رغم مضي أسبوعين على إعصار ماثيو الذي عصف بجنوب هايتي، لا يزال حجم الأضرار التي لحقت بالدولة واضح بشكل مخيف. فوفقاً للأمم المتحدة، هناك نحو 1.4 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات وهذا العدد مرشح للارتفاع، وكذلك عدد القتلى، الذي وصل الآن إلى 546 شخصاً. مرّت ست سنوات على الزلزال المدمر الذي وقع عام 2010، وعلى إنفاق مساعدات بمليارات الدولارات عقب تلك الكارثة، فلماذا لم تكن الدولة المُعرضة للكوارث أكثر استعداداً؟ توجهت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) لجوناثان كاتز، الخبير والمراسل السابق في هايتي للإجابة عن بعض تلك الأسئلة:
على من تُلقي معظم اللوم فيما يتعلق بضعف الاستعداد لمواجهة إعصار ماثيو في هايتي: الحكومة، أم المنظمات غير الحكومية، أم كلاهما؟
من الصعب الفصل بين الجانبين، فالمشكلة أعمق بكثير من كليهما. لا يوجد لدى هايتي حكومة حقيقية الآن، نظراً للمؤسسات الضعيفة جداً على المستوى المحلي وحقيقة أنه لا توجد هناك حرفياً حكومة وطنية منتخبة، في ظل تأجيل إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان لأكثر من عام. ولكن الكثير من هذه الأمور يعود إلى المنظمات غير الحكومية الأجنبية والحكومات الأجنبية والمواطنين الذين يخضعون لرعايتها. صراحة، لقد دخلت المنظمات غير الحكومية إلى هايتي منذ عقود مضت بهدف إضعاف حكومة الديكتاتور جان-كلود "بيبي دوك" دوفالييه آنذاك والإطاحة به. وعلى الرغم من أن الهدف الصريح ربما يكون قد تلاشى، لكن أثره ما يزال حاضراً.
هذا لا يأخذ في الاعتبار انغماس المجتمع الدولي بشتى الطرق في السياسة في هايتي على مر السنوات الماضية، سواء قيام الحكومة الأمريكية بتوفير الطائرة التي نقلت الرئيس جان-برتران أريستيد وقت حدوث الانقلاب في عام 2004 الذي نفذته قوات شبه عسكرية دربتها الولايات المتحدة، أو سفر هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، لتقوم شخصياً بإلغاء نتائج انتخابات 2010-2011، مما أدى إلى صعود زعيم مؤيد للأعمال التجارية الأجنبية (ميشال مارتيلي) الذي أساء إدارة البلاد لمدة خمس سنوات إلى أن اُجبر على الاستقالة من منصبه عقب احتجاجات وانتخابات غير نزيهة في وقت سابق من هذا العام.
وإلى أن تأتي الأموال والموارد الأخرى إلى هايتي بطريقة تبني المؤسسات المحلية، بما في ذلك الحكومة، وتمنح الهايتيين السيطرة على حياتهم ومصيرهم، لن يفيد شحنات المعونة الطارئة أو مشاريع التنمية التي تنفذ لمرة واحدة، مهما كان عددها، في جعل هايتي في موقف يمكنها من الصمود أمام الكوارث الجوية في المستقبل من أي نوع.
لماذا لم تكن المناطق الأكثر تضرراً من شبه جزيرة تيبورون أكثر حذراً أو أفضل استعداداً لإعصار ماثيو؟ لماذا لم يتم تنفيذ المزيد من عمليات الإجلاء وتخزين الاحتياطيات اللازمة؟
من الذي كان سيطلق التحذيرات؟ أين كان سيذهب السكان؟ ما هي الأشياء التي كان يجب تخزينها، أين، وكيف؟ في الدول الأكثر ثراء يكون من المُسلم به وجود ما يُعرف باسم المستجيبين الأوائل ومسؤولي الطوارئ، الذين يتم تمويلهم من الضرائب، ويكونون على أهبة الاستعداد دائماً، هؤلاء هم الذين يهبون لنجدتنا ويساعدوننا في اجتياز الكارثة. أما في هايتي فهناك قليل من هؤلاء. لقد ضرب إعصار ماثيو منطقة نائية ويصعب الوصول إليها من العاصمة بورت أو برنس. وفي حين أن بعض المنظمات مثل برنامج الأغذية العالمي قد خزنت الأغذية بالفعل، لكنها لم تكن تعرف أي جزء من الدولة سيكون هو الأكثر تضرراً ولم تكن تعرف ما هي المنطقة بالضبط التي يجب أن تذهب إليها في وقت مبكر. أقصى الجنوب الغربي هو منطقة ريفية إلى حد كبير، اعتاد سكانها أن يعولوا أنفسهم بأنفسهم. كان بإمكانهم أن يتركوا المنازل المتداعية ويذهبوا لأخرى أكثر متانة أو البحث عن منازل مبنية بالخرسانة ويأملوا في مستقبل أفضل، ولكن ما الذي كان سيمنع العاصفة من أن تمزق حدائقهم وتدمر إمداداتهم الغذائية التي كانوا يُعوّلون عليها لبقية السنة؟ الظروف كانت قاسية وغير مستقرة، ولم تكن العاصفة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. لذا، ربما يكون حرياً بنا أن نسأل: لماذا كان الناس يعيشون بهذه الطريقة في المقام الأول؟
كيف تؤثر حالة عدم الثقة في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي، وعلى نطاق أوسع عدم الثقة التي نشأت تجاه العاملين في مجال المعونة في أعقاب زلزال عام 2010، على الاستجابة الحالية؟
أنا متأكد من أنها ستجعل من الصعب على بعض عمال الإغاثة الأجانب القيام بعملهم. لديهم الأمم المتحدة ليشكروها على ذلك. بعد إدخال الكوليرا إلى هايتي للمرة الأولى الموثقة في أكتوبر 2010، تسترت قيادة الأمم المتحدة كلها، وصولاً إلى الأمين العام بان كي-مون، على هذا الأمر وتحاشت المساءلة حيثما أمكن. كان لديها ست سنوات بالضبط لتفعل شيئاً حيال ذلك، ولم تفعل. وهذا عمق من انعدام ثقة كثير من الناس تجاهها وربما بات ذلك غير قابل للإصلاح. أنا شخصياً سأكون أكثر قلقاً بشأن ما إذا كانت منظومة الأمم المتحدة وسائر الجهات الأجنبية المستجيبة قد تعلمت الدروس من تلك الكارثة، ناهيك عن فشل الاستجابة لزلزال 2010، بشأن الحاجة إلى المساءلة وأهمية ضمان عدم قيام الجهة المستجيبة بإلحاق المزيد من الضرر بالسكان. والآن لا تستطيع هايتي أن تتحمل أزمة أخرى مثل هذه.
هل تبذل المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة جهوداً كافية للانخراط مع المنظمات غير الحكومية والسلطات المحلية؟
تناهى إلى مسامعي أن المسؤولين والحكومة الانتقالية في هايتي كانوا يحاولون فرض مزيد من التحكم والسيطرة على جهود الاستجابة أكثر مما كانت تفعله حكومة الرئيس رينيه بريفال في عام 2010، رغم أنه مستوى منخفض جداً. ولكن معرفتنا بنظام المعونة الإنسانية والأطراف الحقيقية التي تتمتع بالسطوة السياسية والقوة الاقتصادية في عالمنا تجعل من الصعب علينا تصور أن الناس الذين يعيشون في مناطق الكوارث يمكنهم حقاً القيام بدور مهيمن. هذا الحديث مستمر منذ فترة، وحتى أكثر المنظمات غير الحكومية الدولية وأقلها مساءلة تدرك أنه يجب عليها التلميح على الأقل إلى شراكات محلية ونماذج التعاونية. ولذلك أتوقع أن نسمع المزيد عن هذا مما كنا نسمعه خلال الكوارث السابقة. ولكن نظراً لأن المساءلة ما تزال حلماً بعيد المنال في هايتي لدرجة أن بان كي-مون لم يشعر حتى أنه مضطر للاعتراف بالمسؤولية المعروفة جيداً لمنظمته عن انتشار وباء الكوليرا، الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 10,000 شخص في السنوات الست الماضية، والذي يزداد سوءاً بعد العاصفة، دعوني أقول إنني أشك في حدوث أي تغيير حقيقي. ولكن لا أحد يعرف ماذا سيحدث.
ما هي أهم التغييرات التي يجب أن تحدث حتى تصبح هايتي أفضل استعداداً عندما تحدث مثل هذه العاصفة؟
الهايتيون بحاجة إلى المزيد من المال والقوة والسيطرة على حياتهم. يجب أن تكون هناك شراكات طويلة الأجل تهدف إلى بناء مؤسسات تخضع للمساءلة أمام الشعب الهايتي. يشمل ذلك تطوير البنية التحتية، بحيث يديرها الهايتيون أنفسهم وفقاً لاحتياجاتهم ومواصفاتهم، سواء فيما يتعلق بالمياه والمرافق الصحية والأمن الغذائي والحكم أو التأهب للكوارث. ويتعين أن يتم البدء في هذا العمل الآن وأن يمضي بسرعة إلى مستويات جادة، بحيث يصبح جاهزاً، ويتم اختباره، بحيث تكون الدولة مستعدة عندما تقع كوارث مستقبلية. ونظراً لموقعها في منطقة البحر الكاريبي، ومع تفاقم آثار تغير المناخ، وفي ظل هذا النظام المزعج من الأخطاء، قد يكون الاختبار التالي قريباً.
(الصورة الرئيسية: سافينير، بائع عمره 41 سنة، يقف أمام المنطقة التي كان يعيش ويعمل فيها قبل إعصار ماثيو. باهاري خوداباندي/إيرين)