لكن كتاباً جديداً بعنوان"ذا جولدن فليس" أو "الصوف الذهبي" يرى أن استخدام المساعدات كأداة يعود إلى قرون مضت. وقال محرر الكتاب أنطونيو دونيني، الباحث في مركز فاينشتاين الدولي بجامعة تافتس، أن الأمر الوحيد الذي تغير هو "المركزية والحجم الكبير" للمشروع الإنساني، مضيفاً أنه "لم يكن هناك أبداً عصر ذهبي للعمل الإنساني".
وعلى الرغم من رفض المنظمات الإنسانية لوصف كولين باول لها بأنها أداة "لمضاعفة القوة" في حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، إلا أنه لم يكن بعيداً عن الخطأ، طبقاً لما ذكره الجنرال المتقاعد روميو داليري، رئيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في رواندا أثناء الإبادة الجماعية ومؤلف كتاب "مصافحة الشيطان: فشل الإنسانية في رواندا".
فعلى سبيل المثال تم استخدام وكالات المعونة الأمريكية "كأداة لمضاعفة القوة" في حرب فيتنام وفي الحروب الأهلية في أمريكا الوسطى في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كمثالين على ذلك.
وقال إيان سميلي، المؤلف المشارك في الكتاب والناقد للمساعدات منذ فترة طويلة ومؤسس منظمة إنتر باريز الكندية غير الحكومية أنه قد "تم استخدام العاملين في المجال الإنساني... كأوراق التين لحجب عمل الحكومة وتقاعسها في وجه جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وقد تم دفع أموال للعاملين في المجال الإنساني والتلاعب بهم وجعلهم جزءاً من الأعمال التي تنتهك المبادئ الإنسانية. لقد تم تجاهلهم بشكل مستمر حتى في حالات الاحتياجات الإنسانية الواضحة والاحتجاجات الشعبية الضخمة. لقد كانوا صامتين في الوقت الذي كان ينبغي عليهم أن يجاهروا بالكلام، وجاهروا بالكلام في الوقت الذي كان ينبغي عليهم التزام الصمت. لقد دعوا إلى التدخل العسكري... عندما حصلوا على ما يريدون في بعض الحالات، ما كانوا يندمون على ما دعوا إليه".
ويبحث كتاب "الصوف الذهبي" في الأشكال المختلفة للتلاعب بالمساعدات بدءاً من القرن التاسع عشر، مروراً بالقرنين العشرين والحادي والعشرين، ويقدم سلسلة من دراسات الحالة من السودان والأرض الفلسطينية المحتلة وباكستان والصومال وهايتي من بين دول أخرى.
ويمكن لاستخدام المساعدات كأداة أن يكون أكثر دهاءً- على سبيل المثال عندما يتم تجاهل حالات الطوارئ الإنسانية بصورة كبيرة من قبل المنظمات الإنسانية والحكومات على حد سواء- أو في حالة المساعدات الغذائية عندما يتم استخدامها للتخلص من المخزونات الفائضة أو خلق أسواق جديدة أو كسب ود الحكومات، مقابل التلاعب الأكثر وضوحاً الذي يشمل تحويل المخزونات من قبل الأطراف المتحاربة.
"الدونانية" مقابل لا شيء
زيادة عدد وشدة الأزمات والنمو الكبير للقطاع الإنساني وزيادة قدرة الحكومات على إملاء شكل برامج الوكالات وارتفاع حدة التدقيق الآني وتأثير ذلك على التمويل، كلها أمور جعلت المنظمات الإنسانية أكثر دراية باستخدام المساعدات كأدوات.
وتلتزم بعض المنظمات بالمبادئ الإنسانية الخاصة بالاستقلالية والحياد والنزاهة بدرجة أكثر صرامة- لاسيما الوكالات الدونانية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية مثل أطباء بلا حدود (هنري دونان هو صاحب فكرة إنشاء حركة الصليب الأحمر في معركة سولفيرينو).
لكن حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر كافحت من أجل التمسك بمبادئها في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال فشلت الحركة في تعزيز استجابتها لحماية ضحايا معسكرات الاعتقال في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي أو في التزامها الصمت حيال معسكرات الاعتقال التي تديرها بريطانيا أثناء حرب البوير نهاية القرن التاسع عشر.
وقال الكتاب أنه بالنسبة للوكالات متعددة المهام- الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية- فإن الحياد والاستقلال والنزاهة هي "مجرد ارشادات توجيهية أكثر منها مبادئ". كان التلاعب بالنسبة لهم... هو الموقف الأساسي الذي يستخدمه البعض والبعض الآخر تواق إلى استخدامه".
وقال دونيني أن الخطر بالنسبة لهم هو أنه في مكان مثل أفغانستان "قد تجد بعض الوكالات متعددة المهام أنفسها في مأزق. فهم من جهة يريدون تقديم المساعدات الإنسانية، لكن كونهم الشركاء المنفذين للحكومة والفرق العسكرية والسياسية لإعادة إعمار المحافظات فإنهم يدركون أنهم سيواجهون عواقب ذلك".
ويكون استخدام المساعدات كأداة أكثر وضوحاً في بعض الأزمات من غيرها. ففي الصومال قامت جميع الجماعات المحلية- من منظمات غير حكومية محلية إلى رجال أعمال وأمراء حرب- بالسعي إلى التلاعب بالمساعدات لإبراز سلطتهم أو إثراء أنفسهم، طبقاً لمؤلفي الكتاب.
دروس للمنظمات الإنسانية
وقد أمتنع المؤلفون عن وضع المعايير لكن هناك بعض الدروس المستقاة. والدرس الواضح هو أنه دائماً ما تنتهي الدعوة إلى التدخل العسكري بالندم فيما بعد. وقال سميلي أن "الوكالات تدعو إلى الشجاعة والإقدام على مسؤوليتها الخاصة.. ولكن لابد من توخي الحظر".
والدرس الآخر هو أن المنظمات الإنسانية غالباً ما تجزئ أو تبسط تعريفها لحالة الطوارئ المعقدة وتطيل أمد الواقع الذي يشرح ذاته والذي تكون فيه حلولهم (الغذاء والخيام) هي ما يحدد المشكلة. وهذا قد يؤدي بهم غالباً إلى تجاهل المشكلات الحقيقية (كانتهاكات حقوق الإنسان في سيريلانكا أو إطعام القتلة الذين ارتكبوا إبادة جماعية مثلاً في رواندا).
ومثل هذه الرؤية تؤدي إلى تصوير دارفور كحكاية بسيطة نسبياً للعرب "الأشرار" والأفارقة "الأخيار" بدلاً من كونها صراع على السلطة أكثر تعقيداً للسيطرة على الأرض والمياه.
كما أنها تمنعهم أيضاً من رؤية تأثيرهم الخاص: فالعديد من الباحثين أكدوا أن المساعدات الإنسانية أطالت أمد الحرب في بيافرا في نيجيريا في الستينيات- وهو نزاع مات فيه ما يقدر بمليون شخص لقى غالبيتهم مصرعه بسبب سوء التغذية. وبالطبع فإن العودة خطوة إلى الوراء وإدراك ما كان يجب فعله لتفادي الأزمة أمر رائع، لكن سميلي الذي كان هناك في ذلك الوقت قال أن العديد من المنظمات غير الحكومية كانت على دراية بتلك الديناميكية في ذلك الوقت.
الصورة: اللجنة الدولية للصليب الأحمر /س. بارثيليمي |
حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر- الحامي للمبادئ الإنسانية- كافحت معهم في بعض الأحيان (صورة أرشيفية) |
وربما أحد أكثر الدروس فائدة، طبقاً لتحليل المؤلفين، هو أن التلاعب بالمساعدات لا يحقق عادة للمتلاعبين ما يريدونه. وقال سميلي: "حقيقة أن المعونة يمكن أن تكون أداة لمضاعفة القوة قد تكون غير صحيحة". فقد أظهرت الدراسات على سبيل المثال أن المساعدات الإنسانية في العراق وأفغانستان لم تفعل شيئاً يذكر لكسب القلوب والعقول.
ونظراً لتراجع القوى الغربية وبدء الدول المتضررة من الأزمات في تأكيد حقها في السيطرة على الاستجابة للأزمات، ستظهر ديناميكيات جديدة على الساحة. وقد ذكر دونيني سريلانكا كمثال حيث قام رئيسها ماهيندا راجاباكسي باستخدام الحرب العالمية على الإرهاب واحترام السيادة لتبرير استخدام القوة الساحقة ضد انتفاضة التاميل عندما جاء إلى السلطة في عام 2005 وقام بقمع العاملين في المجال الإنساني.
وقد استفاض الكتاب في سرد المشكلات واختصر في سرد الحلول مما قد يصيب القارئ بالإحباط. لكن دونيني شدد على نقطة أخيرة وهي أن "هذا الكتاب يركز على السلبيات- لقد أردنا أن نحل رموز استخدام المساعدات كأداة. لا ينبغي أن ننكر كل الايجابيات... فهناك الكثير منها".
حوار مع مؤلفي كتاب الصوف الذهبي |
قامت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بمناقشة بعض موضوعات الكتاب مع مؤلفيه دونيني وسميلي. دونيني: بكل تأكيد نحن نحسن المساءلة حول كيفية تقديم المساعدات بوجود معايير مثل (أسفير وبيبول إن إيد) وعن طريق الوصول إلى المحتاجين من خلال الوكلاء والتغذية الاسترجاعية اللحظية واستخدام الهواتف النقالة واجتماعات الفيديو التي تتم عن بُعد مما يسمح للمنظمات بالتأكد من المخزونات والتحقق ما إذا كانت عينة من السكان تتلقى المساعدات. لدينا فرصة الدخول على الانترنت والوصول إلى الموازنات والمعايير ويمكننا مقارنة الاستجابات بين الأزمات المختلفة. عندما كنت في إقليم هلمند في أفغانستان في يونيو الماضي تحدثت مع مدير أفغاني لإحدى المنظمات غير الحكومية- وهو يعرف الجميع هناك. قام أحد أعضاء طالبان باستدعائه لمنزله لمناقشة مشروع مياه لديه مشكله بشأنه. وعندما سأله كيف عرف عن المشروع، قال أنهم كانوا يتفحصون موازنات المنظمات غير الحكومية لمعرفة من أين تأتي الأموال- سواء من قوات مستقلة أو متحاربة.... سيصبح تظاهر الوكالات بأنها إنسانية عندما لا تكون كذلك أكثر صعوبة من ذي قبل. لقد ولت أيام الغطرسة التي تُميز مجتمع المعونة عندما كان يمكنك التلاعب بتلك القضايا، وهذا أمر ايجابي. |
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions