الطفل فالح محمد البالغ من العمر تسع سنوات هجره أهله في أبريل/نيسان 2006، وتركوه في شوارع بغداد حيث تم تشخيصه لاحقاً بالإصابة بسرطان الدم (اللوكيميا).
وقال فالح: أفتقد أمي...في الأيام الأخيرة قبل أن يتركوني، كانت حزينة جداً. وفي يوم من الأيام استيقظت لأجد أن أبي و أمي قد اختفوا".
"كنا نعيش في بناء مهجور قرب منطقة حي الجامعة مع ثلاث عائلات أخرى. سألتهم عن أهلي فأخبروني أنهم غادروا المكان. فكان علي أن أعمل لأطعم نفسي لأن هذه العائلات لا تستطيع مساعدتي".
بدأ فالح بعدها بالتسول في شوارع بغداد وفي يوم من الأيام شعر بصداع قوي وأغمي عليه. فقام بعض المارة بمساعدته وأخذوه إلى مستشفى اليرموك حيث تم تشخيصه بعد يومين بسرطان إبيضاض الدم أو اللوكيميا.
يحصل فالح حالياً على العلاج من خلال منظمة "حافظوا على حياة أطفالنا" المحلية غير الحكومية (KCA) التي تقدر أنه في بغداد وحدها تم هجر أكثر من 700 طفل من قبل عائلتهم منذ يناير/كانون الثاني 2006. لكن المنظمة تبقى عاجزة عن مساعدة فالح في الحصول على العلاج المناسب لافتقارها للموارد الكافية.
وقالت ميادة معروف المتحدثة باسم المنظمة: "المشكلة أكبر بكثير بين المواليد الجدد فهناك العديد من الحالات لأطفال تم هجرهم بين عمر عام و12 عاماً. ومعظم هؤلاء الأطفال لديهم أمراض خطيرة تهدد حياتهم ولا تستطيع عائلاتهم تحمل نفقات العلاج".
الآثار النفسية على المدى البعيد
وأضافت معروف أن "كل الأطفال الذين يهجرهم أهلهم يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة والصغار منهم يحتاجون بشكل عاجل إلى عائلة تعتني بهم. وقد أجبر الفقر والعنف الآباء أيضاً على ترك بعض أبنائهم للمحافظة على حياة أبنائهم الآخرين".
ولكن المتخصصين يرون أن الخطر الأكبر يكمن في التأثير طويل المدى على جيل كامل من الأطفال، فالصدمة التي تحدث لهؤلاء الأطفال هائلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وقال الدكتور ابراهيم عبد الرحمن، الطبيب النفسي في جمعية المعونة العراقية، وهي منظمة غير الحكومية: "يترك هجر الأطفال آثاراً نفسية طويلة المدى. وهناك احتمال كبير من أن يغير هؤلاء الأطفال من سلوكهم نتيجة لشعورهم بالنبذ".
ويوجد لدى منظمة "حافظوا على حياة أطفالنا" قسماً يعمل على مساعدة الأطفال المعرضين للخطر ولديها ثلاثة أطباء نفسيين، اثنان من الأردن وواحد من الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف عبد الرحمن قائلاً: "في بعض الحالات يلزم الأطفال الصمت ولا يرغبون في التحدث إلى الطبيب أو أي شخص آخر، فهم يشعرون بأنهم منبوذين بالرغم من وجود من يريد مساعدتهم".
الهلال الأحمر العراقي
وقد أخبر الهلال الأحمر العراقي شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن ارتفاع عدد الأطفال المهجورين نتيجة للعنف الطائفي والمشاكل الاجتماعية الاقتصادية الصعبة يثير القلق.
وتحدث أحد موظفي الهلال الأحمر العراقي لشبكة إيرين مفضلاً عدم ذكر اسمه قائلاً أن العديد من الآباء يتركون أولادهم مع الأقارب الذين يكون لديهم أكثر من 20 طفلاً يعتنون بهم وبعدها يتم هجرهم أو إجبارهم على العمل في الشوارع لدعم دخل العائلة.
وقد أصبح أكثر من 1.6 مليون طفل تحت 12 سنة في عداد المشردين في العراق، وفقاً لإحصائية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية. وهذا ما يقارب من 70 بالمائة من المشردين الذين يقدر عددهم بحوالي 2.5 مليون عراقي داخل البلاد، وفقاً للوزارة.
"