هل سيُجبر وصول سفينة مليئة بالجثث المتحللة المهاجرين الذين ينتظرون فرصة لعبور البحر المتوسط على إعادة التفكير؟
في الساعات الأولى من صباح الخميس، بدأت المياه تتسرب إلى قارب صيد خشبي متهالك، ينقل حمولة زائدة تشمل حوالي 350 لاجئاً ومهاجراً يأملون في الوصول إلى السواحل الأوروبية، على بعد بضعة أميال قبالة ساحل ليبيا.
ووفقاً للناجين، بدأ القارب يغرق بعد تدفق المياه من خلال الصدوع التي أصابت هيكله. ولم يتمكن الأشخاص المكتظون تحت سطح السفينة، ومعظمهم من الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى الذين دفعوا مبالغ أقل مقابل رحلتهم، من الفرار من الفتحات الضيقة.
كان معظم الناجين، البالغ عددهم 196 شخصاً، من بين أولئك الذين كانوا على سطح السفينة الذين تمكنوا من السباحة نحو الشاطئ أو التشبث بحطام القارب حتى تم انقاذهم من قبل الصيادين وأفراد خفر السواحل وموظفي الهلال الأحمر الليبي.
ومع اقتراب البحث عن الناجين من نهايته مساء يوم الخميس، تم قطر السفينة الغارقة إلى ميناء زوارة. وعند الغسق، كافح موظفو الهلال الأحمر والعمال والمتطوعون في الميناء لانتشال الجثث من خلال الفتحات. وفي نهاية المطاف، أزالوا سطح السفينة بأكمله لتسهيل عملية انتشال القتلى. وتمت الاستعانة بالعمال المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء - الذين يجري استئجارهم على نطاق واسع في ليبيا للقيام بالأعمال اليدوية - للمساعدة في انتشال الجثث.
وعلق أحد المتطوعين المحليين قائلاً: "كان واحد من هؤلاء الرجال يتعامل مع الجثث وكأنه يُفّرغ بضائع، بدون أي تعبير على وجهه. أعرف أن كل القادمين من جنوب الصحراء إلى هنا في زوارة يدخرون المال للذهاب إلى إيطاليا، ولذلك سألت هذا الرجل إذا كان لا يزال يريد أن يستقل قارباً إلى أوروبا. فحدق في وجهي بعينين خاليتين من المشاعر، وقال: إنني مرتبك للغاية."
وتجدر الإشارة إلى أن المهاجرين في ليبيا يواجهون ثلاثة خيارات كلها قاسية: يمكنهم المجازفة بعبور البحر المتوسط في أحد قوارب المهربين غير الآمنة؛ أو العودة إلى ديارهم عبر طريق محفوف بنفس القدر من المخاطر عبر الصحراء؛ أو البقاء في ليبيا، حيث العمل محدود والظروف المعيشية بائسة وغير آمنة.
وبحسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، لقي 2,400 مهاجر على الأقل حتفهم في عرض البحر أثناء محاولة الوصول إلى أوروبا حتى الآن هذا العام، وحدثت الغالبية العظمى من هذه الوفيات أثناء السفر على الطريق الأوسط في البحر المتوسط الذي يربط بين ليبيا وإيطاليا.
ولكن الكثيرين لا زالوا يعتبرون القوارب خيارهم الوحيد. فقد أدى تداعي الاقتصاد الليبي إلى تخفيض الفرص في بلد كان يُنظر إليه على أنه مكان مربح للعمل. وقال محمد البالغ من العمر 31 عاماً، وهو عامل من السودان يعمل حالياً في طرابلس: "إنني خائف حقاً من السفر بالقارب، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ لا أستطيع العودة إلى وطني خالي الوفاض لأن هذا سيكون أمراً مخجلاً، ولا يوجد عمل يُذكر هنا في ليبيا. سوف أضطر للسفر في قارب".
كان أحمد البالغ من العمر 19 عاماً، وهو من غينيا، رابضاً على مقربة منه، تحت جسر في طرابلس حيث ينتظر المهاجرون على أمل أن يتم اختيارهم للعمل ليوم واحد، وهز رأسه قائلاً: "لقد رأيت القوارب. إنها قوارب سيئة ... يضعون الكثير من الناس على متنها. كنت أريد أن أذهب، ولكن عندما وصلت إلى هنا ورأيت القوارب، قررت عدم الذهاب". ويخطط أحمد بدلاً من ذلك لتقديم طلب للحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا عندما يعود إلى غينيا، ولكن ليس لديه فكرة عن موعد حدوث ذلك.
وفي السياق نفسه، قال جيمس البالغ من العمر 23 عاماً، وهو من غانا: "لن أسافر عبر ذلك البحر. مستحيل. كنت أعتقد أنني سأفعلها، ولكنني الآن أرى الواقع. هذا مستحيل".
سافر جيمس إلى ليبيا قبل عام، وكان يخطط لتتبع خطى شقيقه، الذي نجح في الوصول إلى إيطاليا في عام 2013. "قال لي لا تأتي. لقد وصل إلى هناك منذ عامين ولا يزال بلا أوراق رسمية أو عمل أو مال. وقال أن الحياة في إيطاليا صعبة للغاية، ونصحني بالبقاء هنا في ليبيا أو العودة إلى الوطن،" كما أفاد.
وأضاف قائلاً: "لا أعرف ماذا سأفعل. لا أستطيع أن أعود عبر الصحراء - كان ذلك صعباً جداً، وكان هناك الكثير من المعاناة. ومع نهاية اليوم الثالث في الصحراء، لم أعد حتى أهتم بالموت".
"سوف يستغرق الأمر سنة كاملة لكي أدخر المال اللازم للقيام بتلك الرحلة إلى الوطن، هذا إذا لم أتعرض للسرقة،" كما أفاد جيمس، في إشارة إلى أن السرقة تشكل خطراً دائماً. يستوقف الشباب، الذين غالباً ما يكونون مسلحين، العمال في نهاية اليوم ويطالبونهم بدفع النقود التي حصلوا عليها لتوهم وهواتفهم المحمولة.
ومقابل كل مهاجر يختار العودة إلى وطنه، لا يزال عدد أكبر بكثير منهم على استعداد للمخاطرة بالسفر عن طريق القوارب. وحتى معرفة الأهل والأصدقاء الذين لقوا حتفهم أو اختفوا في عرض البحر الأبيض المتوسط ليست دائماً كافية لردعهم. وقال بورتيه البالغ من العمر 28 عاماً، وهو من السنغال، أنه لا يزال يدخر المال لتغطية تكاليف الرحلة على الرغم من فقدان كلا والديه عندما حاولا عبور البحر قبل شهرين: "قيل لي أنهما ماتا في عرض البحر، وأنا أصدق ذلك لأنني لم أتلق أي اتصالات منهما مرة أخرى، ولكنني لا زلت مصمماً على الذهاب. ليست لدي عائلة أو أي شيء في السنغال الآن، ولذلك سوف أضع حياتي بين يدي الله".
والجميع يتحدثون عن الذهاب إلى الأمام أو الرجوع إلى الخلف. لا أحد يريد أن يبقى في ليبيا، التي تشهد حرباً أهلية منذ انتفاضة 2011 التي أزاحت معمر القذافي من السلطة بعد أن حكم البلاد لفترة طويلة.
وفي زوارة، وهي بلدة مشهورة الآن لكونها واحدة من نقاط الانطلاق الرئيسية لقوارب المهربين، نظم السكان احتجاجاً في وسط المدينة يوم الخميس، داعين إلى وضع حد لتجارة تهريب المهاجرين. وحملوا لافتات مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية وبلغتهم الأم الأمازيغية متهمين المهربين بارتكاب جرائم القتل.
من جانبها، اعتقلت السلطات المحلية ثلاثة ليبيين متهمين بالتورط في التهريب في الأيام الأخيرة، ودعت الحكومة في طرابلس إلى تقديم المزيد من الدعم أثناء تصعيد عملياتهم ضد المهربين.
tr/ks/ag-ais/dvh