إن التأثير الأكبر لتغير المناخ سيقع على المجتمعات الأكثر فقرا. لذلك بدأ التركيز الآن ينصب على بلورة أوجه للتكيف المجتمعي مع تغير المناخ بشكل يساعد المجتمعات الأكثر فقرا وعرضة للخطر على الحصول على التمويل والمعلومات.
وفي هذا السياق، قال سليم الحق، رئيس المجموعة المعنية بتغير المناخ في المعهد الدولي للبيئة والتنمية بلندن، أنه حتى مع توفر أفضل النوايا والكثير من الأموال المقدمة من طرف المجتمع الدولي من أجل التكيف مع تغير المناخ، إلا أن هذه الأموال ستصل إلى المجتمعات الأكثر فقرا ببطء شديد كما هو الحال في تجاربنا الماضية مع التمويل التنموي بصفة عامة".
ولكن ما هو التكيف المجتمعي مع تغير المناخ ؟
أوضح حق أن التكيف المجتمعي مع تغير المناخ "لا يزال مصطلحاً طموحاً نأمل أن ينطبق على أنشطة التكيف مع تغير المناخ التي تقوم بها المجتمعات الفقيرة جدا والمعرضة للخطر (والتي غالبا ما تكون في الدول النامية) بمرور الوقت. ونحن لا نزال في مرحلة مبكرة جدا لوضع أية منهجية أو تعريفات".
وتحدث العديد من أنشطة التكيف في بنغلاديش التي تم تصنيفها من بين الدول الأكثر عرضة لخطر آثار تغير المناخ مثل ارتفاع سطح البحر وزيادة الفيضانات والملوحة وموجات الجفاف المتكررة في بعض المناطق.
ومع تزايد حدة الأمطار وتكرار هطولها على مر السنوات، يقوم المزارعون الذين يعانون من غمر المياه للحقول في الأجزاء الجنوبية من بنجلاديش بزراعة الغذاء على جزر عائمة مصنوعة من قش الأرز والزنابق المائية وغيرها من النباتات المائية. ويرى حق أن الزراعة المائية أو الزراعة بتربة أقل هي طريقة أخرى للتكيف مع "تقلب المناخ".
وغالبا ما يكون التمييز بين التكيف مع تغير المناخ والتكيف مع التقلبات المناخية أمرا غير واضح. فالتقلبات المناخية تشير إلى التغيرات في متوسط الإحصاءات المناخية، بينما يشير تغير المناخ إلى التغير الكبير طويل الأمد في متوسط حالة الطقس بما في ذلك التقلبات المناخية.
وقال حق أن التركيز ينصب الآن على تجميع كل أنشطة التكيف المبنية على مشاركة المجتمع تحت مصطلح "التكيف المجتمعي مع تغير المناخ"، مضيفا أن " العمل لا يزال جاريا لتعريف التكيف مع تغير المناخ المبني على مشاركة المجتمع في مقابل التكيف مع تقلبات المناخ المبني على مشاركة المجتمع".
وذكر حق في مذكرة أعدها للمعهد الدولي للبيئة والتنمية أن مشروع التكيف المبني على مشاركة المجتمع يُشبه إلى حد كبير أي مشروع تنموي. ومن أمثلة تلك المشاريع حصاد المياه الجماعي في ظروف الجفاف بدلا من الاستجابة الفردية لتغير المناخ. والتكيف مع تغير المناخ المبني على مشاركة المجتمع هو مبادرة جديدة أخرى تُضاف إلى غيرها من المبادرات التي تقوم بها المجتمعات المحلية.
وقد أشارت مذكرة المعهد الدولي للبيئة والتنمية إلى أن "عنصر التكيف يعرف المجتمع على مفهوم الأخطار المناخية ثم يأخذها بالاعتبار ضمن أنشطته. وهذا يجعل هذه الأنشطة أكثر مقاومة للتقلبات المناخية الفورية ولتغير المناخ طويل الأمد".
وأضافت المذكرة أنه "بالرغم من ذلك، لابد من الوعي بكون المشروعات القليلة الموجودة للتكيف مع تغير المناخ حديثة للغاية لدرجة أنها بالكاد تصلح لمقاومة التقلبات المناخية المتكررة ناهيك عن تغير المناخ بشكل عام".
مبادرة عالمية
شكلت عملية التكيف المجتمعي مع تغير المناخ موضوع تركيز من قِبَل ورشة العمل الدولية الثالثة حول التكيف المبني على مشاركة المجتمع، والتي عقدت مؤخرا في دكا، عاصمة بنغلاديش، والتي اشترك في تنظيمها المعهد الدولي للبيئة والتنمية ومركز بنغلاديش للدراسات المتقدمة وهيئة تحالف الطوق Ring Alliance التي تضم 13 منظمة لأبحاث السياسات من مختلف أنحاء العالم.
وقد تم تدشين مبادرة عالمية حول التكيف المبني على مشاركة المجتمع خلال ورشة العمل وذلك من أجل تعزيز هذا المفهوم ومشاركة المعلومات. وقد قال حق أن المبادرة لن تقوم فقط ببناء قاعدة معلومات لدعم المجتمعات ولكنها ستخدم أيضا الهدف الاستراتيجي الخاص بالدعوة إلى تخصيص "حصص محددة" لمن هم أكثر عرضة للخطر في أي تمويل عالمي جديد للتكيف قد تتم الموافقة عليه في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أو العمليات العالمية الأخرى.
وأقرت مذكرة المعهد الدولي للبيئة والتنمية بأن "مفهوم تغير المناخ مربك وغير واضح للكثيرين"، مضيفة أن "المناقشات التي تدور حوله يجب أن تستخدم اللغة الخاصة بمجتمع معين والمصطلحات التي يستطيع فهمها أفراد هذا المجتمع".
وقد أظهرت الدراسات التي جرت في فيتنام وملاوي أن المجتمعات الريفية غالبا ما تستشعر تغير المناخ وتبدأ في التكيف مع التقلبات المناخية من خلال زراعة أنواع محاصيل جديدة شديدة القدرة على الاحتمال، ولكن نقص الفهم كان أكبر في المناطق التي يكون فيها الاتصال ضعيفاً.
ولم توصي مذكرة المعهد الدولي للبيئة والتنمية بترجمة النصوص العلمية إلى اللغات المحلية فقط وإنما أيضا باستخدام الوسائل التقليدية للاتصال مثل الفن والمسرح. وقد ألقت أحدى أوراق العمل المقدمة في هذه الورشة الضوء على استخدام الإذاعة الريفية في جمهورية الكونغو الديموقراطية لإخبار صغار المزارعين بشأن التحديات التي يشكلها تغير المناخ.
وقد أنشأ معهد الدراسات التنموية في المملكة المتحدة موقعاً على شبكة الانترنت لتبادل المعلومات حول التكيف المبني على مشاركة المجتمع وإطلاع المنظمات غير الحكومية والمجتمعات عليها. وتعمل خدمة غوغل إيرث أيضا مع الحكومات لوضع خرائط لمشروعات التكيف عالميا.
"