بصفتي المديرة التنفيذية الأنثى الأولى والوحيدة لمنظمة دولية تعنى بحقوق اللاجئين عايشت بنفسها النزوح القسري، أنا أدرك بكل أسف وأسى أن الاستعمار وتفوّق العرق الأبيض هما ركنان أساسيان في النظام العالمي لحماية اللاجئين وطريقة عمله.
وصحيح أن الاضطرار دائماً إلى إثبات هذه الحقيقة الجليّة مرهق، لكنني أعلم أنه جزء أساسي من المعركة التي أخوضها لإنهاء حملة الوصم والقمع الممنهجة التي تمارسها بحقنا المؤسسات نفسها التي تدّعي مساعدتنا.
الثاني من تموز/يوليو 2013، هو اليوم الذي تحوّلت فيه إلى نازحة قسرية، يوم تعرّض والدي، وهو ناشط سياسي بارز، إلى الاختفاء القسري على يد النظام السوري على خلفية مطالبته إلى جانب الملايين بالحرية والعدالة وسيادة القانون.
في تلك الفترة كنت قد التحقت ببرنامج في إحدى المدارس الصيفية في ولاية رود آيلاند الأمريكية. وبينما كنت في الصف، تلقّيت رسالة على موقع فيسبوك من شقيقتي مفادها: «لقد أخذوه. سنرحل». وفوراً هربت أمي وشقيقاتي إلى تركيا. وهكذا، بين ليلة وضحاها، خسرت والدي ومنزلي وبلدي.
ولم أقوَ على استيعاب ما حدث إلا مؤخراً. وشأني شأن الكثير من اللاجئين الآخرين، كان همي الوحيد في البداية البقاء على قيد الحياة. لكن بمجرد أن بدأت بإثبات وجودي كامرأة كويرية سمراء نازحة قسرياً، أيقنت أيضاً أن المعركة التي بدأتها في سوريا لدمج المرأة في المجتمع والدفاع عن حقوقها لم تنتهِ. واكتشفت أن استمراري في دعم الأشخاص الذين يطالبون بحقوقهم الأساسية في بلدي لا يكفي، فعلي أيضاً أن أحارب الظلم الذي أراه في البيئة الجديدة التي أعيش فيها بكافة أشكاله.
دور مفروض
لقد لمست على الفور كيفية تغلغل الاستعمار وتفوق العرق الأبيض في نسيج تجربة النزوح القسري. إذ شكك بعض أفراد المجتمع من غير اللاجئين في الولايات المتحدة في ما إذا كنت فعلاً بحاجة إلى الحماية، بما أن الصورة النمطية للاجئين الفقراء والمظلومين التي اعتادوا مشاهدتها في حملات جمع التبرعات التي تنظمها منظمات المساعدات الإنسانية لا تنطبق علي، ولم يتوانوا للحظة عن تكرار أنني «أتحدث الإنكليزية بطلاقة».
وسرعان ما أدركت أن نظام حماية اللاجئين سواء في الولايات المتحدة أو في العالم لا يفتح المجال أمامنا، نحن الذين اختبرنا تجربة النزوح القسري بشكل مباشر، لندافع عن أنفسنا أو نشارك في النقاشات الدائرة حول السياسة التي ترسم مباشرة مسار حياتنا، أو لنترأسها. فأنا كنت أتلقى دعوات لحضور فعاليات من تنظيم منظمات تسعى إلى جمع الأموال لدعم اللاجئين، لكني كنت فيها مجرد مثال حي الهدف منه استعطاف الحاضرين كي يتبرعوا. ففي كل مرة كان يحين فيها موعد التحدث عن الحلول أو الإجراءات الواجب اتخاذها، كنت أشعر بأنه ممنوع علي أن أتكلم وبأنني مهمشة.
بدلاً من ذلك، يدير النقاشات الدائرة حول اللاجئين وحركة النزوح «خبراء» غربيون لم يعايشوا يوماً النزوح القسري ويعيشون على بعد آلاف الكيلومترات من المناطق التي تشهد قمعاً سياسياً وصراعات وانتهاكات لحقوق الإنسان تجبر الناس على مغادرة منازلهم.
وقد تمكّن أولئك «الخبراء» من تعريف تجاربنا وصنع السياسات التي تحدد مصيرنا، في وقت يمنع فيه أشخاص مثلي من المشاركة في هذه القرارات. وحتماً، ما يحصل ليس عرضياً: إنه نتاج صيغة النظام العالمي الموضوع لحماية اللاجئين.
جذور النظام
قرأت العام الفائت ملاحظات المؤتمر الذي عقدته الأمم المتحدة لصياغة اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. وكان المحرك الرئيسي لوضع هذه الاتفاقية هو عجز الدول عن تأمين ملاذ آمن للأشخاص الذين اضطهدتهم وقتلتهم ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. لكن بينما كنت أقرأ هذه الملاحظات، وعلى الرغم من كل ما عايشته، أذهلني التجرد من الإنسانية والعنصرية اللذين هيمنا على النقاش.
بحسب أحد مراقبي المجتمع المدني آنذاك: «يمكن [للمرء] بسهولة أن يكوّن انطباعاً بأن اللاجئ العادي هو تاجر عملات في السوق السوداء وشخص مفلس ومجرم خطير وعميل عدو يهدد سوق العمل وغير مؤهل لتلقي التعليم العالي».
بعبارة أخرى، اعتبر العديد من المندوبين الذين صمموا بنية نظام الحماية العالمي هذا اللاجئين مصدر تهديدات اقتصادية وأمنية، وهي نظرة جدلية لا تزال تطغى على السرديات المتداولة بشأن النازحين القسريين.
من كان أولئك المندوبون؟ في ذلك الوقت، كان عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 60 دولة بالمقارنة مع 193 اليوم. وبما أن العديد من دول أفريقيا وآسيا ودول الكاريبي والمحيط الهادئ كانت لا تزال خاضعة للاستعمار، انفردت دول الشمال العالمي بصياغة الاتفاقية، بحسب أولريك كراوس، وهي باحثة وأستاذة في الدراسات حول النزوح القسري وقضايا اللاجئين:
وكانت النتيجة إصدار قرار بتوفير الأمم المتحدة الحماية فقط للنازحين داخل أوروبا قبل عام 1951. إذ لم ترغب الدول الرئيسية التي صاغت اتفاقية اللاجئين، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، بوصول النازحين القسريين الهاربين من النزاع الذي أسفر عن تقسيم الهند وباكستان ومن الشرق الأوسط ومناطق أخرى إلى حدودها والمطالبة بالحماية.
أما القيود الجغرافية التي حددت هوية الأشخاص الذين يمكن منحهم صفة لاجئ فرُفعت عام 1967بعد تحرر العديد من الدول من نير الاستعمار وانضمامها إلى الأمم المتحدة. لكن التصرفات الاستعمارية والانحيازات العنصرية نفسها القائمة في عام 1951 بقيت ملازمة لأسس نظام الحماية الدولي وللسرديات المتناقلة عن اللاجئين. وتُعتبر نظرة دول الشمال العالمي المختلفة تجاه اللاجئين الأوكرانيين مقارنة مع اللاجئين غير الأوكرانيين وطريقة معاملتها لهم خير دليل على هذا الواقع السائد.
وخلال الحرب الدائرة في أوكرانيا، رأينا ما يمكن تحقيقه عندما تتحد جميع الجهات الفاعلة للاستجابة لموجة نزوح قسري واستقبال النازحين وصون كرامتهم واحترام حقوقهم. وهذه هي الاستجابة الصحيحة والمعاملة التي يجب أن يلقاها جميع النازحين بغض النظر عن عرقهم أو إثنيتهم أو جنسهم أو طبقتهم الاجتماعية، لكن الواقع مختلف.
نحو قطاع أكثر إنصافاً
كتبت المؤلفة توني موريسون عام 1975: «الوظيفة الأخطر للعنصرية هي الإلهاء. فهي تثنيك عن أداء عملك، وتجعلك تشرح مراراً وتكراراً سبب وجودك».
نجد أنفسنا عادةً، نحن أفراد المجتمعات المهمشة بشكل ممنهج، بمن فيهم النازحون القسريون، مرغمين على لعب دور المعلّمين مراراً وتكراراً لشرح أوجه الظلم الواقعية والموثقة والممنهجة، تماماً مثل الظلم الذي تحدثت عنه أعلاه. وفي غضون ذلك، تستغل المنظمات أي تحسّن لو كان طفيفاً أو رمزياً للاحتفال بدلاً من الاجتهاد لمحاولة تغيير الواقع السائد. وكما قلت سابقاً، إنه لأمر مرهق.
وفي أغلب الأحيان، يختبئ الناس خلف فكرة أنهم «يساعدون الآخرين» أو «يصنعون الخير» لتجنب الدخول في نقاشات صعبة حول أسس قطاع حماية اللاجئين القائمة على الاستعمار والعنصرية.
وبدلاً من التحدث مراراً وتكراراً عن جدل يُفترض أن يكون انتهى، علينا أن نبحث في كيفية بناء قطاع للاستجابة للاجئين يكون أكثر عدالة وإنصافاً ويتولى فيه نازحون فعليون تصميم الحلول لمشاكل مجتمعاتهم.
وحتماً لن يتغير النظام السائد من تلقاء نفسه. فنحن بحاجة إلى حركة شعبية يمكن في كنفها للاجئين وداعميهم بناء ثقة متبادلة والمصالحة من خلال الاعتراف بأخطاء الماضي وتحمل مسؤوليتها وتصحيح طريقة عمل قطاع حماية اللاجئين حالياً. ونحن بحاجة إلى حراك يقوده اللاجئون وداعمون حقيقيون لهم لا يجرّدون الناس من سلطتهم وقوتهم بحجة تمكينهم.
والخبر الجيد أن الحراك بدأ أساساً. إذ إن التعاون المنصف في عدة مجالات بين المبادرات التي يقودها لاجئون وداعموهم يُظهر أن تحويل السلطة والموارد لدعم العمل الذي يقوم به اللاجئون ممكن. لكن بغية تحقيق تغيير جذري وفعلي، لا بدّ لعدد أكبر من الأشخاص من إتمام المهمة الصعبة وإعادة النظر في تحيزاتهم وأحكامهم المسبقة ومواقفهم والامتيازات التي يستمتعون بها على حساب الآخرين. كذلك، على المنظمات خوض الرحلة نفسها بهدف تحقيق المساواة في أماكن العمل وفي برامجنا ومجالات تعاوننا كي نبني قطاع حماية لاجئين يكون بقيادتهم ويلبي احتياجاتهم.
تحرير إيريك ريدي وموليد حوجالي
الأحرف الأولى: س م/إ ر/م ه/أ ج