إنها مهمة غريبة بالنسبة لرجل يقول أنه ينفر من الاختصارات. سيتولى مارك لوكوك، الذي يشغل حتى الآن منصب كبير موظفي الخدمة المدنية في وزارة التنمية الدولية البريطانية، مهام مدير الشؤون الإنسانية الجديد في الأمم المتحدة، الذي يشرف على إدارة مترامية الأطراف وعدد كبير من الآليات الحافلة بالاختصارات.
ويأتي لوكوك إلى منصبه الجديد بينما تهدد المجاعة أربع دول، وتُسحق المبادئ الانسانية في سوريا، وتتقلص إدارته في الأمم المتحدة، وتخطط إدارة ترامب لتخفيضات هائلة في تمويلها لوكالات الأمم المتحدة.
وقال مصدران مطلعان أن اسم لوكوك ظهر فقط بعد أن رفضت الأمانة العامة للأمم المتحدة اسماً واحداً آخر على الأقل اقترحته الحكومة البريطانية. حدث هذا في عام 2015، عندما رفض بان كي مون تعيين الوزير البريطاني السابق أندرو لانسلي، في نزاع دبلوماسي تحول إلى خلاف علني.
ويعد لوكوك، الذي سيخلف ستيفن أوبراين، الأخير في سلسلة من البريطانيين المعينين في منصب وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الذي يدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وقد أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية عن اختيار لوكوك لهذا المنصب، الذي سيمنحه راتباً قدره 192,000 دولار أمريكي، كما تنبأت مصادر متعددة بتعيينه في تصريحات لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
ولم يطرأ أي تغيير على تعيين بريطاني في هذا المنصب طوال السنوات العشر الماضية، ولكن اختيار موظف مدني، وليس سياسياً، لهذه الوظيفة أمر مختلف. كانت فاليري آموس، التي شغلت المنصب في الفترة من 2010 إلى 2015، شخصية بارزة ولكن غير منتخبة في حزب العمال البريطاني. وكان أوبراين، خليفتها، عضواً في البرلمان عن حزب المحافظين الحاكم وكانت لديه خبرة محدودة في مجال المساعدات الخارجية.
ولكن عندما يتم قصف المستشفيات، ويتعرض اللاجئون للاعتداء، وترفض الدول الغنية دفع قيمة نداءات الأمم المتحدة، هل سيكون الرجل الذي عمل كموظف حكومي طوال حياته ويتحدث بعناية هو الشخص المناسب لهذا المنصب؟
وقد أعرب مصدر بريطاني مطلع على سجل لوكوك عن ارتياحه لأنه ليس من "بقايا المحافظين"، وقال أن خبرته ستجعله "مديراً أفضل من سابقيه". غير أن لوكوك لا يملك خبرة سياسية مثبتة في مجلس الأمن، حيث توجد حاجة إلى الكاريزما والنفوذ للدفاع عن القضايا الانسانية.
ومن الناحية الفنية، لوكوك هو الشخص الأكثر تأهيلاً على الإطلاق الذي تم تعيينه في هذا المنصب - حيث أنه يحمل مؤهلات في المحاسبة، وعمل في منظومة المساعدات الحكومية البريطانية منذ عام 1985، بما في ذلك وظائف في زيمبابوي وكينيا. وفي حديث صحفي، أثنى وزير سابق في وزارة التنمية الدولية، هو أندرو ميتشيل، على فطنته ونصائحه الرصينة: "عندما كان يقول: سيكون ذلك عملاً يتسم بالشجاعة الفائقة، نحن - كطلاب في مدرسة المسلسل التلفزيوني 'نعم يا سيادة الوزير' - كنا نفكر بعناية قبل القيام بذلك العمل".
وقال أحد موظفي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، الذي أصر على عدم الكشف عن هويته، أن تعيين لوكوك سوف يقابل بردود أفعال متباينة بين الموظفين: "بالنسبة لفريق الإدارة، سيشكل تحدياً جديداً، كما كان الحال مع ستيفن، وبالنسبة للباقين، نأمل أن يكون شخصاً يستطيع إخراجنا من الفوضى الحالية التي نعاني منها".
وتشير كلمة "الفوضى" جزئياً إلى المشاكل المالية والهيكلية التي تواجه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بعد تخفيض مساهمات المانحين والمراجعات النقدية. ويشمل دور لوكوك إدارة 2,000 موظف تابع لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وقيادة المجتمع الإنساني الأوسع نطاقاً باعتباره "منسق الإغاثة في حالات الطوارئ"، وهو دور تمنحه الأمم المتحدة، لكنه لا يحمل سوى القليل من الصلاحيات. كما يجب عليه توجيه إصلاحات لقطاع المعونة الطارئة التي طُرحت خلال القمة العالمية للعمل الإنساني.
وفي مقال نشرته شبكة الأنباء الإنسانية، أطلق سلف آخر على هذا العمل وصف "شبه مستحيل".
من جانبه، يصف بن رامالينغام، رئيس مجموعة الكوارث والتنمية في مركز الدراسات الجامعية البريطاني المعروف باسم معهد دراسات التنمية، لوكوك بأنه "خيار عظيم"، مشيراً إلى خلفيته الفنية والمالية. وقال رامالينغام لشبكة الأنباء الإنسانية أن لوكوك سيتعرض للاختبار الأصعب في المشهد السياسي المشحون و "إعادة صياغة دور مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في عالم متغير".
وأشار مراقب آخر إلى أن غوتيريس قد عين عدداً قليلاً من النساء في المناصب العليا الحيوية في مجالات السياسة والسلام والأمن، كما لم يحرز أي تقدم ملحوظ في كسر احتكار الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن لتلك المناصب.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد التزام مشترك من أحزاب المملكة المتحدة بإنفاق 0.7 بالمائة من الدخل القومي الإجمالي على التنمية، نمت وزارة التنمية الدولية البريطانية بسرعة لتصبح ثالث أكبر جهة مانحة في العالم، بعد الولايات المتحدة وألمانيا. وقد اكتسبت بريطانيا الثناء من المنظمات الرقابية والمحللين على تمويلها للتنمية وأعمال الإغاثة، بما في ذلك دعم البيانات المفتوحة والشفافية المالية، و "فصل" إنفاقها عن الشركات والمقاولين البريطانيين، والدفاع عن نُهج جديدة، مثل المساعدات النقدية والجهود الجماعية، بما في ذلك الصناديق المشتركة.
وكثيراً ما أدلى لوكوك بشهادته أمام الاستفسارات واللجان البرلمانية لكي يشرح عمل وزارته ويدافع عنه. وقد واجهت وزارة التنمية الدولية البريطانية عدداً من الفضائح غير المريحة، كان آخرها السلوك غير الأخلاقي من جانب أحد أكبر المقاولين الهادفين للربح، شركة آدم سميث الدولية، والفساد الذي شاب مشروع بناء مطار في البؤرة الاستيطانية البريطانية النائية سينت هيلينا.
وفي حديث مع مجلة داخلية تابعة للخدمة المدنية، قيل أن لوكوك "لا يستخدم الاختصارات". وهذه عادة قد يضطر رئيس أوتشا ووكيل الأمين العام ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ الجديد إلى إعادة النظر فيها في أسرع وقت ممكن.
bp/ag-ais/dvh