سوف تبدأ القمة العالمية للعمل الإنساني يوم الإثنين المقبل، وستجمع بين (بعض) قادة العالم لكي يتوصلوا إلى اتفاق حول طرق تحسين الاستجابة للأزمات العالمية. وفيما يلي ما سنترقبه.
من الذي سيحضر؟
يجب أن يشارك رؤساء الدول والحكومات في أي مؤتمر قمة. هذا هو تعريف القمة. ولكن من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، كم زعيماً سيحضر؟ كلما انخفض مستوى تمثيل الحكومة، قلّت جديتها بشأن القمة. إذا أرسلت البلدان النامية رؤساءها ورؤساء وزرائها، وأرسلت الدول الغنية والقوية نواباً وزراء متواضعين، فلن تتحقق فكرة التقاء العقول. حتى الآن، أخبرنا المنظمون أن 60 رئيس دولة أو حكومة سيشاركون من بين 175 دولة من المقرر حضورها - هل فات أوان زيادة هذا الرقم؟ هل تبدو الردود على الدعوات ضئيلة؟ وكم منهم سيكونون من كبار الزعماء (نحن نعرف أن بوتين وأوباما لن يذهبا)؟ تمكنت قمة المناخ في باريس من اجتذاب حوالي 150 زعيماً. وبالنظر إلى تاريخ تركيا الحديث، سوف تكون الإجراءات الأمنية مشددة للغاية، وسوف يشعر المضيفون والمنظمون على حد سواء بالراحة إذا وعندما ينتهى المؤتمر دون وقوع حوادث.
هل تبدو الردود على الدعوات ضئيلة؟
الدول مقابل المجتمع المدني
تجدر الإشارة إلى أن الحكومات، الغنية والفقيرة على حد سواء، لديها أسبابها لتتوارى عن الأنظار: تشعر الدول الغنية أنها مُطالبة بتقديم أموال أكثر في زمن التقشف، في حين قد تكون البلدان الأكثر فقراً حذرة من اغتصاب المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لسلطاتها. وقد أعلنت روسيا أن هذا التجمع الذي تنظمه الأمم المتحدة يترك وجهات نظر الدول الأعضاء "على الرصيف". ويذكرنا بيان الموقف الذي أصدره الاتحاد الأفريقي بأن "المسؤولية الأساسية" عن الإغاثة في حالات الطوارئ تقع على عاتق الدول. ويرى المستمع الجيد أن الإشارات التي تتضمنها الخطابات المتعلقة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182 - وهو حجر الأساس لنظام الاستجابة للطوارئ الدولية الحالي الذي يتعرض لانتقادات كثيرة- عادة ما تشير إلى تفضيل هيمنة الدولة وتحذير المنظمات غير الحكومية من محاولة تجاوز دورها أو الارتقاء فوق مستواها الطبيعي. لقد احتلت المنظمات غير الحكومية، التي اعتادت على وضعها "على طاولة الأطفال" في مثل هذه المناسبات، مركز الصدارة خلال فترة الإعداد للمؤتمر، وسوف تحظى بالمزيد من الأهمية أثناء القمة. ولكن هناك شائبة واحدة: إذا عوملت الدول (التي لديها واجبات والتزامات وأسلحة) بنفس المعاملة التي تلقاها المؤسسات غير الربحية وغير المسلحة، فهل سيساعد ذلك الدول على التهرب من مسؤولياتها؟ من الذي ستُذكر قضاياه في الوثيقة النهائية (إذا كانت هناك وثيقة نهائية)؟
هل ستظل المنظمات غير الحكومية على "طاولة الأطفال"؟
الإنمائي مقابل الإنساني
عادة ما تكون ميزانيات وموظفو واستراتيجيات المساعدات الإنمائية الطويلة المدى منفصلة عن الاستجابة لحالات الطوارئ. ولا يقل تمويل التنمية عن أربعة أضعاف المساعدات الطارئة أو الإنفاق "الإنساني". ومع اندلاع الأزمات وتكرارها وطول أمدها، ألا ينبغي أن تتم المواءمة بينهما على نحو أفضل؟ سوف يقول كثيرون أثناء القمة أن التمييز بينهما غير مفيد في كثير من الأحيان، ويجب أن يعملا معاً من أجل تحقيق نفس الأهداف. ولكن الآخرين يتحمسون للرأي القائل بأن عملية التنمية سياسية بطبيعتها ولا يمكنهم التصرف بجرأة وبشكل مستقل وبطريقة قائمة على المبادئ عندما تكون الحكومات جزءاً كبيراً من المشكلة. احترس من الجمع بين كل الأشياء، الفقر المدقع وتغير المناخ ومنع الكوارث (اللجنة الدولية للصليب الأحمر تسمي هذا "المجمل"). وستفضل البيروقراطيات الإنمائية الكبرى هذا بشكل عام، ومن المحتمل أن تكون هي ساحة للمنافسة والمناورة من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي. وعلى الطرف الآخر من الطيف، سوف يشير المدافعون عن الطبيعة الاستثنائية الخاصة للاستجابة الإنسانية إلى المبادئ الإنسانية كثيراً، خصوصاً الاستقلال والحياد. فهل سيتفوق دعاة النهج الاستثنائي أم النهج المجمل؟
ما وراء العبارة: "محلي قدر الإمكان، ودولي حسب الاقتضاء"
تملق توطين المعونة
تكتسب جماعات الإغاثة المحلية احتراماً ونفوذاً متزايداً، على الأقل في الخطاب الذي عادة ما يتم التدرب عليه، في حين أن نموذج جماعات المساعدة الخارجية التي تقفز مباشرة إلى العمل يبدو غير فعال وغير منصف على نحو متزايد. سوف يتحدث مناصرو المنظمات غير الحكومية المحلية عن نموذج جديد وعن النفوذ وتدفقات التمويل. ولا يريد "الأمميون الخجولون" أن يُنظر اليهم على أنهم يدافعون عن كليشيه الأشخاص البيض الذين يقفزون على الطائرات. قد يتحدثون عن الذكاء التقني و"القدرة" وقرب المسافة (قيمة تواصل فرقهم وجهاً لوجه مع الناس على الأرض). وقد تم التوصل إلى هدنة بين الأمميين ودعاة توطين المعونة إلى حد ما من خلال عبارة: "محلي قدر الإمكان، ودولي حسب الاقتضاء". لكن التوترات لا تزال مستمرة، وقد نشأت من المصالح الذاتية والمبادئ على حد سواء. قد تكون لدى الأجانب ميزة الظهور بمظهر الحياد الصحيح في بعض الحروب. وقد لا تمتلك الجماعات المحلية النطاق والأنظمة اللازمة لتولي إدارة بعض العمليات. وقد لا تتعامل المنظمات غير الحكومية الدولية الكبرى مع احتمال زوالها برباطة جأش. وقد لا تكون جميع المنظمات غير الحكومية المحلية مثالية وأصيلة. احترس من "غسل الجنوب" وتملق التوطين والوفاق: المنظمات الإنسانية الشمالية التي تُبالغ في إبراز أهمية "الشراكات" لإظهار رسوخها على المستوى الشعبي قد لا تتنازل حقاً عن نفوذها.
الخدعة ليست في التفاصيل، بل في البنود الفرعية.
لغة مبهمة
الخدعة ليست في التفاصيل، بل في البنود الفرعية. إذا تم تطبيق هدف الصفقة الكبرى المتمثل في تخصيص ربع التمويل لمنظمات الإغاثة المحلية والوطنية بحلول عام 2020، فإن ذلك سيكون إنجازاً هائلاً: زيادة بمقدار 20 ضعفاً في ثلاث أو أربع سنوات فقط. ولكن انظر، هناك بند يتيح التنصل من المسؤولية: ينبغي أن يتدفق المال "بشكل مباشر قدر الإمكان". إنها عبارة تترك الباب مفتوحاً لاستمرار التعاقد من الباطن. هل تعتبر الالتزامات التي تشمل بنداً يتيح التنصل من المسؤولية التزامات حقيقية؟ سوف يكون هناك الكثير من عبارات مثل "الحث" و "السعي" و "إحراز تقدم ملموس نحو". ابحث عن الأرقام في البيانات. ولا تنسى عبارة "إنها عملية مطولة" - وهي كناية دائمة عن التسويف وتأجيل التنفيذ. هناك على الأرجح مسابقة لاحتساء أكبر قدر ممكن من الشراب هنا، أو على الأقل جولة من لعبة بنغو الهراء.
المصالح الشخصية والخاصة
سوف نترقب أولئك الذين يدعون إلى تغيير الآخرين، ولكن لا يقدمون الكثير من التفاصيل عن كيفية تغيير أنفسهم. وترقبوا أيضاً الإعلانات عن مناطق النفوذ: إدعاء ملكية قطاعات مواضيعية أو مهنية. لقد رأينا بالفعل تقسيماً تم التعامل معه بصورة سيئة في قضية "الإدراج" - "ميثاق إدماج" يغطي الإعاقة؛ وآخر يهدف إلى إقحام الإعاقة والعمر ونقاط الضعف الأخرى. اثنان من مواثيق الإدماج المختلفة؟ إذا لم يتمكن دعاة الإدماج من تمالك أنفسهم، فأي أمل سيتبقى للآخرين؟ وبالمثل، هناك مطالبون يتنافسون على تاج "الابتكار الإنساني" المثير. إن الاستحواذ على "حصة من العقول" في حدث يتسم بالسيولة والاتساع السعيد مثل القمة العالمية للعمل الإنساني قد يكون هو أفضل نتيجة يأمل البعض في التوصل إليها.
إذا كانت مكاناً خانقاً تكثر فيه العبارات الجوفاء والبديهيات على ضفاف البوسفور، فإن النقاد سيصولون ويجولون.
الصراع أمر جيد
سوف تُظهر الصفوف والتماثيل النصفية والتصريحات الفظّة أن هناك أهمية حقيقية للقمة. عندما تكون القضايا الحقيقية على المحك، ويتم الاعتراض على الوضع الراهن، ينبغي أن تتوقع بعض المقاومة. وإذا كانت مكاناً خانقاً تكثر فيه العبارات الجوفاء والبديهيات على ضفاف البوسفور، فإن النقاد سيصولون ويجولون. سيكون هناك صراع تافه وتذمر حول تصاريح الدخول والبث والشارات والأشخاص الذين سيسمح لهم بدخول قسم كبار الشخصيات. ليس هذا هو المهم. سيتم عقد الكثير من الصفقات في الممرات والأسواق ومقاهي الشيشة.
ربما تكون القمة قد مارست نفوذها الأكبر بالفعل - فقد أثارت مرحلة التشاور المفتوحة الكثير من التأمل الداخلي، حتى لو كان فوضوياً، والتغييرات تجري على قدم وساق. أياً كانت العروض المسرحية والسخافات التي ستحدث في اسطنبول، فإن التغييرات الحقيقية لإيصال مساعدات أفضل إلى عدد أكبر من الناس هي الأشياء التي ينبغي ترقبها في الأشهر والسنوات القادمة.
bp/ha/ag-ais/dvh