1. الرئيسية
  2. Asia
  3. Bangladesh

بنجلاديش: ثمانية أشخاص وكلب وعنزة والبحر

Kutubdia Island in Bangladesh Peter Murimi/IRIN

أنا وصياد وزوجته وأولاده الثلاثة وابنتاه وأخت زوجته، وكلب وعنزة ننظر إلى بعضنا البعض بكثير من الشك. فهذه الأسرة المكونة من ثمانية أفراد غير متأكدة إذا كنت سأستطيع النوم في الكوخ الطيني الخاص بهم، الذي لا يزيد في حجمه عن سيارة رياضية إلا قليلاً. ويبدو أن الحيوانات أيضاً تشاطرهم الرأي.

وسرعان ما تشكل رأي الصياد براجاري داس، إذ قال باللغة البنغالية: كونو سامسايا ناهين"... أي "لا توجد أية مشكلة".

وفي تلك اللحظة، انفتحت السماوات وانهمرت الأمطار الموسمية - التي تأخرت شهرين - وبدأت تدق على السقف المصنوع من الصفيح بشكل يصم آذاننا. صاح براجاري ليصبح صوته مسموعاً:  "المكان ليس مشكلة، لكن هل يمكنك تحمل الأرض الطينية؟"

تتساقط قطرات المطر داخل الكوخ، وتضحك ابنتاه بريانكا، 12 عاماً، وبريوشي، 8 أعوام، وهما تنظران إلي وأنا أحاول أن أتفادى تسرب المياه من السقف ولكن والدهما يفكر في مشاكل أكبر من هذه -- فالكوخ يبعد أقل من 500 متر عن البحر الذي يقترب زاحفاً يوماً بعد يوم.

يعيش براجاري وأسرته في قرية على جزيرة كوتوبديا التي تقع قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لبنجلاديش في خليج البنغال. وتتعرض جميع الجزر للتأكل بفعل معدلات أقوى وأعلى من المد والجزر والأعاصير والعواصف.

قد انخفضت مساحة كوتوبديا التي كانت تغطي 250 كيلومتراً مربعاً، إلى حوالي 25 كيلومتراً مربعاً فقط في غضون قرن من الزمان، ولكن سكان الجزر مقتنعون بأن مستوى سطح البحر يتزايد أيضاً. 

 يرأس براجاري جمعية الصيادين المحليين، ويبلغ عمره 41 عاماً ولكنه يبدو في أواخر الخمسينات. "إنها حياة صعبة بالنسبة لصياد... فهي مهنة خطرة"، كما يقول بارهاق شديد بينما يمرر أصابعه في شعره المائل إلى الشيب. وعلى الرغم من علامات التعب البادية على وجهه إلا أن عينيه تبرقان عندما يتحدث عن أبنائه، أو السمك الذي اصطاده في ذلك اليوم.

يتحدث روبين، ابنه البالغ من العمر 14 عاماً، القليل من الإنجليزية، حيث يقول: "يخرج والدي إلى البحر كل ست ساعات، ويتخلل ذلك ساعة استراحة ثم يعاود الخروج إلى عرض البحر. نشعر بالقلق طوال الوقت ونتساءل إذا كان سيعود أم لا. ففي معظم الأيام، بعد أن يقضى ما يقرب من يوم كامل في البحر يكسب ما يزيد قليلاً عن دولار واحد".


قبل بضع سنوات، اختفى براجاري في البحر، ثم وجده فريق إنقاذ من القرية بعد عدة أشهر محتجزاً لدى قوات خفر السواحل في دولة الهند المجاورة، بعد أن كان قد إنجرف غرباً إلى الجانب الهندي من خليج البنغال.

وفي الشهر الماضي، اشترى براجاري قاربه بأموال إدخرها بحرص على مدى سنوات عديدة إذ يقول روبين بفخر: "إنه الآن حر -- في السابق، كان عليه أن يرجو الناس في القرية لأخذه إلى البحر".

بلغت تكلفة شراء القارب 50 ألف تاكا (723 دولاراً). وفي قرية يقطنها ألف صياد، عشرون فقط يمتلكون زوارق خاصة بهم. وقد انفرجت أسارير براجاري، الذي فهم بعض أجزاء هذه المحادثة.

وإلى جانب "نضالهم المستمر مدى الحياة مع البحر"، كما تسميه برومي زوجة براجاري، يجب أن يأخذ سكان الجزر حذرهم من الأحداث المناخية المفاجئة أيضاً، مثل الأعاصير.

فقد ضرب إعصار أيلا قريتهم، أليابارديل الشرقية، في شهر مايو 2009 ودمر جزءاً من كوخهم. وقد لقي ما لا يقل عن 190 شخصاً في بنجلاديش حتفهم في هذا الإعصار ولكنه لم يسجل أية وفاة في هذه القرية لأن مسؤولي إدارة الكوارث أجلوا معظم السكان في الوقت المناسب.

وقد أجبرت الأعاصير، والساحل الذي يزحف بشكل مضطرد إلى الداخل، الأسرة  على الانتقال وبناء منازل جديدة خمس مرات في العقود الثلاثة الماضية. وتقول برومي وهي تقدم الطعام على الطبقيين الوحيدين المتبقيين في المنزل: "بسبب كل هذه الأعاصير تركنا الأطباق وكل متعلقاتنا الأخرى في منزل والدي ذو الهيكل الدائم في منطقة داخلية من الجزيرة".

وقال براجاري: "سيكون من الجيد إن قام المسؤولون بتحصين ساحل الجزيرة. ستكون لدينا فرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة في هذه الأرض المعرضة للغرق".

تقسم حصيرة منسوجة على عصي ومعلقة على عمودين من الخشب الكوخ إلى غرفتين، توجد في إحديهما طاولة واحدة يدرس عليها كل الأطفال ويتناولون عليها الطعام، وبعض الكراسي البلاستيكية. وليس هناك أي أثاث آخر.

كما أن جميع ملابسهم معلقة على حبل على طول جدار من الكوخ، وأثمن متعلقاتهم - وهي صور الأصدقاء القدامى الذين لقوا حتفهم وشهادات مدرسية للأطفال - مغلق عليها في صندوق خشبي صغير على الرف.

تتناول الأسرة طعامها عندما يعود براجاري إلى المنزل ويجلب صيده. ومعظم الأموال التي يكسبها كل يوم تنفق على الأرز. ويقول براجاري وهو يسكب الأرز في صحنه إلى جانب بعض الجمبري بالكاري وبيضة مسلوقة ومقلية مع الأرز: "نحن نحب الأرز... أسرتنا تحتاج ما لا يقل عن ستة كيلوجرامات كل يوم".

تناولت الأسرة طعامها بعد أن أكلنا أنا وبراجاري. تساعد بريانكا وبريوشي أمهما في التنظيف. وبعد العشاء، ينهي الأطفال واجباتهم المدرسية تحت مصباح يعمل بالطاقة الشمسية مقدم إلى خمسة منازل في القرية من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ويقول براجاري: "أقنعت برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بفتح مدرسة في قريتنا... لأنني لا أريد لأطفالنا أن يعملوا بهذه المهنة [الصيد] -- أريدهم أن يتعلموا ويخرجوا من هنا. فلا يوجد مستقبل هنا في هذه الجزيرة".

ويعمل ابن براجاري الأكبر خياطاً في دبي، ولكنه لم يتمكن بعد من إرسال أموال إلى الوطن. كما يعمل ابنه الآخر مصفف شعر في البلدة. أما روبين، الأبن الأصغر الذي ما يزال في المدرسة الابتدائية فيقول: "أريد أن أكون شخصاً مشهوراً -- إدعو لي". ضحكت بريانكا وبريوشي عندما وجه السؤال إليهما وقامتا بتغطية وجهيهما خجلاً فقالت برومي وهي تحاول الإجابة عنهما: "أعتقد أنهما قد تصبحان طبيبتين أو معلتمين".

توقفت الأمطار فجأة فأدركنا أننا جميعاً متعبون قليلاً من اضطرارنا لإجراء محادثة بصوت عال. ثم تم فرش الحصير المنسوج على عصي للنوم على الأرض الطينية.

Brajhari Das and his family have a quick breakfast of puffed rice and peanuts
الصورة: أفلام إيرين
الصياد براجاري داس واسرته يتناولون وجبة إفطار سريعة من الأرز والفول السوداني
كان علي النوم بالقرب من المدخل بين الكلب والعنزة وأخت برومي. لم تثر الحيوانات ضجة في الليل، لكنني استيقظت في منتصف الليل، عندما خرج براجاري الى البحر. لقد عاد إلى الكوخ في حوالي الخامسة صباحاً ورمى ملابسه المبتلة في الخارج. استيقظت برومي وبدأت تنظف المدخل الموحل.

وتحيط القرية تربة طينية ذائبة، فغاصت قدماي فيها عندما خرجت لتنظيف أسناني ممسكة بزجاجة المياه المعدنية الخاصة بي. وتوجه القرويون إلى المضخات اليدوية. كان هناك كيس من البلاستيك مربوط حول أربعة أعمدة خشبية تعتبر بمثابة مرحاض الحي. وتسارع النساء للوصول إلى هناك قبل الرجال.

إنه يوم جديد وعلى براجاري الذهاب إلى البحر مرة أخرى. بعد حمام سريع تحت مضخة القرية، يستعد هو وبرومي لأداء صلاة الصباح فيملآن حاويتين من النحاس بالماء، ويغطيان الماء ببتلات الزهور، ويضعان الإنائين على منصة مرتفعة من الطين في ركن في منزلهما، ثم يجلسان القرفصاء أمام المنصة ويصليان. 

 ويقول براجاري "نحن نعبد البحر ونهر الغانجز"، مضيفاً أن "مياههما هي حياتنا -- نحن نرجو بركاتهما ونطلب منهما أن يكونا كريمين معنا كل يوم".

jk/he-ai/dvh

"
Share this article

Get the day’s top headlines in your inbox every morning

Starting at just $5 a month, you can become a member of The New Humanitarian and receive our premium newsletter, DAWNS Digest.

DAWNS Digest has been the trusted essential morning read for global aid and foreign policy professionals for more than 10 years.

Government, media, global governance organisations, NGOs, academics, and more subscribe to DAWNS to receive the day’s top global headlines of news and analysis in their inboxes every weekday morning.

It’s the perfect way to start your day.

Become a member of The New Humanitarian today and you’ll automatically be subscribed to DAWNS Digest – free of charge.

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join