أظهرت الصعوبات والمحن والانتصار النسبي الذي حققته مؤخراً منظمة أطباء بلا حدود في ميانمار أن الانتقال الذي تم الاستبشار به لهذه الدولة التي تقع في جنوب شرق آسيا من حكم الدكتاتورية العسكرية إلى إدارة شبه مدنية لم يكن انتقالاً سلساً بشكل كامل. ولم يعتقد أي شخص على دراية ومعرفة جيدة بهذا البلد أن هذا الانتقال سيكون سلساً. لكن التفاؤل الأولي تحول تدريجياً إلى خليط من الأمل الحذر الممزوج بجرعات من الإحباط المنتظم.
وفي تقرير جديد صدر الأسبوع الماضي، وصف معهد دراسات السلام والنزاع عام 2014 بأنه "عام التقلبات بالنسبة لميانمار"، وتوقع أنه مع إجراء الانتخابات العامة المقررة في 2015، "سيكون 2015 عاماً حافلاً بالأحداث في البلاد".
ومن الصعب العثور على خطأ في هذا التحليل، فقد قدمت بداية 2015 أدلة وافرة على التقدم المتذبذب في ميانمار.
علامات صغيرة على التقدم
ففي الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود-هولندا أنها استأنفت بهدوء العمل في ولاية راخين بعد توقف دام 10 أشهر. وكانت حكومة ميانمار قد أمرت المنظمة الطبية الخيرية بمغادرة البلاد في فبراير الماضي متهمة إياها بالانحياز لصالح أقلية الروهينجا المسلمة في راخين.
ويذكر أن عشرات الآلاف من الروهينجا - الذين لا تعترف بهم الحكومة كمواطنين في ميانمار – قد نزحوا بسبب القتال مع البوذيين، والذي اندلع بشكل متقطع منذ عام 2012. وقد سميت راخين بهذا الاسم نسبة لعرقية الراخين البوذية التي تشكل غالبية السكان في الولاية التي تم أيضاً عدداً كبيراً من المسلمين، بما في ذلك أقلية الروهينجا. وقد أدى العنف الطائفي في العامين الماضيين إلى مقتل أكثر من 170 شخصاً وتدمير أكثر من 10,000 منزل. وواجه أولئك الذين فروا إلى المخيمات في كثير من الأحيان ظروفاً بائسة. ويأتي استئناف عمليات منظمة أطباء بلا حدود في ولاية راخين في أعقاب ما تصفه المنظمة بـ "مفاوضات معقدة" مع الحكومة المركزية وسلطات الولاية وقادة المجتمع المحلي.
ولا تواجه منظمة أطباء بلا حدود الصعوبات وحدها من أجل السماح لها بالاستجابة بشكل مناسب للأزمة في ولاية راخين. فقد خلص جون جينج، مدير العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بعد زيارة استمرت يومين للدولة في سبتمبر الماضي إلى أن "الوضع الإنساني لا يزال سيئاً على نحو غير مقبول بالنسبة لعدد كبير جداً من الناس".
ولعل نجاح منظمة أطباء بلا حدود هو إشارة على تحسن الأوضاع في المستقبل؟
ففي رد مكتوب على أسئلة طرحتها عليه شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أوضح مستشار العمليات لدى منظمة أطباء بلا حدود في ميانمار، مارتين فلوكسترا، أن المنظمة قادرة الآن على توفير الرعاية الصحية لكلا المجتمعين في راخين ولكنها تدعو الحكومة إلى القيام بالمزيد.
وأضاف فلوكسترا قائلاً: "في حين أننا نرحب بالتقدم المحرز حتى الآن فيما يتعلق بإعادة التفاوض بشأن الوصول إلى السكان غير القادرين على الحصول على الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها، لكننا لا نعمل بنفس القدر الذي كنا نعمل به في السابق (قبل فبراير 2014). في الوقت نفسه، لا يزال العديد من الأشخاص غير قادرين على الوصول إلى الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها على وجه السرعة".
السباب والإهانات والعودة إلى الوراء
ولكن الأجواء المناسبة لعقد مناقشات مثمرة حول دور المنظمات الإنسانية الدولية في ميانمار بشكل عام، وراخين على وجه الخصوص، قد تم تسميمها بعد أن قام راهب بوذي مثير للجدل بإصدار تصريحات مسيئة ضد المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة. فقد وصف أشين ويراثو وهو قومي متشدد يانغي لي بأنها "عاهرة" بعد أن قالت المبعوثة الكورية الجنوبية علناً أن الروهينجا يواجهون التمييز. وتتعرض الحكومة لضغوط من أجل حل الخلاف ولكنها مترددة بشكل كبير في إصدار توبيخ لويراثو الذي يتمتع بشعبية واسعة.
وفي الوقت ذاته لم تكن التوترات العرقية الأخرى بحال أفضل، إذ تبدو آفاق تحقيق السلام في ولاية كاشين الشمالية، التي تعد موطناً لواحدة من أصعب المواجهات العرقية العديدة في ميانمار، قاتمة على نحو متزايد. فقد كانت الحكومة تسعى للتوصل إلى اتفاق سلام وطني يشمل كل الجماعات لوضع حد لستة عقود من التقلبات. ولكن فرص النجاح في عام الانتخابات تبدو ضئيلة.
وكذلك احتمال حدوث المزيد من الإصلاح السياسي، نظراً للتصريحات الأخيرة للجيش الذي أوضح ما كان يفترضه الكثيرون بالفعل بأنه غير مستعد للتخلي عن أي من قوته ونفوذه الذي لا زال كبيراً.
لقد كان الأسبوع الماضي حافلاً، لذا فإن توقع أن يكون عام 2015 عاماً حافلاً بالأحداث لميانمار يبدو متحفظاً جداً.
rh/ha-aha/dvh