إنها لمفارقة محزنة أن يغيب العديد من كبار الأطباء والممرضين في غينيا وليبيريا وسيراليون عن جهود إعادة بناء النظم الصحية في أعقاب تفشي الإيبولا، وذلك بعد أن لقوا حتفهم بسبب الفيروس. أما بالنسبة لأولئك الذين لا زالوا على قيد الحياة، ربما تكون أكبر التحديات التي ستواجههم توفر الكهرباء والصرف الصحي، والأهم من ذلك كله، المياه.
وتساءل موسى تامبا، المتحدث باسم وزارة الأشغال العامة الليبيرية: "كيف يمكن بناء أو إعادة بناء، كما قد نسميها، مؤسسة صحية أو مستشفى دون [الوصول إلى] المياه، التي هي بمثابة المحفّز الرئيسي لتشغيل المرافق؟ هذا غير ممكن. فنحن بحاجة إلى المياه".
ومع تحذير رئيس إحدى المنظمات الإغاثية الدولية مؤخراً أنه إذا تفشّى وباء الإيبولا مرة أخرى، فلن تكون السلطات الصحية في غرب أفريقيا أفضل حالاً للتعامل معه مما كانت عليه قبل عام، فقد حان الوقت للتركيز بشكل عاجل على ما يمكن القيام به.
وحتى قبل بدء تفشي المرض في ديسمبر 2013، كانت البلدان الثلاثة الأكثر تضرراً تمتلك بعضاً من أضعف النظم الصحية في العالم. فحتى العيادات والمستشفيات الأكثر تطوراً في غينيا وليبيريا وسيراليون عانت من انقطاع الكهرباء المتكرر ونقص المياه بشكل شبه يومي.
وخلال تفشي الإيبولا، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 11,150 شخصاً في المنطقة وما زال منتشراً بكثرة في غينيا وسيراليون، فإن انعدام فرص الوصول إلى المياه سواء في المنازل الخاصة وعيادات الصحة العامة كان يعني أن الفيروس الذي ينتقل عن طريق الاتصال مع المصابين أو المواد المتسخة، سيواصل الانتشار.
وكان كثير من الناس غير مدركين أو غير قادرين على تطهير منازلهم وممتلكاتهم بشكل صحيح.
وأضاف تامبا قائلاً: "أنت بحاجة إلى الماء لغلي وغسل الفراش والملابس وأواني الطبخ والمعدات وغيرها من الأشياء. أنت بحاجة إلى الماء للشرب، لموظفي المستشفى وللمرضى على حد سواء. كما أن الكهرباء ضرورية لتشغيل مرافقنا الصحية. هذا أمر خطير وكل مرفق صحي يحتاج لهذه [الاحتياجات الأساسية]".
الدروس المستفادة
وفي جميع أنحاء العالم، لا زال أكثر من 2.5 مليار شخص لا يستطيعون الوصول إلى مرافق الصرف الصحي المناسبة، بما في ذلك المراحيض، وذلك وفقاً لتقرير مشترك أصدره في 12 يونيو البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.
ففي غينيا، لا يمكن لربع السكان الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، وذلك وفقاً لمنظمة التنمية الدولية ووتر إيد (WaterAid). وفي سيراليون وليبيريا، لا يمتلك 40 بالمائة و25 بالمائة من الناس على التوالي فرصة الوصول إلى المياه الصالحة للشرب بشكل مستدام.
وقالت ميريام ديم، رئيسة منطقة غرب أفريقيا في منظمة ووتر إيد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "إذا قمتم بالتمحيص في هذه الأرقام، فيمكنها أن تساعدكم على تفسير بعض القضايا المتعلقة بالموقف من النظافة الشخصية والسياق الذي تسبب في انتشار فيروس الإيبولا. فإذا كانت لديك مراكز صحية لا يمكنك فيها ضمان تطبيق الممارسات الصحية السليمة، التي يدعمها توافر المراحيض ... وإذا لم تتمكن من ضمان وصول المياه الصالحة للشرب على مدار 24 ساعة ... فسيكون لذلك أثر سيء على الصحة والنظافة الشخصية [للناس]".
المضي قدماً
وقد تعهدت جميع الدول الثلاث، بدعم من شركائها الدوليين، بتحسين أنظمة الصحة العامة على الرغم من حقيقة أن تفشي الايبولا قد أرهق مواردها المحدودة أصلاً.
ففي غينيا، خصصت الحكومة أكثر من 200 مليون دولار لتحديث وتجهيز مستشفى دونكا في كوناكري مع تحسين الوصول إلى مرافق المياه والصرف الصحي. وقال وزير الصحة ريمي لاماه لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه سيتم تركيب 3,000 مضخة يدوية خارج المستشفيات والعيادات الصحية في جميع أنحاء البلاد "ليتمكن المرضى من المحافظة على نظافتهم".
واستكملت الحكومة الغينية مؤخراً أيضاً بناء سد جديد سيزود المستشفيات والعيادات في كوناكري وما حولها بـ "الطاقة المستمرة". وتقول الحكومة أنها تقوم أيضاً بعملية تركيب للمولدات الكهربائية في كثير من هذه المرافق في حال انقطاع التيار الكهربائي.
ولكن، بالنسبة للكثيرين، إنها مسألة تتعلق بالقيام بالقليل وبعد فوات الأوان، حيث قال محمد توري، خبير علم الأوبئة في مستشفى دونكا، الذي يحتوي الآن على أكبر مركز لعلاج فيروس الإيبولا في البلاد: "لو اتخذت الحكومة سابقاً زمام المبادرة في تحسين نظام الرعاية الصحية الغيني ... لكان من الممكن الكشف عن فيروس الإيبولا والقضاء عليه منذ فترة طويلة".
وفي سيراليون، قال جوناثان أباس كامارا، وهو مسؤول التنسيق العام في وزارة الصحة، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الحكومة "تعمل بجد لضمان تحسين الخدمات الصحية العامة بشكل يتجاوز ما كانت عليه سابقاً".
ولكنه حذّر من أن التمويل سيشكل مشكلة. فوفقاً للبنك الدولي تنفق سيراليون 1.7 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة العامة.
ولكن ديم حذرت من أن التغلب على المشكلة يتطلب أكثر من مجرد المال.
وأضافت قائلة: "من الواضح أن التمويل، أو بالأحرى، نقص التمويل، هو أحد الأسباب [لاستمرار ضعف قطاع المياه والصرف الصحي] في هذه البلدان. ولكننا بحاجة أيضاً للذهاب إلى أبعد من ذلك... فالشيء الأكثر أهمية هو الإرادة السياسية - ليس فقط من قبل حكومة البلاد، ولكن أيضاً على المستوى الدولي".
وقد تمكّن العالم بالفعل من تحقيق الهدف الإنمائي للألفية المتمثل في خفض عدد الأشخاص الذين لا يتمتعون بمورد مستدام من المياه الصالحة للشرب بحلول عام 2015، لكن ديم أفادت أن حتى ذلك لم يكن كافياً في المواجهة ضد فيروس الإيبولا.
وختمت حديثها قائلة: "نحن بحاجة إلى تجاوز هذه الالتزامات. إذا كنت تستثمر في أنظمة المياه والصرف الصحي، فإنك لن توفر خدمات صحية أفضل جودة فحسب، ولكنك ستخفف أيضاً العبء، وتقلل من الأثر، من حيث التكلفة المالية والتكلفة البشرية للإيبولا وغيره من الأمراض الأخرى، خلال أوقات الأزمات".
(بمساهمة من برينس كولينز في ليبيريا، وكريم كامارا في غينيا وجون ساهر في سيراليون)
jl/kk/js/pc/ag-aha/dvh