عندما يدق جرس المدرسة السادسة والستين الإعدادية في أثينا في تمام الساعة الثانية ظهراً، يتدفق عشرات الأطفال اليونانيين من المبنى المكون من ثلاثة طوابق عبر بوابات المدرسة. يسود الصمت لمدة 20 دقيقة تقريباً قبل وصول الحافلات التي تقل عشرات الطلاب اللاجئين من المرحلة المتوسطة. ويصعب تمييزهم عن نظرائهم اليونانيين لأنهم يرتدون الجينز والأحذية الرياضية ويحملون حقائب الظهر، وهذه سمات عالمية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً.
يكشف فارق واحد بين المجموعتين الطلابيتين عن نفسه داخل الفصول الدراسية، وهو أن الوافدين الجدد أكثر حاجة إلى التعلم ورغبة فيه. يقفز الطلاب اللاجئون من مقاعدهم لكي يتسابقوا لإتمام عمليات الضرب الطويلة على السبورة، في حين يطلق بقية الطلاب هتافات لتشجيعهم. ويتناوب الطلاب السوريون والأفغان والإيرانيون في فصل دراسي صغير بلهفة قراءة أشهر السنة باللغة الإنجليزية.
وتقول معلمة اللغة الإنجليزية ماريا ليكوبولو: "عندما يدق الجرس، يرغبون أن أبقى بالفصل لشرح شيء ما". وتضيف معلمة الرياضيات ديميترا أناتوليتي: "في الحصة الأخيرة يوم الجمعة، غالباً ما يطلبون المزيد من الواجبات المنزلية".
في السياق نفسه، تقول ألكسندرا أندروسو، أستاذة العلوم التربوية في جامعة أثينا، التي ساعدت في صياغة برنامج وزارة التعليم اليونانية الخاص بتعليم اللاجئين بعد ساعات العمل الرسمية، الذي بدأ في شهر أكتوبر الماضي: "إنهم أطفال لهم مطالب، ويريدون أشياء، ولديهم حماس قوي".
"لقد عانوا من أمور لا يمكن وصفها أو الإفصاح عنها ... إن الانتقال من منطقة حرب والوصول إلى اليونان ورؤية أناس يغرقون خلال الرحلة ... يجعلهم على دراية كبيرة بالحياة. لا يملك أي طفل نشأ في العالم الغربي هذه المعرفة. ولكن هذا يعني أيضاً أنهم كثيرو المطالب،" كما أضافت.
بناء الثقة
قادت أندروسو بعض الفرق من طلاب جامعتها في مشروع استمر لمدة عام في مخيم إلايوناس للاجئين، الذي تأخذ منه المدرسة السادسة والستون طلابها. في البداية، لم يترك آباء كثيرون أطفالهم يغادرون منازلهم المتنقلة، ولذلك أجرى فريق أندروسو خدعة عازف المزمار بايد بايبر. "كانوا يطوفون بالمخيم ويعزفون على آلات موسيقية للإعلان عن وجودهم وكان الأطفال يخرجون من المنازل المتنقلة ويتبعونهم،" كما ذكرت، مضيفة أنه "في البداية، لم تُفتح العديد من الأبواب، ولكن بحلول منتصف [العام]، فُتحت جميع الأبواب، ودُفع الأطفال للخروج، وشكرنا الآباء".
أخذ الفريق نحو 70 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عاماً تحت جناحه. لم تكن هناك لغة مشتركة. ولم يكن العديد من الأطفال قد التحقوا بمدارس قط، ولم يكونوا يستطيعون رسم خط مستقيم بمسطرة. ومزقوا الأوراق التي أُعطيت إليهم. وكان التعاون في مشاريع جماعية أقرب إلى المستحيل.
ولكن، من خلال الألعاب، شكل الفريق تدريجياً علاقة قائمة على الثقة وبدؤوا يدخلون كلمات يونانية وإنجليزية. وغرسوا أيضاً قواعد الانضباط الأساسية. "كان الأطفال بحاجة إلى قواعد وحدود وكانوا يريدونها ... لأن الحدود في هذا العمر تسمح بالإبداع واكتساب المعرفة،" كما أفادت أندروسو. وبحلول نهاية العام، كان الأطفال يصلون في الوقت المحدد، ويتبعون الإرشادات ويعملون في مشاريع فنية جماعية.
معارضة
وقد تسبب إغلاق الحدود في منطقة البلقان في وقت سابق من هذا العام في استضافة اليونان لحوالي 60,000 لاجئ. وبحسب أخر إحصاء، كان هناك 38,000 طالب لجوء، وقد تقدم كثيرون منهم بطلبات للانتقال إلى دول أوروبية أخرى، ولكن نقص الموظفين واستمرار وصول الوافدين الجدد يعني الانتظار لفترة طويلة قبل أن يتم البت في طلباتهم. والنتيجة هي أن ما يقدر بنحو 20,000 طفل سوف يقضون بعض أو كل العام الدراسي الحالي في اليونان. وعندما أعلنت حكومة حزب سيريزا نيتها تعليم جميع الأطفال الذين تجاوزوا سن السادسة - حوالي 14,000 قاصر - حدثت ضجة في أجزاء من المجتمع.
أثار منتقدو الخطة مسألة المال، ولكن البرنامج الذي تقدر تكلفته بما يزيد قليلاً عن 21 مليون يورو، يتم تمويله بالكامل من قبل الاتحاد الأوروبي ويوفر نحو 800 فرصة عمل بدوام جزئي للمعلمين اليونانيين.
وكانت مسألة الصحة والنظافة تمثل أكبر قلق فوري لآباء الأطفال الذين سوف يتقاسمون مدارسهم مع اللاجئين. في السنوات الأخيرة، ساهم اللاجئون والمهاجرون في عودة الملاريا والسل إلى البلاد، وهما من الأمراض التي تم القضاء عليها تقريباً عن طريق التطعيم والرش بالمبيدات الحشرية.
وعندما أخبر إلياس باباستافرو، مدير المدرسة السادسة والستين، الآباء أن المدرسة سوف تنفذ برنامج تعليم اللاجئين بعد ساعات العمل الرسمية، "أرادوا أن يتأكدوا أنه سيتم تطعيم اللاجئين، كما ينص القانون بالنسبة للأطفال اليونانيين. وأرادوا أن يتأكدوا أيضاً أن المدرسة ستنظف بعد البرنامج المسائي لكي تستعد لاستقبال الاطفال اليونانيين في الصباح".
مقاومة
كانت ردود الفعل أكثر تطرفاً في بعض المدارس. ففي سبتمبر الماضي، احتل الآباء في منطقة بانوراما بمدينة سالونيك الساحلية في شمال البلاد مدرسة أطفالهم لمنع اللاجئين من دخولها. وفي فولفي، شمال سالونيك، رفض الآباء إرسال أطفالهم إلى المدرسة على الإطلاق، حتى تلقوا تهديداً في صورة أمر صادر عن محكمة.
تقارير ذات صلة:
خلايا احتجاز اللاجئين العملاقة في بحر إيجه
صغار بمفردهم ويلقون معاملة سيئة
اللاجئون في اليونان يأخذون الخطوات الأولى نحو الاعتماد على الذات
وعلى الرغم من ردود الفعل هذه، بدأ الآن تنفيذ البرنامج، الذي يتضمن اللغة اليونانية واللغة الإنجليزية أو الألمانية والرياضيات والحوسبة والرياضة والموسيقى والفن، في 37 مدرسة على الصعيد الوطني. وقد التحق مئات الأطفال اللاجئين الذين يعيشون في مناطق عشوائية أو مساكن مستأجرة برعاية الأمم المتحدة في وسط أثينا كطلاب منتظمين في المدارس اليونانية، على الرغم من أن الكثيرين لا ينوون البقاء في البلاد.
"بعض الآباء لا يريدون أن يتعلم أبناءهم اليونانية لأننا لسنا بحاجة إليها،" كما تقول سمية سليمان، وهي أم سورية تعيش في منطقة عشوائية داخل مبنى مدرسة مهجور في وسط أثينا.
"[في أول] يومين أو ثلاثة أيام، كره [ابني] المدرسة اليونانية .... ولكنه الآن يحب الذهاب إلى هذه المدرسة لأن لديه أصدقاء جدد،" كما أضافت.
التعصب الديني
وتجسد المشاكل التي يواجهها الطلاب اللاجئون، باستثناء المسائل الأكاديمية، المخاوف الأوروبية الأوسع نطاقاً. "بعض الناس يخافون منا عندما يرون أننا نرتدي الحجاب،" كما تقول مازيا جميلي، وهي طفلة أفغانية تتحدث بطلاقة ملحوظة وتبلغ من العمر 15 عاماً وتريد أن تتخصص في جراحة الأعصاب.
وتقول جميلي أنها واجهت التحيز الديني في مدرستها المتعددة الثقافات في هيلينيكون، وهي ضاحية في جنوب أثينا. والجدير بالذكر أن المدارس المتعددة الثقافات أُنشئت لأطفال اللاجئين من أوروبا الشرقية بعد سقوط الشيوعية، ولكنها الآن تمتلئ على نحو متزايد بالأفغان والسوريين. تنظم مدرستها صلاة الصباح للمسيحيين، ولكن ليس للمسلمين. وقد اقترحت تصحيح هذا الأمر، لكن المدرسة ترفض حتى الآن، بحجة أن لديها طلاباً يعتنقون خمس ديانات مختلفة.
وعلى الرغم من أن برنامج المدرسة قد نجح إلى حد كبير، فإن اليونانيين واللاجئين على حد سواء يدركون أن العمل، وهو عنصر الإدماج الأهم، سوف يشكل المشكلة الأكبر في اقتصاد اليونان الذي يعاني من الركود. "حتى لو كانوا يقدرون حقيقة أننا كبلد قد قبلناهم بأقصى ما نستطيع من ترحاب، فإنهم يعرفون أن ليس لهم مستقبل هنا. لا توجد فرص عمل لهم،" كما تقول إيلي، وهي متطوعة يونانية.
وعلى الرغم من أن أندروسو على دراية بالفشل الأوروبي الأوسع نطاقاً في استيعاب المهاجرين واللاجئين، لكنها تصر على أن التعليم هو مفتاح تأسيس مجتمع أكثر انفتاحاً. وتقول أن العنصرية الأيديولوجية هي اتجاه تتبناه الأقلية هنا، وأن الآباء والأمهات الذين احتجوا ضد التحاق اللاجئين بمدارس أطفالهم يعانون من الجهل والخوف. وأضافت قائلة: "إن المدرسة هي محطمة الحواجز التي ستدمج هؤلاء الناس في المجتمع".
(الصورة الرئيسية: شيزي ورافينا من أفغانستان تدردشان خلال جلوسهما لتلقي درس في اللغة الإنجليزية داخل المدرسة السادسة والستين الإعدادية في أثينا. جون بساروبولوس/إيرين).
jp/ks/ag-ais/dvh