آخر شيء تحتاج إليه منطقة شرق الكونغو هو المزيد من الجماعات المسلحة، وبالتالي فإن وصول مئات المتمردين من جنوب السودان إلى تلك المنطقة المعرضة للعنف قد أصبح مدعاة للقلق.
وتقول بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والمعروفة باسم بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (MONUSCO)، أنها سجلت 755 من مقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان- المعارضة الذين عبروا الحدود إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في شهر يوليو الماضي، في أعقاب الاشتباكات التي شهدتها جوبا، عاصمة جنوب السودان.
كان هؤلاء الرجال الموالون لنائب الرئيس السابق رياك مشار قد تلقوا هزيمة على أيدي جنود الرئيس سلفا كير، وهربوا مع مشار إلى غارامبا، وهو متنزه وطني يمتد عبر مناطق شاسعة في شمال شرق الكونغو، حيث تم إنقاذهم من قبل بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ضيوف غير مرغوبين
وقد قضت أعمال العنف في جوبا على نحو فعال على اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة بين كير ومشار. وانضم مقاتلو جنوب السودان الآن إلى قائمة الجماعات المتمردة الأجنبية التي لا ترغب منطقة شرق الكونغو في استضافتها وتكافح للتخلص منها.
وتشمل هذه الجماعات القوات الديمقراطية لتحرير رواندا (FDLR)، وجبهة التحرير الوطنية البوروندية (FNL)، وجماعتين من أوغندا هما الجيش الوطني لتحرير أوغندا (ADF) وجيش الرب للمقاومة (LRA). وقد روعت هذه الجماعات، جنباً إلى جنب مع ميليشيات محلية تتسم بنفس القدر من العنف، السكان المحليين على مدار عدة عقود.
وقد استجابت بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى المخاوف الشعبية المتزايدة من عن طريق الإشارة إلى أن مهمة إنقاذ مقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان- المعارضة كانت تستند إلى أسباب إنسانية، وتمت بناءً على طلب من الحكومة الكونغولية.
وقالت بعثة حفظ السلام أنها سلمت 117 من مواطني جنوب السودان إلى السلطات الكونغولية، وجمعت الباقين في ثلاث من قواعدها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث قدمت لهم الطعام والمساعدة الطبية. والجدير بالذكر أن إجراءات الأمن مشددة في تلك القواعد، وأن بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية تبذل قصارى جهدها للتقليل من شأن أي تهديد أمني.
وقد دللت الدعوة التي وجهها المتحدث باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان- المعارضة لعودة الرجال إلى مناطق عبر الحدود يقول أنها تخضع لسيطرة الجماعة المتمردة على مدى زعزعة الاستقرار الذي تسبب فيه وجود المتمردين.
ذكريات سيئة
وعلى الرغم من أن بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية تقول أنها نزعت سلاح جميع مقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان- المعارضة قبل أن يغادروا غارامبا، فإن هذا التطمين لم يفعل شيئاً يذكر لتهدئة القلق العام في شرق الكونغو، وهي منطقة يمكن الحصول على أسلحة فيها بسهولة.
وهناك ضغط متزايد من جماعات المجتمع المدني لإعادة توطين رجال مشار خارج جمهورية الكونغو الديمقراطية - خاصة بعد إعلان نائب الرئيس السابق من منفاه في الخرطوم الشهر الماضي أنه سيواصل كفاحه المسلح.
وفي سياق متصل، قال جون بول لومبو لومبو، وهو محام بارز في كيفو الشمالية: "مثل مقاتلي جنوب السودان ... دخلت القوات الديمقراطية لتحرير رواندا إلى الكونغو بأسلحتها، تحت غطاء العمليات الإنسانية. وبعد أن استفادوا من كرم الضيافة الأسطوري للشعب الكونغولي، يقوم هؤلاء المتمردون الآن بنهب المدنيين المساكين واغتصابهم وقتلهم".
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال البروفيسور نيسي موغندي، وهو محاضر في العلاقات الدولية في جامعة غرابن الكاثوليكية في بوتمبو، أن تجميع مقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان- المعارضة يشكل تهديداً لمنطقة البحيرات الكبرى بأسرها.
"تذكر أن الدول المجاورة للكونغو تستخدم دائماً وجود متمردين في الكونغو كذريعة للتدخل العسكري،" كما أوضح.
وأضاف قائلاً: "ولذلك، فإن وجود مقاتلين من جنوب السودان على الأراضي الكونغولية يفسد العلاقات بين الكونغو وبلدهم الأصلي، جنوب السودان، وحلفائه".
وفي مذكرة موجهة إلى الحكومة، دعت مجموعة تضم حوالي 30 شخصاً من السياسيين والمحامين والأطباء ورجال الأعمال والزعماء الدينيين المحليين إلى إعادة توطينهم في أي بلد أفريقي آخر.
وأضافت المذكرة: "إن الائتلاف يخشى أن ذريعة الحق في المطاردة - التي استخدمتها رواندا ضد المتمردين التابعين للجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا من أجل تبرير عمليات التوغل المتكررة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، واستخدمتها أوغندا في الأونة الأخيرة لملاحقة متمردي الجيش الوطني لتحرير أوغندا - يمكن أن تُستخدم في يوم من الأيام من قبل حكومة جنوب السودان لملاحقة المتمردين [الذين تم تجميعهم الآن في الكونغو]".
الأخطاء
ويعتقد موغندي أن السلطات الكونغولية أخطأت عندما قبلت دخول مجموعة جديدة من المتمردين الأجانب إلى أراضيها: "ينبغي عليك أولاً حل مشاكل الجماعات المسلحة الأجنبية الأخرى قبل خلق مشاكل جديدة".
وتحت هذا الضغط الشعبي، وجهت الحكومة إنذاراً إلى بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية المصابة بالاحباط لإعادة توطين مقاتلي جنوب السودان، لكنها لم تحدد موعداً نهائياً.
ومن غير الواضح ما إذا كان أي من المتمردين قد طلب اللجوء، وهو أمر من شأنه أن يعرقل قدرة الحكومة على المناورة. وعلى الرغم من ذلك، فقد رحبت جوبا بالتهديد بطردهم.
وفي السياق نفسه، قال المتحدث باسم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فيليكس باس: "إنه لأمر بديهي أنه يتعين عليهم مغادرة جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولكن الحل لا يجب أن يأتي حصراً من بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
وأضاف أن "من الضروري أيضاً مشاركة جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، وبلدان المنطقة بأسرها، والمنظمات الدولية مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة".
من جهته، عبر موغندي عن سعادته بأن الحكومة تستجيب "لضغوط من أهل كيفو الشمالية" وتحدد بعض المطالب.
ولكنه أضاف أن اتخاذ أي إجراءات فعالة على المدى القصير الآن ربما يكون قد جاء بعد فوات الأوان.
وأضاف موغندي أن "مقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان- المعارضة موجودون بالفعل على الأراضي الكونغولية، وإعادتهم إلى وطنهم الآن سوف تعتمد على مصالح الجهات الفاعلة الدولية. سوف يحتاجون إلى البحث عن دولة لديها استعداد لقبولهم".
وإذا لم يكن هؤلاء الرجال قد تخلوا بالفعل عن ولائهم لمشار، فإن البحث قد يطول.
cs/oa/ag-ais/dvh
الصورة الرئيسية: جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان الحكوميين المنتصرين في ملكال. تصوير ألبرت غونزاليس فران.