أعلنت الأمم المتحدة مؤخراً عن الحاجة إلى 22.2 مليار دولار لتلبية احتياجات ما يقدر بنحو 92.8 مليون متضرر من النزاعات والكوارث الطبيعية في عام 2017. ويعد هذا النداء أكبر نداء إنساني تم توجيهه على الإطلاق، ولكن اتجاهات التمويل الحالية تشير إلى أن المنظمات الإنسانية ستكون محظوظة إذا جمعت نصف المبلغ الذي تطلبه.
ونظراً لهذا الهوة الآخذة في الاتساع، يعتقد بعض خبراء المساعدات أن الوقت قد حان لتحديد الأولويات، وتركيز الجهود الإنسانية على المساعي المنقذة للحياة الأكثر إلحاحاً وضمان تمويلها بالكامل على الأقل.
وأكد موكيش كابيلا، أستاذ الصحة العالمية والشؤون الإنسانية في جامعة مانشستر، أن "النداءات اليوم أكثر طموحاً وتطوراً وتريد أن تفعل كل شيء من معالجة الأسباب الجذرية إلى بناء القدرة على الصمود. وعلى الرغم من أن هذه الأمور كلها مرغوبة للغاية، فإن وصفها بأنها إنسانية بالمعنى التقليدي للكلمة يظل محل تساؤل".
وأضاف في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "أعتقد أن القطاع الإنساني يحتاج إلى العودة إلى التدخلات المنقذة للحياة الأساسية، الأساسية فقط. إذا بدأت تدخل في برامج النقد مقابل الغذاء والحد من الضعف - وهي أشياء جديرة جداً بالاحترام - فإنها مهام ضخمة للغاية، والنهج الإنساني محدود جداً بحسب تعريفه".
وفي مقالة رأي نشرتها مؤخراً شبكة الأنباء الإنسانية، أفاد أنطونيو دونيني، المحلل في مركز فاينستين الدولي بجامعة تافتس، أن أفضل استجابة لأزمة التعددية التي اتضحت بعد انتخاب دونالد ترامب ولمشكلة التخلي عن المبادئ الإنسانية من سوريا إلى جنوب السودان يمكن أن تكون في تبني "مشروع إنساني مركز بدقة أكبر وقائم على العودة إلى الأساسيات".
ليس بهذه البساطة
ولا تمثل النداءات الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة احتياجات جميع السكان المتضررين من الأزمات في جميع أنحاء العالم (تستبعد النداءات الطارئة وتدفقات المعونة التي تتجاوز منظومة الأمم المتحدة)، لكنها توحي بأن الحاجة إلى المساعدات الدولية في حالات الطوارئ تفوق استعداد الحكومات المانحة لزيادة المساهمات. ففي عام 2016، على سبيل المثال، قدم المانحون 11.4 مليار دولار لتمويل النداءات المنسقة من قبل الأمم المتحدة - وهو رقم قياسي، ولكنه لا يتعدى نصف مبلغ الـ20.1 مليار دولار المطلوب. وقبل عشر سنوات، عندما كان النداء السنوي لا يتجاوز 5 مليارات دولار، كانت نسبة تمويله تقترب من 70 بالمائة.
إن هيكل المساعدات والإغاثة العلوي الضخم الذي ظهر على مدار الـ25 عاماً الماضية يتعرض بالفعل لضغوط تطالب بالإصلاح، لكي يصبح أكثر عرضة للمساءلة وأكثر شفافية، ولبسط سلطته وقاعدته المالية من العواصم الغربية إلى جنوب الكرة الأرضية.
وفي هذا الصدد، قال كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، في كلمة ألقاها أثناء إطلاق نداء مؤخراً في جنيف، أن الفجوة التمويلية المتزايدة ليست ناتجة عن إجهاد المانحين أو فشل قطاع المساعدات "بل إن الطلب يتزايد، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى النزاعات الطويلة الأمد التي تستعصي على الحل".
وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة الاستجابة لثلاث فقط من النزاعات التي طال أمدها والمشمولة بالنداء - سوريا واليمن والعراق - تبلغ 10.5 مليار دولار، أي ما يقرب من نصف القيمة الإجمالية.
ويعتقد كثيرون في قطاع الإغاثة أن نهج "العودة إلى الأساسيات" يتجاهل واقع الأزمات الممتدة الأكثر تعقيداً التي تتطلب استجابات أكثر تعقيداً - لا يكفي مجرد إبقاء الناس على قيد الحياة، وخاصة إذا كان أحد الأهداف هو تقليل احتمال حدوث أزمات في المستقبل من شأنها أن تخلق المزيد من الحاجة.
انظر: المعونة ... عملية معقدة حقاً
"في عالم مثالي، قد تركز المنظمات الإنسانية على العمل الإنساني المجرد، ويركز آخرون على التأكد من وصول هذه المجموعات السكانية إلى البنى التحتية وسبل العيش التي تمكنهم من العيش بكرامة. ولكن هذا لا يحدث على أرض الواقع، وفي كثير من الأحيان، يكون ضرباً من المستحيل،" كما أفادت كيت هالف، السكرتير التنفيذي للجنة التوجيهية للاستجابة الإنسانية، وهي منظمة مظلة تضم تسع منظمات غير حكومية دولية كبيرة لديها شراكة مع الأمم المتحدة.
وقالت أن "الأمر يتعلق ببناء شراكات أوسع للعمل على المدى الطويل،" مضيفة أن المناقشات حول الموعد الذي ينبغي أن تتولى فيه وكالات التنمية زمام الأمور لا صلة له بالموضوع: "لا يهم حقاً من يفعل ذلك، شريطة أن يتم بطريقة مستدامة".
وأشارت هالف إلى أن الجهات الإنمائية الفاعلة، مثل البنك الدولي، قد بدأت بالفعل الدخول في شراكة مع قطاع الطوارئ لوضع استراتيجيات للاستجابة للأزمات طويلة المدى.
والجدير بالذكر أن أحد أهم نتائج القمة العالمية للعمل الإنساني الأول، التي عُقدت في اسطنبول في وقت سابق من هذا العام، كان الالتزام بتعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية بهدف تقليص الاحتياجات على المدى الطويل، على سبيل المثال من خلال زيادة التركيز على التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية والتأهب وبناء السلام لتجنب النزاعات.
انظر: لماذا لن يحسن المزيد من المال وحده الاستجابة للأزمات
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية، قالت جميلة محمود، التي قادت التحضيرات للقمة وتشغل منصب وكيل الأمين العام للشراكات في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والهلال الأحمر، أنه لا بد من تخفيض الاحتياجات وإلا فإنها ستصبح "هاوية سحيقة"، لكنها اعترفت بالمأزق الذي يواجه القطاع الإنساني.
"من ناحية، هناك حاجة إلى التدخلات المنقذة للحياة، ولكن هناك حاجة أيضاً إلى مبادرات بناء السلام على المدى الطويل،" كما أوضحت.
حدود متحركة
وهذا التحرك خارج المعايير التقليدية للعمل الإنساني يشعر العديد من "المتزمتين" بالقلق. فهم يرون أن الانخراط في بناء السلام وتحقيق الاستقرار والتعافي يهدد المبادئ الأساسية، وهي الحياد وعدم التحيز والاستقلال، ويمكن أن يؤدي إلى توظيف أو تسييس المساعدات، مما يعرض الثقة في المنظمات الإنسانية للخطر.
وهناك تحد آخر يتمثل في الحاجة إلى برامج طويلة الأجل لعدة سنوات من أجل الحصول على تمويل متعدد السنوات ويمكن التنبؤ به بدلاً من دورة الـ12 شهراً التي تعتبر القاعدة الحالية. وتأمل عدة بلدان مدرجة في النداء الإنساني لعام 2017 - بما في ذلك تشاد والكاميرون والصومال - تأمين التمويل اللازم لخطط الاستجابة الإنسانية المتعددة السنوات.
وفي السياق نفسه، قالت آنيت غونتر، نائبة المدير العام للمساعدة الإنسانية في وزارة الخارجية الألمانية، أن "الأموال محدودة،" مضيفة "أننا بحاجة إلى الانتقال من الموارد التمويلية المخصصة إلى برامج تمويل أكثر ذكاء وأطول مدى".
من جانبها، تحث الأمم المتحدة الجهات المانحة على الحد من تخصيص الأموال لمشاريع وبلدان محددة، والمساهمة بدلاً من ذلك في الصناديق المشتركة، مثل الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ (CERF)، حتى يتيسر تخصيصها على وجه السرعة وفقاً للحاجة. ويمكن أن يساعد مزيد من التمويل غير المخصص في التصدي لما يسميه كابيلا "يانصيب" المساعدات لأن بعض خطط الاستجابة القُطرية ممولة بنسبة 80 بالمائة، بينما لا تتجاوز نسبة تمويل خطط أخرى 20 بالمائة.
وأكدت غونتر أن مساهمات ألمانيا في التمويل المشترك تتزايد وأنهم يشجعون الجهات المانحة الأخرى على أن تحذو حذوها.
"تدفع ألمانيا منذ فترة من الوقت باتجاه إحداث نقلة نوعية نحو مزيد من التمويل الإنساني الذي يتطلع للمستقبل، مثل التأهب للكوارث،" كما أخبرت شبكة الأنباء الإنسانية.
كما أن سد فجوة التمويل سيعني البحث عن مصادر جديدة للتمويل غير الجهات المانحة التقليدية، مثل القطاع الخاص وأهل الخير والاقتصادات الناشئة مثل الصين ودول الخليج.
وقالت محمود "ينبغي علينا الآن زيادة البحث عن التمويل في أماكن مختلفة،" مضيفة أن الجهات المانحة التقليدية تتردد في تمويل برامج تبدو ظاهرياً أقل إلحاحاً، مثل التعليم، من أجل تعزيز برامج بناء السلام التي يديرها الصليب الأحمر في العديد من البلدان.
وعلى الرغم من أن النداءات الإنسانية نمت في السنوات الأخيرة، فقد أشارت هالف إلى أن مبلغ الـ22 مليار دولار "أقل من العائدات السنوية لصناعة العلكة".
وقالت أيضاً أن المسؤولية عن سد فجوة التمويل تقع على عاتق السياسيين بقدر ما تقع على عاتق العاملين في المجال الإنساني، الذين أصبح عملهم الإغاثي في حالات الطوارئ بمثابة إسعافات أولية لهذه الأزمات المتصاعدة والممتدة.
"أعتقد حقاً أننا كعاملين في المجال الإنساني ينبغي أن نقاوم قليلاً سرد أننا نطلب أموالاً طائلة دون أن نفعل الكثير. إن المشكلة الأساسية هي مشكلة سياسية وحتى يتم حلها، لن يسعنا سوى أن نحاول سد فجوة لا تُسد،" كما أفادت.
وأضافت قائلة: "ينبغي علينا أن نفعل ذلك بالطريقة الصحيحة. إنها مسؤولية جماعية، وليست مسؤولية القطاع الإنساني وحده".
(الصورة الرئيسية: اقتراب المساء في مركز عبور دزايبي في شمال أوغندا، حيث نصبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الخيام لإيواء العديد من اللاجئين. ف. نوي/مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)
ks/ag-ais/dvh