وافقت دائرة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو)، وهي ذراع المساعدات الإنسانية التابع للمفوضية الأوروبية، مؤخراً على منح تمويل بقيمة مليوني يورو للأحياء الفقيرة التي ضربها العنف في أمريكا الوسطى والمكسيك حتى نهاية عام 2014، في خطوة يرى الخبراء أنها قد تفتح الباب أمام استجابة إنسانية أفضل للعنف المزمن في المناطق الحضرية.
وفي 2012، كانت أكثر 10 مدن عنفاً على مستوى العالم في أمريكا اللاتينية، وفقاً لدراسة (بالإسبانية) أجراها المجلس الشعبي للأمن العام والعدالة الجنائية بالمكسيك. كما يُعتبر سكان الأحياء العشوائية الفقيرة في أمريكا اللاتينية مثقلين إلى أقصى حد بعبء الجريمة المنظمة والعنف غير المرتبط بالنزاعات المسلحة التقليدية. غير أنه وفي ظل تحول المزيد من المدن إلى التمدين السريع والعشوائي في كثير من الأحيان، يرى الخبراء أن أجزاءً أخرى من العالم قد تواجه، وبوتيرة متصاعدة، تحديات مماثلة.
وإذا كان عمل المساعدات الذي يتم على نطاق واسع ويندرج تحت مسمى "حالات العنف الأخرى" هو الطريق إلى المستقبل، فهناك بعض الأمور التي يجب أن يضعها العاملون في مجال المساعدات الإنسانية في الاعتبار.
وقال بول نوكس كلارك، رئيس قسم البحوث والإعلام في شبكة التعلم النشط من أجل المساءلة والأداء في العمل الإنساني (ALNAP)، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على حالات العنف في المناطق الحضرية ولكنه لا يناسب [بالضرورة] قضايا المناطق الحضرية بوجه عام - فهي تُمثل تحدياً حقيقياً ومهماً لنموذج العمل القائم في مجال المساعدات الإنسانية".
وتعمل شبكة التعلم النشط من أجل المساءلة والأداء في العمل الإنساني على إصدار ورقة "الدروس المستفادة" التي تستقي التجارب من حفنة من الحالات التي تدخلت في إطارها المنظمات الإنسانية في الأحياء الفقيرة التي ضربها العنف.
ونذكر فيما يلي بعض الاستراتيجيات:
تجاوز الاحتياجات الأساسية
بينما كانت إحدى الأحياء العشوائية الفقيرة المشتهرة بالعنف الشديد في ريو دي جانيرو تقوم بالتجهيز لافتتاح مركز للفنون البصرية في إبريل، تساءل البعض عن السبب الذي قد يجعل مثل هذا الحي بحاجة إلى شيء من هذا القبيل.
ويرى جيلسون دي سوزا إي سيلفا، وهو أستاذ مساعد في جامعة فلومينينسي الاتحادية ورئيس مرصد الأحياء العشوائية الفقيرة بالبرازيل أنه من الخطأ أن نرى المناطق العشوائية الفقيرة على أنها مجرد مجموعة من الأوضاع النادرة".
وعلى الرغم من أن الكثير من مجتمعات المناطق العشوائية فقيرة، إلا أن ذلك ليس كافياً لتعريفها.
من جهته، أشار أدريانو كامبولينا، رئيس مؤسسة أكشن إيد إلى أنه "على الرغم من أن هذه المناطق تعاني من حرمان من الحقوق الأساسية، إلا أن لديها نسيجاً اجتماعياً نشطاً للغاية". وأخبر كامبولينا شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) على هامش مؤتمر انعقد في ريو، أنه يمكن أن ينظر إلى مثل هذه المجتمعات كمجتمعات ضعيفة للغاية ولذلك قد يركز العاملون في مجال المساعدات الإنسانية، على نحو خاطئ، على أبسط الاحتياجات الأولية – وهي المأوى، والغذاء، والخدمات في حالات الطوارئ.
وأضاف أنه "بناءً على الطريقة [التي تتدخل بها المنظمة الإنسانية]، إذا كانت تركز على هذا فقط ولا تقدر كفاح المجتمع للحصول على حقوق المواطنة الكاملة، فإنها بذلك تخاطر بتقويض أوضاع هؤلاء الناس."
البناء على الاستجابات المجتمعية القائمة
وأشار كامبولينا، رئيس مؤسسة أكشن إيد، إلى أن المساعدات الإنسانية في مجتمعات العشوائيات المهمشة قد تؤدي بالفعل إلى وصم سكانها إلى حد أبعد من ذلك. وأضاف قائلاً: "لقد أرسى سكان هذه المجتمعات على مر السنين طرقهم الخاصة للتعبئة والتنظيم والتفاوض. فإن تجاهلت هذا الأمر وقمت بإغراقها بالمساعدات الإنسانية فقط، تكون قد تسببت، في حقيقة الأمر، في نبذهم بدرجة أكبر مما كان عليه الأمر من قبل".
أما روبرت موغا، وهو أستاذ في معهد العلاقات الدولية بالجامعة الكاثوليكية في ريو دي جانيرو ومدير البحوث في معهد إيجرابيه، وهو مؤسسة بحثية مقرها ريو، فيرى أن الأطراف الفاعلة التي تعمل في مجال المساعدات الإنسانية يمكن "بعقلياتها المتوجهة نحو التدخل السريع ثم المغادرة السريعة" أن تقوض من النماذج المحلية للقدرة على الصمود والاستجابة.
وأضاف أن سكان المدينة يعتمدون على الخدمات لضمان سبل معيشتهم بطرق لا ينتهجها الفقراء في الريف وأن "التوزيع السريع للمساعدات يمكن، بدون قصد، أن يحدث خللاً في شبكاتهم وجمعياتهم، وغالباً ما يكون ذلك على نحو خطر. لذا، سوف يتطلب [العمل في في مجال المساعدات الإنسانية في هذا المضمار] درجة عالية من الحساسية للواقع المحلي، واستعداداً للعمل من خلال شراكات مجتمعية، وأيضاً مستوى مرتفعاً من الوعي والدراية بالوضع".
وخلال المؤتمر، الذي استضافه مشروع العمل الإنساني في حالات أخرى غير الحرب (HASOW) أبرزت المناقشات التي درات حول الأحياء العشوائية الفقيرة في البرازيل أهمية فهم ما يسميه روناك باتل، الذي يعمل بمبادرة هارفرد الإنسانية، "بسياسة التفاعل على مستوى القاعدة الشعبية" الخاصة بالأحياء الفقيرة: وهي علاقات القوة بين المجموعات المختلفة؛ والعوامل التي تحدد الهوية والمكانة؛ والتفاعل بين السكان والسلطات والجماعات المسلحة.
ويقول خبراء المساعدات الإنسانية أنه بينما يُمثل فهم السياق المحلي عنصراً مهماً من أجل القيام بأي تدخل إنساني، فهو يُعد أكثر أهمية - وتعقيداً – بكثير بالنسبة للأحياء العشوائية الفقيرة المتأثرة بالعنف.
ويرى فيسنتي رايموندو، منسق الاستجابة السريعة لمنطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في مكتب دائرة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو)، أن "هذا من شأنه أن يحدث الفارق بين عملية سليمة ومتوافقة مع معطيات السياق القائم وبين أمر تقوم به على غير هدى تماماً". وأضاف قائلاً: "ما يجري في السلفادور، على سبيل المثال، لا يشبه إلى حد كبير ما يحدث في هندوراس أو في غواتيمالا. "فحالات العنف الأخرى" هي ظاهرة إقليمية لديها الكثير من الخصائص المحلية."
ولكن التعقيد الذي يتسم به السياق المحلي ليس سبباً لبقاء المنظمات الإنسانية بعيداً، كما يرى خافيير ريو نافارو، مستشار العمليات في منظمة أطباء بلا حدود في المكسيك وأمريكا الوسطى.
كما صرح نافارو لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه "أثناء أي تدخل، تبرز الحاجة لفهم العناصر الفاعلة والسياق حتى تكون مسؤولاً في الأسلوب الذي تقرر أن تتفاعل من خلاله". وأضاف قائلاً: "نعم، إن العمل في المناطق الحضرية يختلف عنه في الريف. ففي الريف، لا يوجد غيرك أنت ومرضاك. أما في هذه البيئات الحضرية، يكون لديك نطاق أوسع بكثير من الأطراف الفاعلة - وأيضاً مجموعة أوسع من مرتكبي أعمال العنف. وهذا يجعل الأمور أكثر تعقيداً، ولكنه لا يغير جذرياً من وظيفتنا ومهمتنا كما لا ينبغي أن يحول المناطق الحضرية التي يسودها العنف إلى مناطق محظورة على العاملين في مجال المساعدات الإنسانية."
توخي الدقة الشديدة عند الاستهداف
ولن تكون نماذج الاستهداف المعتادة للتدخلات الإنسانية، التي تتسم بمنظور ضيق إلى حد ما، مناسبة لغالبية المناطق الحضرية، لاسيما في المناطق التي يسيطر عليها العنف، وفقاً لرأي فرانسوا جرونغفلد، المدير التنفيذي لمجموعة الطوارئ وإعادة التأهيل والتنمية (Groupe URD)، وهي مجموعة بحوث وتدريب مقرها فرنسا.
وأضاف جرونغفلد أنه "في المجتمعات الحضرية التي تتسم بالعنف، لا يبقى الناس على قيد الحياة بالاعتماد على أنفسهم. فهم ينتمون إلى شبكات - سواء كانت عصابات، أو فئات عمرية أو مجموعات الأحياء والمناطق. لكن إذا كنت ستوصم لأنك مستهدف من قبل منظمة إنسانية، عليك الاختيار بين كونك جزءاً من تلك المجموعة المستهدفة [بالمساعدات] أو جزءاً من الشبكة التي تنتمي إليها... وقد يكون هذا أحياناً اختياراً بين الحياة والموت ."
وقد يكون الوصم لأسباب بسيطة كأن تكون "منفرداً" في تلقي المساعدات، في الوقت الذي لم يحصل فيه الآخرون المنتمون إلى نفس الشبكة التي تتبعها عليها.
وقال جرونغفلد أنه لأمر "مذهل ومرعب على حد سواء" أن يتمتع مجتمع المساعدات الإنسانية والجهات المانحة بهذا القدر القليل من الاهتمام تجاه هذا النوع من الدراسات الأنثروبولوجية اللازمة لفهم هذه الديناميكيات. ويرى أن فهم الخلفية الاجتماعية والأنثروبولوجية مسألة حيوية لعملية التنفيذ.
الحذر بشأن المهام المكلفة – والخبرة
ويرى كثير من خبراء المساعدات الإنسانية أن النقاش الدائر حول التدخل بالعمل في مثل هذه الخلفيات والأوضاع يتحول من التساؤل عن هل يتم التدخل إلى كيف يمكن أن يتم. ولا تزال هناك أسئلة أكثر من الأجوبة المتاحة، بما في ذلك قابلية تطبيق القانون الدولي الإنساني.
ويشير بعض المراقبين إلى أن اضطلاع المنظمات الإنسانية بمثل هذا العمل هو توسع غير محبذ في نطاق المهمة الأصلية. ويرى أستاذ الشؤون الدولية والعلوم السياسية مايكل بارنيت، مؤلف كتاب الإمبراطورية الإنسانية: تاريخ النزعة الإنسانية، أنه ينبغي على الهيئات الدولية المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية أن تقتصر على المنطقة التي تعمل في نطاقها وهي حالات الطوارئ. وأضاف أنه حتى لو استطاعت الوكالات الدولية أن ترسي عملياتها داخل المدن التي يسودها العنف من خلال إطار قانوني، يظل من الأفضل أن يتم تمويل الهيئات المحلية - "التي تكون على دراية بالمنطقة، وليس من هم من خارجها."
"ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به الأطراف الخارجية لإحراز التقدم على أرض الواقع والذي لن تستطيع الأطراف المحلية القيام به؟ ربما يتعلق هذا بعنصر الحياد، لكن ليس من الناحية العملية التشغيلية ... لا أعتقد أنهم [المنظمات غير الحكومية الدولية] يضيفون أي شيء إلى الأمر. ففي المناطق الحضرية - [هناك] دور واضح للعاملين في مجال المساعدات الإنسانية فيما يتعلق بمساعدة اللاجئين أو في حالات الكوارث الطبيعية – لكن أبعد من هذا، لا يوجد."
كما أقر أن تعريف العمل الإنساني قد اتسع نطاقه خلال العقود الأخيرة مضيفاً أن "أحد الأمور التي جعلت العمل الإنساني فعالاً هو فعاليته في حالات الطوارئ ... لكن العنف في المناطق الحضرية هو حالة من حالات حقوق الإنسان والتنمية التقليدية."
وترى بعض الهيئات والجهات المانحة، بما في ذلك دائرة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو)، أن عدم اليقين بشأن الإطار القانوني لا يمنعهم من العمل.
وقال رايموندو من دائرة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو) لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن نركز على الآثار الإنسانية، والاحتياجات الإنسانية، بغض النظر عن الأسباب ... إذا كان هناك احتياجات قد ثبت عدم تلبيتها، إذا هناك أساس للعمل والتدخل."
لمعرفة المزيد عن الموضوع، اقرأ المقالة التي نشرتها شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) حول الخوف من العنف في المناطق الحضرية وما يولده من احتياجات إنسانية.
np/ha/cb-mez/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions