لا يكفي الفلسطينيين القاطنين في قرية الحديدية الواقعة في غور الأردن (في الضفة الغربية) الصعوبات التي يعيشونها في ظل غياب الكهرباء والمياه الجارية، بل جاءت أوامر إخلاء منطقتهم وإزالة بيوتهم لتضع على كاهلهم المزيد من المتاعب.
ويقول علي بشارات وهو أحد سكان قرية الحديدية بأن خمس عائلات حاولت الوقوف في وجه هذه الأوامر في محكمة إسرائيلية ولكنها خسرت الدعوى". واضطرت هذه العائلات إلى توقيع وثائق تلتزم بموجبها بمغادرة المنطقة.
"لا نريد الرحيل"، يقول بشارات مشيراً إلى أن جميع السكان قد يجبرون في نهاية المطاف على المغادرة.
وحول هذه الأوامر، قال زيدكي مايمون الناطق باسم الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية بأن السكان "احتلوا هذه الأراضي بطريقة غير شرعية ونصبوا عليها خيامهم وأقاموا فيها حظائر لحيواناتهم"، الشيء الأمر الذي يعتبره مخالفاً للقوانين الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
وأضاف مايمون بأنه "يجب على إسرائيل اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من يقوم بأعمال غير شرعية". غير أن القرويين يؤكدون بأنهم انتقلوا للعيش على هذه الأرض بعد أن قامت إسرائيل بإعلان المنطقة التي كانوا يعيشون فيها "منطقة عسكرية".
المياه
ويقول صقر من قرية الحديدية: "كانت المياه في عام 1997 تصلنا من مكروت [شركة المياه الإسرائيلية]، إلا أن الشركة قطعت عنا المياه بعد ثمانية أشهر من ذلك وأغلقت الأنابيب". ويعزي السكان والمراقبون ذلك إلى الظروف السياسية المتغيرة داخل إسرائيل في نهاية التسعينات والتي أدت إلى اتخاذ مثل هذا القرار.
ولا تزال الأنابيب التي توصل المياه إلى المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية بنظر القانون الدولي، بادية في الأراضي المجاورة بشكل يستفز أمثال صقر ويترك أثراً أليماً في نفوسهم، مما جعله يصيح غاضباً: "نحن لا نلحق أي أذى بإسرائيل. لدينا الحق في أرضنا. أين الوثائق التي تثبت حق المستوطنين في هذه الأرض؟"
وكانت منظمة العفو الدولية قد عبرت مؤخراً عن قلقها إزاء هذا الموضوع قائلة بأن القرويين يواجهون "ضغوطاً متزايدة في الوقت الذي يقيد فيه الجيش حركتهم ويعيق حصولهم على الماء".
منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان
وكان تقرير صادر عن منظمة (بِتْسيلم) الإسرائيلية لحقوق الإنسان في 7 أغسطس/آب قد وصف القيود التي تفرضها إسرائيل على الحركة في الضفة الغربية بأنها "غير شرعيه" وتعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي.
الصورة: شبتاي جولد/إيرين |
خيمة في قرية الحديدية التي تلقى سكانها أوامر بإخلائها من قبل السلطات الإسرائيلية |
وقالت ساريت ميخائيلي، الناطقة باسم بِتْسيلم: "إن لإسرائيل الحق في حماية مواطنيها ويتوجب عليها فعل ذلك، ولكنها أيضاً ملزمة باستخدام وسائل شرعية لتحقيق ذلك دون أن تنتهك حقوق الإنسان".
ودعت المنظمة إسرائيل إلى "التعجيل بإزالة القيود الدائمة والشاملة على الحركة داخل الضفة الغربية" وإخلاء جميع المستوطنات.
القيود على الحركة
في الوقت نفسه يجد حوالي 100 شخص من سكان قرية الحديدية، الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من الضفة الغربية في منطقة تدعى غور الأردن، أنفسهم مضطرين لجلب المياه إلى قريتهم بواسطة حاويات لنقل الماء.
وبسبب القيود على الحركة، تبقى حاويات الماء هذه عرضة للمصادرة من قبل الجيش الإسرائيلي إذا ما اعتبرها مخالفة للقوانين التي تبين الطرقات والأوقات التي يمكن العبور خلالها.
إن الماء هو نبع الحياة. وإمكانية حصولنا عليه تضمحل سنة بعد سنة. وعندما ينتهي الماء ستكون نهايتنا |
ويواجه حوالي 80 شخصاً آخرين من المقيمين في مخيم المخول الأصغر حجماً ظروفاً مشابهة، إلا أن حصولهم على الماء يكلفهم أكثر لعدم امتلاكهم لجرار خاص بهم واضطرارهم إلى استئجار جرار لنقل المياه مقابل المزيد من المال.
القيود على الحركة مشكلة يومية
ويقول الحاج حسين بشارات: "في بعض الأحيان قد نتعرض للتوقيف أو الاعتقال من قبل الجيش إذا ما اقتربنا خلال رعينا للماشية من الطرق أو القواعد العسكرية"، موضحاً بأن آخر مرة حصل هذا الأمر معه شخصياً فبقي قطيعه بدون راع في جانب الطريق في الوقت الذي كان هو رهن التوقيف.
ولكن مايمون من الإدارة المدنية قال: "نحن نقدم للناس خيارات بديلة ولكنهم دائماً يرفضونها ويتجاهلون القانون".
عدم التصريح بالبناء
الصورة: شبتاي جولد/إيرين |
محمد بلعين من فروش بيت دجان في الضفة الغربية يقف بالقرب من حاوية تم تعبئتها من آبار القرية. ويقول محمد أن مستوطنين إسرائيليين قاموا بإغلاق ثلاثة آبار من أصل سبعة في القرية |
ووفقاً لاتفاقية أوسلو توجد فروش بيت دجان، حالها حال قرية الحديدية، في منطقة "ج" الواقعة تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل.
ويضيف بلعين قائلاً: "إن بيتي قديم. ويحتوي على الاسبست الذي قد يسبب السرطان. إنه مضر بصحتنا. كما أننا لا نستطيع أن نضع عليه سقفاً لأنه سيعتبر حينها بيتاً كاملاً وسيصبح عرضة للهدم [من طرف السلطات الإسرائيلية]".
ويستعمل القرويون مولدات الكهرباء لعدم ربطهم بشبكة الكهرباء الرئيسية، مما يكلفهم أكثر حسب بلعين، الذي يعبر عن غبطته لاستفادة القرية القريبة منهم من منحة الحكومة الإسبانية التي دفعت مبالغ ضخمة لتزويد البيوت بألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. وتمنى بلعين أن تستفيد قريته قريباً من نفس نظام توليد الطاقة، قائلاً: "إن الماء هو نبع الحياة. وإمكانية حصولنا عليه تضمحل سنة بعد سنة. وعندما ينتهي الماء ستكون نهايتنا".
"