زار جون هولمز، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق عمليات الإغاثة الطارئة، دبي مؤخراً لحضور فعاليات القمة الافتتاحية لمجالس الأجندة العالمية، التي نظمها المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع حكومة دبي من 7 إلى 9 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقد شارك في القمة 700 شخص من المفكرين الأكثر تأثيراً من الوسط الأكاديمي وقطاع الأعمال والحكومة والمجتمع المدني من جميع أنحاء العالم الذين اجتمعوا لتبادل الأفكار والتعاون من أجل معالجة بعض أبرز القضايا على الأجندة العالمية. وكان لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) الحديث التالي مع جون هولمز أثناء انعقاد الحدث.
إيرين: ما الفائدة التي يجنيها العالم من عقد فعاليات كالمنتدى الاقتصادي العالمي؟ فالكثير من الناس ينظرون إلى مثل هذه الفعاليات على أنها مهرجانات للخطابة، ليس إلا، لأنها تفتقد لآلية لتنفيذ أي قرار يتم التوصل إليه أثناء انعقادها، ما رأيك في ذلك؟
جون هولمز: بالتأكيد إنها مهرجانات خطابة ولكن هذه القمة بالتحديد كانت نوعاً من التفكير الجماعي العالمي، فهي بداية مسيرة أكثر منها نهاية بحد ذاتها. الفكرة هي أن تأخذ ما تتعلمه في هذه المباحثات وتعود به إلى منظمتك وإلى الحقل الذي تعمل به وتحاول صنع الروابط. من الموضوعات التي تحدثنا عنها كثيراً كيف ينعزل الخبراء في صوامعهم دون أن يتصلوا بأشخاص آخرين في صوامع أخرى – على الرغم من أن القضايا التي تجمعهم غاية في الوضوح. لقد رأينا بعض الدلائل على ذلك بين العاملين في الحقل الإنساني، على سبيل المثال. ففي مباحثاتنا مع الأشخاص المعنيين بموضوع الهجرة مثلاً، وجدنا أنهم لا يتحدثون حتى عن الآثار الإنسانية للتغير المناخي والتي نخشى أنها ستتسبب بهجرة ذات نطاق أوسع. لقد حاولنا توصيل الفكرة إليهم وقلنا لهم ما نريده منكم هو تزويدنا بإحصائيات أفضل حول ما يمكنه أن يحدث". ولذلك أعتقد أن هناك بعض الروابط المفيدة التي يمكن أن تترجم إلى أفعال حقيقة.
الجاهزية والتمكين
إيرين: أنت عضو في مجلس المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بالمساعدات الإنسانية. ما هي الأفكار التي قدمتها للمجلس فيما يتعلق بالتغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي؟
جون هولمز: ما كنا نبحثه هو أننا بحاجة إلى القيام بأمرين اثنين ليسا بالتحديد أفكاراً جديدة بل كنا نحاول صياغتهما في قالب مترابط وبشكل منطقي. الأمر الأول هو الحاجة لبذل المزيد من الوقت والجهد على ما يمكن أن نسميه أصل المشكلة – أي الوقاية والتقليل من خطر الكوارث والاستعداد لها بحيث نستثمر المزيد من الجهود والمصادر والأفكار في هذا الاتجاه بدل أن نزيد من تركيزنا على جانب الاستجابة بعد وقوع الحدث – الذي يبقى ضرورياً كذلك لأن عليك أن تساعد الناس في وقت الحاجة – ولكنه ليس بالاستثمار الجيد لأنك لا تستطيع حل أي مشكلة بهذه الطريقة. أما الأمر الثاني فهو العمل على تمكين الحكومات والمجتمعات المحلية وربما المنظمات الإقليمية من خلال مساعدتها على امتلاك المزيد من القدرات مما لا يدعو المجتمع الدولي إلى التدخل كثيراً بل يحتفظ بتدخله للحالات التي تكون فيها الاحتياجات جد كبيرة. إذن، يسير هذان الأمران معاً وهما ما نحاول أن نصفه الآن بمصطلح نموذج العمل الجديد في المساعدات الإنسانية. لقد طُرِحت هذه الأفكار من قبل ولكننا نحاول اليوم قولبتها بشكل جديد.
إيرين: ولكن ما الذي أعاق الوصول إلى مثل هذا التطور؟ لقد تحدث كوفي أنان عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة عن الحاجة لأن ينتقل العاملون في الحقل الإنساني من ثقافة الاستجابة إلى ثقافة الوقاية، ولكن هذا الأمر لم يحدث بعد، لماذا؟
جون هولمز: أعتقد أن الموضوع يتعلق بالطبيعة الإنسانية. في حياتنا اليومية نعلم أن الوقاية خير من العلاج ولكننا لا نتصرف بطرق تتناسب مع ذلك. وكذلك الحكومات والمؤسسات الدولية، فهي تعرف نظرياً أنه من الأفضل الاستثمار بشكل أكبر في الجانب الوقائي ولكنهم لا يقومون بذلك على أرض الواقع. عليك أن تقنع وزراء المالية والحكام ورؤساء الوزارات أن عليهم الاستثمار بأمر ما يمكن أن تظهر نتائجه بعد 10 أعوام أو 15 عاماً، عندما يكونوا قد غادروا السلطة بالفعل. إنه أمر شائك بعض الشيء. إذن يجب عليك أن تملك حججاً قوية وأن تتمكن من إثباتها – بأن تبين أن الاستثمار [في هذا المجال] قد يكون جيداً بالفعل لأن المزيد من الكوارث ستقع نتيجة للتغير المناخي. ومن هنا تأتي أهمية أجندة خفض مخاطر الكوارث بسبب علاقتها بالتغير المناخي. اعتقد أن التغير المناخي كان الفكرة الرئيسية الأخرى التي تم التباحث حولها. وكما قال أحدهم في النهاية: "إنه المناخ..! الأزمة المالية أو الاقتصادية ليست مشكلة جوهرية حقاً، إنه المناخ.
أثر الأزمة المالية العالمية
إيرين: إلى أي مدى أثر الاضطراب الذي نشهده الآن في أسواق المال العالمية على المساعدات الإنسانية بشكل عام؟
جون هولمز: إلى الآن لا يؤثر عليها ولكننا لا نتوقع أن يستمر ذلك – فالأزمة قد بدأت للتو. سوف تكون تبعات الأزمة ملموسة في ميزانيات الحكومات وربما في ميزانيات المساعدات في العام القادم وقد يزداد ذلك في عام 2010 لأنه المشكلة قد تحتاج إلى وقت كي ترشح إلى السطح. ما نحاول أن نقوم به الآن هو إرسال رسالة قوية مفادها أنه مهما عظم حجم الضغوطات الناتجة عن الأزمات المالية أو الركود الاقتصادي – التي تتطلب صرف المزيد من الأموال على تعويضات البطالة أو غيرها من الأمور – فإننا ندعوهم ألا يقطعوا ذلك من الميزانيات الإنسانية.
المساعدات الثنائية مقابل المساعدات المتعددة الأطراف
إيرين: في المباحثات التي أجريتها مع القادة في دول الخليج على سبيل المثال، ما درجة الاستجابة التي أبدوها حول القضايا الإنسانية وخاصة أنهم يعيشون في بيئة آمنة ومستقرة؟
جون هولمز: لم أتحدث إليهم في هذه الرحلة لأني كنت منشغلاً في مباحثات المنتدى الاقتصادي العالمي ولكننا نتحدث إليهم كثيراً. أعتقد أن ما نراه هنا هو دوافع إنسانية كريمة ولكن الموارد التي تأتي من هذه الدول لا تسير في القنوات التي نعتبرها أفضل القنوات ألا وهي القنوات متعددة الأطراف. فهناك تقليد راسخ هنا وهو تقديم مساعدات ثنائية من طرف لآخر. ليس لدي أي مشكلة في ذلك. ولكننا نحاول أن نشجع دول المنطقة على وجه الخصوص على (أ) تقديم المزيد من الأموال لدعم القضايا الإنسانية (ب) وتقديم المزيد من الأموال عبر القنوات المتعددة الأطراف لأننا نعتقد أنها الطريق الأكثر فاعلية للقيام بذلك ولأنها أحد السبل للحصول على المزيد من التقدير والاعتراف بما يتم تقديمه.
التغير المناخي والغذاء
إيرين: ما هي التحديات الإنسانية الرئيسية التي يواجهها العالم اليوم؟
جون هولمز: أعتقد أن النزاعات الطويلة التي تأخذ الكثير من الوقت والموارد والجهد ستبقى تحديات بالنسبة لنا. وقد لا تتعاظم لتؤدي إلى مشاكل إنسانية ولكنها قائمة. ولكن ربما تكون أكبر مشكلة في المستقبل هي التغير المناخي لأنه سيؤدي إلى المزيد من الكوارث ويتسبب في المزيد من الكوارث الشديدة كما أن المشكلة ستتخذ منحىً متزايداً خلال 20، 30، 40 و50 سنة. مهما كانت التحركات باتجاه تخفيض الغازات الدفيئة فلن يغير ذلك من حقيقة التغير المناخي لوقت طويل جداً ولذلك يمكن لهذه الكوارث وموجات الجفاف المتزايدة وارتفاع مستوى سطح البحر والمشاكل الكبرى كالذوبان الجليدي في الهملايا – أن تؤدي إلى كوارث إنسانية كبيرة لم نشهدها على الأقل خلال السنوات الأخيرة للحد الذي قد يبدو معه التسونامي مشكلة صغيرة بالمقارنة. هذا بالإضافة إلى أزمة الغذاء التي لم تنته بعد وخاصة في الدول النامية. ولهذا السبب، هناك حاجة لزيادة كمية الغذاء والمساعدات التغذوية التي يمكن تقديمها للفئات الأكثر ضعفاً مع حاجة كبيرة أيضاً لزيادة الاستثمارات في الدول النامية في الزراعات التي يقوم بها صغار المزارعين لأننا إذا لم نقم بذلك فلن نتمكن من معالجة المشكلة بنجاح.
فتور تجاه الكوارث؟
إيرين: هل تعتقد أن هناك فتوراً عاماً في الغرب تجاه الأزمات الإنسانية كما تصور شاشات التلفزة؟
جون هولمز: ربما ولكن ما يساعدنا، إذا أردت، هو ولع وسائل الإعلام بأخبار الكوارث الأمر الذي يعوض ذلك الفتور وربما يمكنك ملاحظة أن هناك رغبة في تقديم صور جديدة. ومن الأمور اللافتة للنظر هذا العام أننا شهدنا جفافاً حاداً في أجزاء من إثيوبيا لم تغطه وسائل الإعلام بالطريقة ذاتها اليوم كما كانت تفعل منذ 10 أو 20 عاماً مضى. ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى أن استجابتنا للجفاف باتت أفضل ولم يعد الناس يموتون كالسابق. إنها ليست مجاعة كالتي شهدتها البلاد في الثمانينيات والتسعينيات والتي كانت الدافع وراء حفلات "لايف آيد" Live Aid وغيرها من الأمور. ولكنني أعتقد أن هناك نوع من الفتور الذي يجب أن نكون حذرين بشأنه. لحسن الحظ لم يفتر المانحون بعد على الأقل. أعتقد أننا سنراقب ما سيحدث في موضوع الأزمة المالية ولكن المانحين كانوا كرماء نسبياً في إسهاماتهم التي تستهدف القضايا الإنسانية خلال السنوات القليلة الماضية على الرغم من أننا نعتمد على عدد قليل منهم فقط.