ستينيات القرن الماضي، تم تشييد 123 قطعة من الأراضي المنخفضة (المحاطة بحواجز ترابية)، بما في ذلك 49 قطعة مواجهة للبحر، لحماية المناطق الساحلية المنخفضة من فيضانات المد والجزر وتملح التربة في جنوب بنجلاديش.
وبالإضافة إلى الدور الفعال الذي لعبته هذه الأراضي في تنمية المنطقة زراعياً، لعبت أيضاً دوراً رئيسياً في التخفيف من الخسائر في الأرواح والأضرار التي تحدث أثناء موجات المد والجزر.
وقال ديلوار حسين، المهندس التنفيذي بمجلس تنمية المياه ببنجلاديش الذي يحتفظ بقاعدة بيانات مكثفة عن أراضي المنخفضة المحاطة بحواجز ترابية في المناطق الساحلية تتضمن معلومات عن أطوالها ومواقعها وسنوات تشييدها وتكلفة إنشائها أن "هذه الأراضي تلعب دوراً حاسماً في تجنب تشبع التربة بالمياه نتيجة موجات المد. وعلى الرغم من أن إعصار محاسن الأخير كان منخفض القوة، إلا أنه كان من الممكن أن يكون الضرر بالغاً نتيجة موجات المد والجزر والفيضانات الناجمة عن ذلك. ولكن شبكات الأراضي المنخفضة سمحت بجريان المياه وتفادي الفيضانات الطويلة المدى."
غير أن الكثيرين يرون أن هذا الدور الوقائي آخذ في التراجع.
الملوحة
من جهتها، قالت ميلودي براون، خبيرة التغيرات المناخية لدى مركز أسماك العالم في دكا: "في العموم، إن إمكانية استخدام الأراضي المنخفضة كحاجز للملوحة يعتمد، إلى حد كبير، على الحاجة إلى إدارة وصيانة أفضل يمكنها توقع التغيرات المستقبلية في المناخ، جنباً إلى جنب مع السياسات التي تضمن إدارة محكمة ومستدامة لاستزراع الجمبري."
كما أن أنشطة استزراع الجمبري المزدهرة، والتي تساوي عدة ملايين من الدولارات، تؤدي إلى تملح التربة والمياه على المدى الطويل.
بدوره، قال محمد إمداد حسين، وهو عالم وخبير متخصص في المتابعة والتقييم بالمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية أن "وجود سدود وقائية محيطة بمنطقة السهول الفيضية يحمي الأرض من موجات الفيضان والمد والجزر. وتقوم بوابات التحكم بتنظيم تدفق المياه من الأراضي المنخفضة إلى الخارج في القناة فتحمي الأراضي في منطقة البولدر من التشبع بالمياه وتملح التربة، وبالتالي يمكن استخدامها لأغراض الزراعة والأعمال الزراعية الأخرى".
غير أن ترسب طمي النهر، وتصميمات بوابة التحكم القديمة وحفر السدود بطرق غير قانونية يقلل من فعالية النظام وكفاءته.
وفي واقع الأمر، أدى ترسب الطمي، في العديد من المناطق، إلى ارتفاع مستوى قاع النهر أو القناة المائية إلى مستويات تجعل منطقة أراضي البولدر نفسها تقع تحت مستوى المياه. ولذلك، عندما يتم فتح بوابات التحكم، تجري المياه من الخارج إلى داخل الأراضي المنخفضة بدلاً من العكس، مما يؤدي إلى تشبع التربة بالمياه لفترات طويلة وإلى حدوث الفيضانات.
دعوة إلى مزيد من الاستثمار
ووفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في 19 يونيو، ستكون بنجلاديش في مصاف أكثر البلدان تضرراً في جنوب آسيا، في ظل ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة موجات الحر القائظ وشدة الأعاصير التي تهدد الإنتاج الغذائي وسبل العيش والبنية التحتية.
وقد غمر إعصار سيدر 3.45 مليون أسرة. ويذكر التقرير أن احتمالية عودة الإعصار على مدى زمني يبلغ 10 سنوات في عام 2050 يمكن أن يعرض 9.7 مليون شخص لما يزيد عن ثلاثة أمتار من الغمر بمياه الفيضانات التي تؤثر على الزراعة والأرواح. وقد أُعد التقرير بواسطة معهد بوتسدام للبحوث الخاصة بآثار المناخ والتحليلات المناخية وتمت مراجعته من قبل 25 عالماً في جميع أنحاء العالم.
وتأتي بنجلاديش أيضاً في تصنيف "عالي المخاطر" نتيجة المخاطر المدمرة المتعددة التي تواجهها، وفقاً للأطلس السنوي للكوارث الطبيعية الذي تصدره منظمة مابلكروفت..
ويدعو الخبراء لمزيد من الاستثمار في نظام الأراضي المنخفضة المستصلحة من البحر في البلاد، مع توفير تكاليف التكيف التي تقارب 900 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2050، والتكاليف السنوية المتكررة التي تبلغ 18 مليون دولار.
وعلى الرغم من وجود بنية تحتية واسعة النطاق لحماية سكان المناطق الساحلية من الأعاصير، إلا أنه في الوقت الحالي، تعتبر 44 من 123 قطعة من الأرضي المنخفضة في بنجلاديش عرضة لخطر الغرق إذا ما ضرب البلاد إعصار شديد، بينما قد تغرق 59 أرضاً إضافية من هذه الأراضي بحلول عام 2050، لأن عدم كفاية غابات المنغروف سيزيد من سرعة رياح العاصفة، وفقاً للدراسات الحديثة.
oa/ds/cb-mez/dvh
"