1. الرئيسية
  2. Middle East and North Africa
  3. Egypt

مصر: الدستور الجديد بين العقبات والمواجهات

Egypt's parliament building Gigi Ibrahim/Flickr
The entrance to Egypt’s parliament building has been the scene of sit-ins, celebrations and violent crackdowns

 تماماً مثل بقية الأنشطة السياسة في مصر، تُعد صياغة دستور جديد للبلاد مرتعاً للخلاف منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك من السلطة في العام الماضي. فالتعليق المؤقت لدعوى قضائية ضد الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور يعطي هذه الجمعية مهلة شهرين لصياغة الوثيقة وعرضها في استفتاء شعبي قبل تعرض الجمعية لخطر الحل مرة أخرى على أساس أنها أُنشئت بطريقة غير قانونية.

ويشعر المحللون بالقلق من أن الجمعية التي تتسابق مع الزمن لن تولي الاهتمام الواجب للقضايا التي ستحدد مستقبل البلاد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجمعية مؤلفة من 100 عضو، وتهيمن عليها الأحزاب الإسلامية ولكنها تضم أيضاً أعضاء برلمانيين وخبراء قانونيين وممثلين عن مؤسسات الدولة. وأكد جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن بحاجة ماسة إلى دستور يعترف بحقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن ديانتهم، أو مكان إقامتهم، وسواء كانوا من الرجال أو النساء أو الأطفال". وأضاف قائلاً: "يحدوني أمل في أن يتغلب أعضاء الجمعية على انتماءاتهم العقائدية ويضعوا مصالح بلادهم في الاعتبار. فمصر ستخسر كثيراً إذا لم يحقق دستورها الجديد العدالة الاجتماعية".

ويبقى الدستور الجديد خطوة مهمة في عملية الانتقال إلى الحكم المدني التي وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى السلطة بعد تنحي الرئيس السابق مبارك في فبراير 2011.

كيف سيؤثر الدين على صياغة الدستور الجديد؟

اقترح بعض أعضاء الجمعية التأسيسية جعل قوانين الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، على عكس المادة الثانية من دستور 1971 الذي كان مطبقاً في عهد مبارك، والتي تشير فقط إلى "مبادئ" الشريعة الإسلامية. كما نظر أعضاء إسلاميون آخرون في الجمعية في استبدال عبارة "السيادة للشعب" بعبارة "السيادة لله وحده". أما الليبراليون فيشعرون بالقلق من أنه إذا ما تم اعتماد هذه العبارة الأخيرة، فقد يُنظر إلى المعارضة في المستقبل على أنها كفر بالمقدسات، وبالتالي ستتأثر سيادة القانون. وهذا الاحتمال مخيف أيضاً بالنسبة لنحو 9 ملايين مسيحي في مصر (حوالى 10 بالمائة من السكان)، يريدون دستوراً يعترف بحقهم في بناء الكنائس، كما يودون تولي مناصب قيادية والاحتكام إلى قواعد ديانتهم، وخصوصاً في ما يتعلق بمسائل الزواج والطلاق والميراث.

ويقول كمال زاخر، وهو من المدافعين البارزين عن حقوق المسيحيين في مصر: "إذا تم تطبيق الشريعة الإسلامية، لن يُنظر إلى المسيحيين على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى". وأضاف في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية: "لا نريد أن نعاني حتى بعد قيام الثورة، التي ينبغي أن تحوّل مصر إلى أرض لجميع سكانها". كما ذهب زاخر إلى حد التحذير من وقوع أعمال عنف طائفية خطيرة إذا لم يعترف الدستور الجديد بحقوق المسيحيين.

من جانبهم، يقول الأعضاء الإسلاميون في الجمعية التأسيسية، مثل السلفي ياسر برهامي، أنه لا داعي لأن يقلق المسيحيون. وأضاف في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية أن "المسيحيين على مر التاريخ عاشوا حياة كريمة عندما تم تطبيق الشريعة الإسلامية".

كيف سيتغير دور مؤسسة الرئاسة؟

أعطى دستور عام 1971 الرئيس المصري صلاحيات غير محدودة، فجعله رئيس المجلس الأعلى للقضاء، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الأمن القومي. وكانت لديه القدرة على تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى وبعض أعضاء مجلس الشعب، وتعيين وإقالة الوزراء والمحافظين ورئيس جهاز المخابرات، وتوقيع الاتفاقيات مع الدول الأخرى دون الرجوع إلى البرلمان، وحل البرلمان في أي وقت، وتعيين رؤساء تحرير الصحف والمحطات التلفزيونية التي تملكها الدولة. كما كان الرئيس يحتفظ بمنصبه مدى الحياة، ويحصل على عدد غير محدود من فترات الحكم التي تستمر كل منها لمدة ست سنوات. (أجرى مبارك انتخابات رئاسية في عام 2005 كنوع من الرضوخ للضغوط الغربية، ولكن الدستور لم يكن يتطلب القيام بذلك).

من جهة أخرى، قال محمود حنفي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزقازيق أنه على الدستور الجديد أن يتخلص من معظم هذه الصلاحيات ويترك لرؤساء البلاد في المستقبل فقط السلطات التي لا "تحوّلهم إلى فراعنة آخرين". وقد أشارت الجمعية التأسيسية إلى أن الدستور الجديد لن يمنح أي رئيس أكثر من فترتين، مدة كل منهما خمس سنوات.

ووفقاً لصلاح عبد المعبود، عضو في الجمعية من حزب النور السلفي، سيقوم الدستور الجديد بتجريد رئيس الجمهورية أيضاً من الحق في حل البرلمان دون عرض هذا القرار في استفتاء شعبي. وأضاف أن أي إعلان لحالة الطوارئ يجب أن يتم بناءً على موافقة البرلمان، ولا يستمر أكثر من ستة أشهر. (عاشت مصر في ظل حالة الطوارئ منذ عام 1981، عندما اغتيل الرئيس الأسبق أنور السادات، حتى عام 2012، عندما ألغيت أخيراً).

وماذا عن الجيش؟

أصبح الجيش قوة سياسية رئيسية بعد تنحي مبارك. فهو الذي صمم وأدار الفترة الانتقالية وقام بتعيين جميع رؤساء الوزراء والوزراء قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر يونيو الماضي، وسيطر على الأمن داخل البلاد. هذا ويريد الجيش الاحتفاظ بوضع خاص في الدستور الجديد، يضمن له السيطرة الكاملة على ميزانيته، وصفقات أسلحته ومصالحه الاقتصادية، التي تشمل مصانع تنتج كل شيء من المياه المعدنية إلى السيارات. ولكن قيادات الجيش واجهت مقاومة من الإسلاميين. فقال خالد سعيد، وهو زعيم سلفي أن "الجميع يحترم الجيش، ولكن لن يقبل أحد أن يكون هذا الجيش جزءاً من حياة مصر السياسية الداخلية؛ فمهمة الجيش هي الدفاع عن حدود بلادنا، وليس أن يكون دولة داخل الدولة".

وفي أعقاب الصعود السياسي للإسلاميين في مرحلة ما بعد الثورة، يريد الجيش أن يحصل من خلال الدستور على الحق في حماية النظام العلماني في مصر - وهو موقف يؤيده العديد من الليبراليين والعلمانيين. وقد أكد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حسين طنطاوي، أكثر من مرة أن الجيش لن يسمح بأن تتحول مصر إلى دولة دينية.

اهتمام محدود بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية

هيمن دور الدين والجيش على الخطاب العام حول الدستور الجديد، ولم يتم إيلاء اهتمام يُذكر للقوانين الخاصة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية. فتساءل عمرو عدلي، مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في مقال نشرته صحيفة المصري اليوم قائلاً: "لماذا سقطت الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في غياهب النسيان على الرغم من ضرورتها وأهميتها؟"

وذكر عدلي أن الدستور الحالي لا يذكر مثلاً الحق في السكن، ولم يطرأ عليه تعديل ليشمل الحقوق الجديدة التي تم تبنيها في العقود الأربعة الماضية، مثل الحق في الأرض والمياه والحقوق البيئية. كما أنه لا يقدم "آلية واضحة" تمكن الدولة من تطبيق الحقوق. وأضاف عدلي أنه "نظراً لطبيعة المرحلة الانتقالية، لم يُترك مجال كبير لأي تغييرات اجتماعية أو اقتصادية عميقة أو جذرية".

هل يتم تجاهل النساء في هذه العملية؟

بعد أن لعبت النساء دوراً مساوياً للرجال في الثورة، لم يحصلن سوى على ثمانية مقاعد فقط من أصل 498 مقعداً في مجلس الشعب الذي تم حله الآن. والحكومة الجديدة، التي أدت اليمين الدستورية في 2 أغسطس، تضم وزيرتين فقط من مجموع 35 وزيراً. كما أن الجمعية التأسيسية تضم ستة أعضاء فقط من الإناث.

Egyptian women line up to vote in the first free and fair parliamentary elections in November 2011. Cairo, Egypt
الصورة: هبة علي / إيرين
المرأة المصرية تريد التمثيل السياسي بتكليف دستوري
وفي هذا السياق، أفادت منى عزت، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة في منظمة غير حكومية محلية تدعى مؤسسة المرأة الجديدة: "هذا يدل على عدم وجود إرادة حقيقية لتمكين المرأة، أو حتى كتابة دستور يعطيها حقوقها." هذا ويريد النشطاء المدافعون عن حقوق المرأة صياغة مواد خاصة في الدستور الجديد، تمنح النساء فرصاً متساوية في العمل والتمكين السياسي وتمثيل أكثر في البرلمان. كما يريدون أيضاً أن يحظر الدستور التمييز بين الجنسين والتحرش الجنسي والعنف الجسدي.

هذا ويشعر بعض النساء بالقلق من أن يأتي تقدم الإسلام السياسي في مرحلة ما بعد الثورة على حسابهن. ففي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العام الماضي، رفضت بعض الأحزاب الإسلامية وضع صور المرشحات على الملصقات. وأصدر الدعاة السلفيون في وقت لاحق فتاوى تمنع النساء من رفع أصواتهن في البرلمان، قائلين أن هذا مخالف لتعاليم الإسلام. وأفادت عزت في هذا الصدد: "هذه هي عقلية الناس الذين سيكتبون دستورنا الجديد"، ثم تابعت: "إذا لم يتم الاعتراف بالنساء كمواطنات كاملات الأهلية في الدستور الجديد، فسوف يحصل أولئك الذين ينتهكون حقوقهن على الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من التعديات على تلك الحقوق".

ما هي التوقعات بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني؟

في الأشهر التي تلت الثورة، تعرضت منظمات المجتمع المدني، ولا سيما جماعات حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية، لما أسمته حملة منظمة من قبل الحكومة لتشويه سمعتها واتهامها بتلقي تمويل من الحكومات الأجنبية لزعزعة الاستقرار في مصر. فداهمت الحكومة مكاتبهم، بل وأحالت بعض رؤساء المنظمات إلى المحاكمة. وتقول هذه المنظمات أنه على الدستور الجديد أن يعترف بالمنظمات غير الحكومية كشركاء للحكومة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما وتطالب بحرية إنشاء المنظمات غير الحكومية وإطلاق المشاريع والعمل دون قيود.

من جهته، قال شادي أمين، المدير التنفيذي لمنظمة غير حكومية محلية تحمل إسم مركز الحق للديمقراطية وحقوق الإنسان: "يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تكون حلقة الوصل بين الحكومة والشعب لأنها الأكثر قدرة على الوصول إلى الناس في جميع أنحاء هذا البلد." وأضاف: "بدلاً من تضييق الخناق على المنظمات غير الحكومية، على الحكومة أن تفكر في أفضل السبل للاستفادة منها حتى تجعل حياة المصريين أفضل".

ولكن أمين يشعر بالقلق من أن تؤدي الحملات المناهضة لانتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت منذ اندلاع الثورة إلى اعتبار المنظمات غير الحكومية مصدر تهديد في نظر الإدارة الجديدة. وأضاف أمين قائلاً: "أخشى أن يؤدي الدستور إلى خنق منظمات حقوق الإنسان لمصلحة الجمعيات الخيرية ... فالجمعيات الخيرية لا تنتقد الحكومة، بل تطعم الجياع نيابةً عنها".

ماذا سيكون موقف الأطفال؟

أدى تدهور الأوضاع الأمنية بعد الثورة إلى تفجر أعمال العنف في مختلف أنحاء مصر، الأمر الذي مهد الطريق لاستغلال واختطاف الأطفال. كما أن ارتفاع عدد أفراد الأسرة، وخاصة في الريف، يؤدي إلى إجبار البنات القاصرات على الزواج المؤقت بالسياح العرب الأثرياء، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن وزارة الخارجية الأميركية.

ونظراً لهذه الأجواء السائدة، تطالب المنظمات المعنية بحقوق الطفل بمزيد من الحماية للأطفال في الدستور الجديد، بما في ذلك حظر عمل الأطفال وزواجهم. كما تريد أيضاً أن يقوم الدستور بإلزام مؤسسات الدولة بإيجاد حلول لمئات الآلاف من أطفال الشوارع. فيقول محمود البدوي، رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية محلية: "هذا أمر ضروري، خاصة في ظل غياب مؤسسات الدولة التي تدافع بجدية عن حقوق الطفل."

ماذا يريد العمال؟

منذ قيام الثورة، خرج مئات الآلاف من العمال إلى الشوارع، ونظموا احتجاجات في المكاتب الحكومية وإضرابات للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل والحصول على علاقات أكثر توازناً بين صاحب العمل والموظفين. وأحصى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 271 احتجاجاً وإضراباً نظمها العمال في الأيام الخمسة عشر الأولى فقط من شهر يوليو.

وأكدت فاطمة رمضان، مسؤولة تنفيذية عالية المستوى في الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، أن "ظروف العمال سيئة للغاية بحيث لا يمكن تركهم فريسة لأرباب العمل دون حماية دستورية." وأشارت رمضان إلى "التفاوت الكبير في الدخل" بين العمال، وقدرة أرباب العمل على فصل العمال من دون السماح لهم باللجوء إلى القضاء. كما دعت إلى أن يحدد الدستور الحدين الأدنى والأقصى لأجور العمال، ويمنحهم الحق في تشكيل نقابات مستقلة، ويوفر لهم الحماية من الفصل التعسفي، والحق في تنظيم الإضرابات والاحتجاجات السلمية.

ae/ha/rz-ais/bb

This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions

Share this article

Get the day’s top headlines in your inbox every morning

Starting at just $5 a month, you can become a member of The New Humanitarian and receive our premium newsletter, DAWNS Digest.

DAWNS Digest has been the trusted essential morning read for global aid and foreign policy professionals for more than 10 years.

Government, media, global governance organisations, NGOs, academics, and more subscribe to DAWNS to receive the day’s top global headlines of news and analysis in their inboxes every weekday morning.

It’s the perfect way to start your day.

Become a member of The New Humanitarian today and you’ll automatically be subscribed to DAWNS Digest – free of charge.

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join