لا يحتاج زرق خان، البالغ من العمر 16 عاماً، أن يفعل أكثر من الجلوس في كرسيه وتقليب قنوات التلفزيون ليرسم البسمة على وجه أمه. فرحمة بيبي فرحة لمجرد عودة ابنها الأكبر إلى البيت سالماً وهي تقول: لقد حاولوا أن يجعلوه انتحارياً ولكننا أبعدناه عن المدرسة الدينية".
انتقلت رحمة وزوجها شوكت وأطفالهما الأربعة من مدينة كوهاب في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي لباكستان منذ عام، بعد إخراج زرق مباشرة من المدرسة الدينية التي تقع خارج المدينة والتي كان مسجلاً فيها منذ أن كان يبلغ 12 سنة من العمر.
وكان شوكت قد انتبه إلى حديث ابنه عن العمليات الانتحارية والجنة التي قال أن كل من يهاجم "الأعداء" يظفر بها. وخوفاً على ابنهما من التعرض لغسل الدماغ والتحول إلى انتحاري، انتقلت الأسرة إلى لاهور لضمان هروب ابنها من تأثير معلميه وزملائه المتعصبين.
وقالت رحمة: "لقد أرسلنا زرق إلى المدرسة الدينية لأننا فقراء ولا نستطيع تحمل تكاليف المدرسة العادية". وهذا واقع منتشر في باكستان اليوم.
وتعيش الأسرة الآن على دخل يقل عن 66 دولاراً في الشهر وهو المبلغ الذي يكسبه شوكت من عمله.
وتوفر معظم المدارس الدينية في باكستان، وعددها ألف تقريباً، التعليم الديني والطعام والمأوى بالمجان لمثل هذه الأسر، ولكن القليل منها طورت علاقات مع المتطرفين الذين بدأوا أعمال العنف في أنحاء البلاد، حسب المحللين والمراقبين.
زيادة عدد الانتحاريين
وكانت باكستان قد شهدت في العام الماضي موجة من الهجمات بما فيها العمليات الانتحارية. فقد وقعت 56 عملية انتحارية خلال عام 2007 وحده، لقي فيها 636 شخصاً حتفهم منهم 419 عضواً في القوات الأمنية الباكستانية.
كما قتلت أربعة تفجيرات أخرى في عام 2008 أكثر من 70 شخصاً، آخرها في مسيرة سياسة في 11 فبراير/شباط عندما قام مراهق بتفجير نفسه في منطقة وزيرستان الريفية شمال باكستان بالقرب من الحدود مع أفغانستان.
ولا زال عدد ضحايا هذه العمليات يرتفع حيث أودت بحياة 2,000 شخص في باكستان خلال العقد الماضي. وأصيب العديد من الأشخاص الآخرين بإعاقات دائمة.
"ضحايا أعنف أشكال الاستغلال"
وكان العديد من الانتحاريين الذين قاموا بتفجير أنفسهم من الأطفال وقد روى من أُلقي القبض عليه قصصاً رهيبة عن كيفية جعله يقوم بمثل هذه العمليات.
الصورة: كاميلا حياة/إيرين |
ضحية هجوم انتحاري في مستشفى لاهور في باكستان، حيث كان العديد من منفذي العمليات الانتحارية خلال الأشهر الأخيرة من الشباب |
وقد أصبحت الطريقة التي يتم بها استعمال الأطفال كانتحاريين واضحة في الأشهر الأخيرة.
وكان هجوم قد تسبب في ديسمبر/كانون الأول 2007 في مقتل 11 طالباً عسكرياً، نفذه انتحاري يبلغ من العمر 16 أو 17 عاماً قام بتفجير المتفجرات الملصقة بجسمه بمجرد اقترابه من هدفه.
وفي شهر يناير/كانون الثاني، قام شاب في نفس السن بتفجير نفسه في مسجد في بيشاور في هجوم طائفي على المصلين المتجمعين هناك.
وقبل أسابيع، أخبر اعتزاز شاه البالغ من العمر 15 عاماً والذي تم إلقاء القبض عليه في مدينة ديرة إسماعيل خان بالشمال كيف تم توظيفه من قبل المتطرفين بعد أن انقطع عن الدراسة في كراتشي في شهر مايو/أيار من السنة الماضية.
وقال اعتزاز أنه كُلِّف ليكون احتياطياً في التفجير الذي استهدف اغتيال بنازير بوتو، رئيسة حزب الشعب الباكستاني، التي لقت حتفها في عملية انتحارية يوم 27 ديسمبر/كانون الأول.
وقم تم تدريب اعتزاز في مدرسة في المنطقة القبلية بجنوب وزيرستان وكان يستعد لتنفيذ هجمات أخرى.
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية الباكستانية، العميد إقبال شيما: "لا زلنا نقوم بالتحقيقات والاستجوابات في هذا الأمر".
هؤلاء الشباب هم أيضاً ضحايا الإرهاب كالذين يقتلون في هذه العمليات تماماً. فهم ضحايا أعنف أشكال الاستغلال |
وقال هذا الأخير أنه وجد "طريقاً للخروج من حياة الملل" في مدرسة دينية في المنطقة بعد أن أغراه داعية بحكايات عن الجنة وأنهار الحليب والعسل مقابل قيامه بعملية انتحارية.
وفي حادثة احتلت عناوين الصحف بعد أشهر من ذلك، عفا الرئيس الأفغاني حامد كرزاي عن رفيق الله، الطفل الذي يبلغ من العمر 14 عاماً والذي تم إلقاء القبض عليه وهو يلبس سترة انتحارية مليئة بالمتفجرات.
وقال كرزاي حينها أنه "من المحزن أن يتم إرسال طفل مسلم إلى مدرسة إسلامية لتعلم الدين ثم يقوم أعداء أفغانستان بإضلال طريقه".
"