عرضت أزمة الغذاء في منطقة الساحل هذا العام حوالى 18.7 مليون شخص لخطر الجوع و 1.1 مليون طفل لخطر سوء التغذية الحاد، ما دفع إلى تنفيذ أكبر استجابة إنسانية في المنطقة على الإطلاق وتجنب كارثة واسعة النطاق. ولكن الاستجابات لحالات الطوارئ نادراً ما تكون سلسة، وهناك دائماً فرصة لتحسينها. فقد تحدثت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إلى عمال إغاثة ومحللين وجهات مانحة في منطقة الساحل لمناقشة ما أعاق الاستجابة، وما يجب القيام به لتحسين الاستجابة في المستقبل.
تنافس رسائل الإنذار المبكر
عندما وصلت بيانات الإنذار المبكر، فسرتها وكالات الإغاثة ومحللو الأمن الغذائي بشكل مختلف جداً، ما خلق بعض البلبلة وتباطؤ طفيف في استجابة الجهات المانحة. وأدى هذا الجدل إلى "تحويل الطاقة بعيداً عن توسيع النطاق، الذي كان يمثل الأولوية،" كما قال ستيفن كوكبرن، مستشار شؤون المناصرة في منظمة أوكسفام غير الحكومية في غرب إفريقيا.
وظلت القضية خاضعة لتفسيرات مختلفة لإشارات الإنذار المبكر – انخفض إنتاج الأغذية في جميع أنحاء المنطقة بنسبة 3 بالمائة فقط، ولكن الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية (أعلى من متوسط خمس سنوات بنسب تتراوح بين 30 و80 بالمائة)، والافتقار إلى فرص العمل، وإغلاق الحدود بين النيجر ونيجيريا، وأزمة مالي كانت كافية لوقوع الناس في براثن الأزمة، ما دفع وكالات الإغاثة إلى طلب جمع مليار دولار (ارتفعت في وقت لاحق إلى 1.6 مليار دولار) استجابةً لتلك الأزمة. وقال بيتر غابلز، الخبير في المنظمة غير الحكومية الدولية "غراوندسويل إنترناشونال" (Groundswell International) أن "الظروف التي تسبب الضعف قد تغيرت. عندما ترتفع أسعار المواد الغذائية إلى هذا الحد، لست بحاجة لحدوث جفاف لتكتشف وجود أزمة، فقد اقتصر دور الجفاف على تحفيز هذه الديناميكيات".
مساعدة الرعاة غير متسقة
يتأثر الرعاة بقضايا الوصول إلى الغذاء قبل المجموعات الأخرى ويحتاجون إلى دعم للحصول على الأعلاف الحيوانية والمياه واللقاحات وخفض عدد القطعان في شهري مارس وأبريل، وليس شهري مايو ويونيو. وقالت وكالات الإغاثة أن هذه الاحتياجات نادراً ما تنعكس في الإنذار المبكر أو الاستجابة. وأفاد غابلز أن احتياجات الرعاة توكل إلى منظمات غير حكومية قليلة متخصصة، بدلاً من التصدي لها من خلال النظم الوطنية، ونتيجةً لذلك تبقى مهمشة. وأضافت المنظمات غير الحكومية، علاوةً على ذلك، أن منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، التي يمكن أن تحشد الدعم نيابة عنهم، لم تدق ناقوس الخطر بشكل واضح للجهات المانحة بشأن تلك الاحتياجات.
الزراعة والصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم
سارعت الجهات المانحة إلى تمويل جهود الأمن الغذائي والتغذية واستجابتها "تجاوزت الطرق التقليدية" هذا العام، فتصدت على سبيل المثال لبعض الجوانب المتعلقة بالمياه والصرف الصحي في حالات سوء التغذية أثناء استجابتها. لكن تمويل القطاعات الأخرى - لاسيما الزراعة والمياه والصرف الصحي والتعليم (خاصة فيما يتعلق بالنازحين الماليين) كان بطيئاً. وأكد منسق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية في منطقة الساحل ديفيد غريسلي، أن "الزراعة هي مفتاح إعادة بناء الأمن الغذائي في عام 2013،" ولكن منظمة الفاو تلقت فقط ثلث احتياجاتها التمويلية البالغة 125 مليون دولار حتى شهر أكتوبر، وكنتيجة جزئية لذلك تمكنت من الوصول إلى 53 بالمائة فقط من 9.9 مليون شخص كانت تستهدفهم (حتى نهاية أغسطس)، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي أضاف أن تمويل قطاع الصحة بلغ 18 بالمائة في البلدان التسعة المتضررة، بينما لم يتعد تمويل قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة 24 بالمائة، وقطاع التعليم 7 بالمائة.
وأشار غريسلي إلى أنه "لا فائدة من إنقاذ حياة أطفال يعانون من سوء التغذية إذا كنا سنفقدهم بسبب أحد الأوبئة أو الإسهال أو الملاريا،" مضيفاً أنه "لدينا فهم أفضل لمجموعة التدخلات المطلوبة، ونحن الآن بحاجة إلى برامج تغطيها". ويعاني التأهب للكوارث من نقص شديد في التمويل، فنسبة تمويل الحد من مخاطر الكوارث (DDR) لا تزال تشكل 4 بالمائة فقط من التمويل الإنساني. علاوةً على ذلك، لا يزال هذا النشاط مركزياً، بينما "تحتاج كل سلطة في كل منطقة إلى خطة ... فالتأهب لا يتم على الصعيد الوطني. هذه من بديهيات التأهب للكوارث،" كما أشار غابلز.
توسيع النطاق أفضل ولكنه لا يزال بطيئاً
أشار سيبريان فابر، رئيس مكتب المساعدات الإنسانية التابع للمفوضية الأوروبية "إيكو" (ECHO) في غرب إفريقيا إلى أنه على الرغم من أن الإنذار المبكر كان جيداً بنسبة كبيرة، ومعظم الجهات الفاعلة في المجتمع الإنساني استعدت بأسرع ما يمكن، فإن بعض الوقت ضاع في البداية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن وكالات الإغاثة التي اعتادت العمل في سياق التنمية وجدت صعوبة في التحول إلى العمل الإنساني. وقالت بعض المنظمات غير الحكومية، من بينها منظمة الخطة الدولية، أن التمويل استغرق بعض الوقت لكي يتدفق من الجهات المانحة إلى الوكالات المتعددة الأطراف ثم إلى المنظمات غير الحكومية. لكن السرعة ازدادت في أوائل عام 2012، حسبما ذكر الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات.
وقالت سوزان ريكو، منسقة جهود برنامج الأغذية العالمي (WFP) في منطقة الساحل وكوكبرن، المسؤول في أوكسفام أن إيجاد عدد كاف من الموظفين التقنيين الناطقين باللغة الفرنسية لا يزال يشكل تحدياً لمعظم وكالات الإغاثة، وأشارا إلى أنهما واجها مشاكل في هذا الشأن، على الرغم من استخدام طواقم الموظفين المخصصة لحالات الطوارئ.
لا تزال الأولوية الممنوحة لسوء التغذية الحاد المعتدل غير كافية
تشير التقديرات إلى وجود حوالى ثلاثة ملايين طفل مصابين بسوء التغذية الحاد المعتدل في منطقة الساحل هذا العام، على الرغم من زيادة الوعي بشأن الحاجة إلى الوقاية من سوء التغذية الحاد المعتدل (MAM)، ومبادرات مثل حركة توسيع نطاق التغذية (SUN Movement)، التي تهدف إلى الحد من نقص التغذية، والتحول في نهج برنامج الأغذية العالمي ليشمل الوقاية من سوء التغذية الحاد المعتدل من خلال برامج التغذية الشاملة التي ينفذها. وقالت مستشارة التغذية في منظمة اليونيسيف، فيليسيتيه تشيبيندات، أن الحكومات الوطنية والجهات المانحة لم تمنح الأولوية الكافية لسوء التغذية الحاد المعتدل حتى الآن. ويؤكد الخبراء أن هناك حاجة إلى مزيد من المساعدة من خلال استراتيجيات الصحة والتغذية الوطنية، والمياه الأكثر نظافة والصرف الصحي وتعليم أفضل يشمل التغذية والصحة العامة.
التأخير في توصيل الغذاء
على الرغم من جودة الإنذار المبكر وتحسين استخدام الأسواق الإقليمية (حيث تم شراء ثلث المعونة الغذائية) واتباع إجراءات شراء أسرع بكثير، أدى إغلاق الحدود وانعدام الأمن والتحديات اللوجستية الأخرى إلى تأخير إمدادات الغذاء في بعض البلدان، ولا سيما تشاد والنيجر. ولجأ برنامج الأغذية العالمي في تشاد إلى نقل المواد الغذائية عن طريق السودان، وهو مسار طويل وغير آمن يتطلب وجود مرافقين. وأشارت ريكو إلى أن هذه الطريقة "كانت ممارسة مؤلمة". وكان لا بد من تخفيض الحصص الغذائية في النيجر وجعلها تستهدف عدداً أقل من الناس بسبب نقص الغذاء. إلا أن "الحصول على الغذاء من مصادر مختلفة كثيرة في مثل هذه المنطقة الشاسعة دائماً ما يكون صعباً،" حسبما ذكرت ريكو، وخاصة عندما تكون هناك قيود بسبب انعدام الأمن في نيجيريا ومالي، والمزيج من الأمطار وسوء حالة الطرق. وقد اجتمع موظفو برنامج الأغذية العالمي الأسبوع الماضي في مقر المنظمة بمدينة روما لمعرفة كيفية مواصلة تحسين سلسلة التوريد.
تأخر النداءات
لم يتم إطلاق نداء إنساني إقليمي في غرب أفريقيا في عامي 2011 و 2012، وبالتالي تحملت سلسلة من النداءات الوطنية عبء جمع التبرعات، التي جاء بعضها في وقت مبكر (النيجر) ولكن البعض الآخر تأخر حتى شهر يونيو، ما خلق التباساً حول كمية المال المطلوبة لمواجهة الأزمة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة واللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، وهي مجموعة القيادة الإنسانية للمنظمات غير الحكومية، إلى الحاجة لجمع 724 مليون دولار، بناءً على النداءات الأولية، وهو رقم كان مستخدماً حتى يونيو 2012، على الرغم من توقع الوكالات في شهر يناير أنها سوف تحتاج إلى ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار، وإعلان برنامج الأغذية العالمي وحده أنه يحتاج إلى 808 مليون دولار للتصدي لأزمة الأمن الغذائي. ومنذ ذلك الحين، تم تنقيح الرقم المطلوب ليصل إلى 1.6 مليار دولار. وقال رئيس برامج مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في غرب إفريقيا، نويل تسيكوراس أن الجهات المانحة بصفة عامة أعطت أموالاً أكثر بسرعة أكبر لمنطقة الساحل هذا العام، ولكن البعض يقول أن الارتباك أدى إلى تآكل ثقة الجهات المانحة الأصغر حجماً التي تعمل بشكل ثنائي وإثنائها عن التبرع بمبالغ كبيرة.
القدرة على المواجهة يجب أن تتجاوز المنظمات الإنسانية
بدأت الجهات المانحة تفهم رسالة بناء القدرة على المواجهة، ويحاول البعض بالفعل تنفيذ برامج تمويل أكثر مرونة - مثل مكتب المساعدة الأمريكية الخارجية للكوارث، الذي يسمح بسرعة توسيع نطاق أنشطة التنمية لتصبح أنشطة إنسانية - ولكن النقاش حول القدرة على المواجهة يقتصر أساساً على الدوائر الإنسانية، ولا يشمل الجهات الفاعلة في مجال التنمية.
الصورة: آنا جفريز/إيرين |
توزيع الطعام التابع لبرنامج الأغذية العالمي في موبتي، في وسط مالي |
وتجدر الإشارة هنا إلى أن خطط الحماية الاجتماعية لأفقر الفئات متخلفة إلى حد ما أيضاً في منطقة الساحل – سواء استهدفت توزيع النقود أو الطعام (من الاحتياطيات الوطنية)، أو برامج العمل، أو مزايا الرعاية الصحية للأطفال - ويجب تحديد أولوياتها. وتتحدث النيجر عن الحماية الاجتماعية، ولكن يجب على الدول الأخرى أن تفعل الشيء نفسه، كما أفاد غابلز.
تجنب التدخل غير المحسوب في الأسواق
مقارنةً مع عام 2010، عندما أدت أسواق المواد الغذائية وظيفتها بشكل جيد جداً، ارتفعت الأسعار في بعض الأسواق في عامي 2011 و 2012 بنسبة 80 بالمائة عن متوسط خمس سنوات، وهذا يعني أن أي جهود لخفض الأسعار يجب أن تتم على نطاق هائل حتى يكون لها تأثير، وفقاً لمحلل الأمن الغذائي في برنامج الأغذية العالمي، جان مارتان باور. ولذا عندما أتاحت الحكومات الوطنية مخزوناتها من الحبوب ودعمتها مالياً، لم يكن لذلك تأثير واسع النطاق (عدا في العاصمة الموريتانية، نواكشوط) وكانت الكميات أصغر مما ينبغي.
وقال باور لشبكة الأنباء الإنسانية أن "هذا التدخل باهظ التكلفة أيضاً"، مضيفاً أن "الاستخدام الأفضل للمال هو توجيه المساعدات المستهدفة إلى الفئات الأكثر ضعفاً وعرضة للخطر". وأشار باور إلى أن بعض الحكومات استجابت بطريقة غير محسوبة وقامت بتقييد حركة التجارة - على سبيل المثال، أوقفت بوركينا فاسو تصدير الحبوب إلى النيجر خلال موسم الجفاف. ولكن هذه التدابير أدت إلى تباطؤ التجارة الداخلية، بدلاً من أن تؤدي إلى خفض الأسعار في الأسواق المحلية، لأن تجار الجملة حجبوا المخزون المتاح لديهم. كما تم تقييد التجارة بين مالي وجارتيها بوركينا فاسو وموريتانيا، وكان ذلك جزئياً بسبب انعدام الأمن. وقال باور أن جميع دول غرب إفريقيا بحاجة للعمل معاً لإقامة سوق زراعية مشتركة من شأنها أن تتيح الفرصة لحل مشاكل الفائض والعجز تلقائياً بشكل أفضل، كما أنها قد تحقق استقرار الأسعار في جميع أنحاء المنطقة.
وبشكل عام، يُنظر إلى توسيع نطاق القسائم النقدية والنقد على أنه تطور إيجابي، ولكن نظراً لتقلبات وديناميكية أسواق الغذاء في غرب إفريقيا (ذكر باور أن "الأسواق هنا يمكن أن تتغير تماماً كل عام")، هناك حاجة إلى فهم أفضل لموعد اختيار توفير الطعام أو المال. وأكد باور أن "نوع التحليل الذي نحتاج إليه في القطاع الإنساني يجب أن يتغير".
الساحل: تحسّن ملحوظ في الاستجابة للأزمة؟
aj/cb-ais/bb
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions