تشير الساعة إلى العاشرة والنصف في هذا اليوم المشرق بعاصمة أرض الصومال، ومحمد يوسف، 15 عاماً، لم يذهب بعد إلى مدرسته. وليس ذلك لكي يلعب كرة القدم أو يدخن السجائر أو يلمع الأحذية في الشوارع، ولكن ليرافق بعضاً من زملائه في رحلة تمتد لحوالي 5 كيلومترات عبر طرق هارغيسا غير المعبدة لحضور إحدى الحصص التي ينظمها نادي من الطفل إلى الطفل" بمدرسة بايو داكاي الابتدائية. وبصيغة أخرى، فإن محمد وأصدقاءه يهربون من مدرستهم ليلتحقوا بمدرسة أخرى.
تتبع برامج "من الطفل إلى الطفل"، التي يتم تطبيقها في الصومال بتمويل من منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) وبإشراف من جمعية طلبة أرض الصومال، مبادئ توجيهية بسيطة، إذ يقوم الأطفال بتحديد مشكلة ما، ثم يعملون على تخطيط وتنفيذ المشاريع اللازمة لحلها. وتكتسي العملية التي يتم من خلالها تناول المشكلة أهمية تضاهي الحل نفسه، فعادة ما تكون عبارة عن نقاش صاخب للوصول إلى الحل الذي يرجى أن يكون بالإجماع.
ففي السنة الأولى من البرنامج مثلاً، قرر طلبة بايو داكاي بأنهم يحتاجون إلى مكان مظلل لتناول غذائهم وفرصة لعرض قدراتهم الأكاديمية أمام طلاب المدارس الأخرى بالمدينة. وقام نادي "من الطفل إلى الطفل" بزرع الأشجار في ساحة المدرسة وتنظيم سلسلة من المسابقات التعليمية مع المدارس الأخرى في هارغيسا.
ويوجد في الصومال 105 نادياً من نوادي "من الطفل إلى الطفل"، يضم كل منها حوالي 30 طالباً تتراوح أعمارهم بين 10 و19 سنة. ويعتبر وجود هذه النوادي في حد ذاته إنجازاً مهماً باعتبار أن النظام التعليمي برمته قد تعرض للتخريب إثر سقوط الحكومة المركزية عام 1991.
وأفادت اليونيسيف بأن نسبة التسجيل في المدارس بالصومال اليوم تعتبر إحدى أقل النسب في العالم. وبالرغم من الترحيب والحماس الذي استُقبِلت به فكرة التعليم الذي يديره الأطفال، لا يزال المدرسون التقليديون الذين يعتمدون على الطريقة العمودية في التعليم (من الأعلى إلى الأسفل) يحاولون التأقلم مع الفكرة وفسح المجال لطلابهم ليتولوا مسؤولية الفصل.
وقالت هينا ساندبيرغ، مسؤولة التعليم بمكتب اليونيسيف بالصومال، بأن منظمتها تركز أيضاً على منع تحول العملية التعليمية إلى عملية عمودية (من أعلى إلى أسفل) بين الطلاب أنفسهم. وقالت: "إن برامج "من الطفل إلى الطفل" هي برامج مهمة جداً بالنسبة لليونيسيف لأنها تعطينا فرصة لإيصال رسالتنا مباشرة إلى الأطفال...ولكننا لا نريد أن نستمر في إغراق الأطفال برسائلنا بل نريدهم أن يبلوروا رسائلهم بأنفسهم".
ويتمحور الموضوع الذي يتطرق إليه نادي الطلاب ببايو داكاي اليوم حول وضع جدول عمل خاص بالسنة الدراسية المقبلة، وهذه بحد ذاتها فرصة بالنسبة لمحمد وأصدقائه لتوصيل رسالة ناديهم وتبادل الخبرات والتجارب.
ويخاطب محمد زملاءه قائلاً: "ما تحتاجون إليه هو انتخاب سكرتير يستطيع توثيق ما تناقشونه في اجتماعاتكم". ولكن قبل أن يتسنى للأطفال الاستمرار في النقاش تقتحم مديرة المدرسة الفصل وتؤنب محمد ورفاقه لسللهم إلى مدرستها وتأمر بإنهاء النقاش فوراً.
ولكن النقاش يستمر في ساحة المدرسة حيث يقول أحد الطلاب: "يجب أن تتركز أولوياتنا للسنة المقبلة على زيادة عدد المشاركين في نوادي "من الطفل إلى الطفل"…وأن نجد طريقة تمكننا من التعاون بشكل أفضل مع معلمينا وآبائنا".