كان هناك تدفق مفهوم للتعاطف خلال الاستجابة للزلزال المدمر الذي ضرب نيبال. وقد تم إطلاق نداءات، ويجري توزيع المساعدات وإجراء تقييمات لتحقيق التعافي على المدى الطويل. وفي خضم كل ذلك، توجد دعوة مألوفة لتقديم الدعم النفسي للمجتمعات المتضررة. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يعاني ما بين 5 و10 بالمائة من الناس الذين تأثروا بحالة الطوارئ الإنسانية من مرض نفسي نتيجة لذلك.
أنا مترددة في التعامل مع المعاناة الناجمة عن كارثة طبيعية على أنها مرض يحتاج لعلاج طبي: إن أعراض الكرب هي رد فعل طبيعي لحالة غير طبيعية، ووسمها لا يساعد في حل المشكلة في هذه المرحلة المبكرة. بطبيعة الحال، يكون الجميع في كرب بعد وقوع كارثة، ولكن هذا لا يعني أن الجميع بحاجة لرؤية طبيب الصحة العقلية.
في عام 2010، طلبت مني منظمة إنسانية الذهاب إلى هايتي بعد الزلزال المدمر هناك. كانت (المنظمة وليس سكان هايتي) بحاجة إلى علماء النفس. وحيث أنني كنت قد زرت هايتي قبل ذلك بعقد من الزمن، فقد أحببت العودة إليها.
مع ذلك، فإننا نعلم من الأبحاث أنه في أعقاب كارثة طبيعية، لا يستطيع علماء النفس المسلحون فقط بالعلاج الكلامي" تقديم مساهمات كبيرة لأن الناجين بحاجة إلى المرور بعملية الحزن الطبيعية والغالبية العظمى منهم لن يصابوا باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ولا أي اضطرابات نفسية أخرى. إن الدعم الاجتماعي والوقت كفيلان بشفاء الجروح النفسية. لقد خشيت أن تتعرض هايتي لغزو غير لائق من قبل مستشاري الحزن، ولذلك قررت البقاء في المنزل.
كنت في سيتشوان في أعقاب زلزال عام 2008، وأخبرتني زميلة صينية أن العديد من أولئك الذين نجوا من كارثة طبيعية تحدثوا بازدراء عن البرامج النفسية الغربية. وقالت أن "السرقة والحريق وعلماء النفس" هم أكثر ما يخشاه الناس بعد وقوع الزلزال. وأنا لست متأكدة من أن هذا الترتيب صحيح بالضرورة.
حاولت الاستفادة من هذا الدرس عندما ضرب زلزال منطقة أبروتسو في إيطاليا في عام 2009، ونصحت مدير قسم العلاج النفسي في إحدى المنظمات غير الحكومية بمحاولة تجنيد مستشارين نفسيين صينيين. وكما كان متوقعاً، لم يعتقد أن هذا الإجراء سيكون مناسباً.
ولكن لماذا لا؟ إذا كان عالم النفس الإيطالي، في هذه الحالة أنا، يمكن أن يسافر إلى الصين لتقديم العلاج، لماذا لا يحدث العكس؟ في بعض الأحيان، تكون العقلية الاستعمارية الجديدة متأصلة في أجزاء من قطاع المساعدات الإنسانية لدرجة أننا نفشل في ملاحظة أننا نفرض وصايتنا على الآخرين: "نحن" نستطيع أن "نساعدهم"، ولكن لا يخطر على بالنا "أنهم" قد يكونون قادرين على "مساعدتنا". لم يكن وجودي في سيتشوان مناسباً أكثر من وجود عالم نفسي صيني في أبروتسو.
والآن جاء دور نيبال
ما أوشك على قوله قد يبدو أنانياً بالنسبة للسذج والمتحمسين، ولكنني سأقوله على أي حال: أرجوكم دعونا لا نتسرع بالذهاب وتنفيذ برامج نفسية واجتماعية حسنة النية. وبصفة خاصة، دعونا نتجنب إغراق نيبال بالنمط الغربي من "العلاجات الكلامية" التي يتم تقديمها عن طريق مترجمين.
إن الناس يتمتعون بالقدرة على الصمود وسوف يعالجون حزنهم بالطرق المناسبة لنظرتهم الخاصة على العالم، ومن خلال تقاليدهم وطقوسهم الخاصة وفهمهم للموت والانبعاث (من جديد) والمعاناة البشرية.
توفر المبادئ التوجيهية بعض الممارسات الجيدة: أي "ما يبغي عمله وما ينبغي تجنبه". وفي الغالب، ما ينبغي تشجيعه هو "المساعدة الإنسانية الداعمة والعملية للبشر الآخرين الذين يعانون من أزمات خطيرة" على النحو الذي تحدده مبادئ الإسعافات الأولية النفسية (PFA). وغالباً ما يمكن تلخيصها في الحصافة أو حسن الرأي.
إن الشفاء النفسي يسير جنباً إلى جنب مع إعادة الإعمار المادي؛ فلا يمكنك أن تمنح الناس راحة البال إذا لم يكن لديهم منزل. دعونا نقدم المساعدة حيثما تكون هناك حاجة إليها، ولكن دعونا لا نعوق عملية شفاء الناس. نحن بحاجة إلى تنحية الأنا ورغبتنا في أن "نكون هناك" جانباً، ونفعل الأشياء بشكل مختلف لمرة واحدة على الأقل. إن كارثة نيبال الطبيعية ليست فرصة للتطوع، أو الهروب من المشاكل الشخصية، أو وسيلة لملء الفراغ في حياتك. وهذا ينطبق على فاعلي الخير المرتجلين بنفس قدر انطباقه على العاملين في المجال الإنساني الذين قد لا يكون وجودهم ضرورياً.
وفي بعض الأحيان، تكون أفضل وسيلة لعدم إلحاق الضرر بالآخرين هي عدم التدخل. وبدلاً من إرسال مستشاري الحزن إلى نيبال، دعونا نتأكد من أن الموظفين - الدوليين والمحليين - الذين يعملون من أجل إيصال المساعدات المادية الحيوية إلى المجتمعات المتضررة بشدة يحصلون على الدعم والرعاية التي يحتاجون إليها لكي يتمكنوا من القيام بهذه المهمة. وإلا، فإنهم سيكونون هم بحاجة إلى علماء النفس عند عودتهم إلى بلادهم.
تعمل أليساندرا بيغني عالمة النفس السريري حالياً كباحثة زائرة في معهد الأخلاقيات والقانون والنزاعات المسلحة (ELAC) التابع لجامعة أكسفورد. ويركز عملها على رفاه عمال الإغاثة وعلم النفس في مجال المساعدات الإنسانية. وتكتب بيغني تغريداتها على موقع تويتر على العنوان التالي: @mindfulnext وتدويناتها على موقع mindfulnext.org."