في الوقت الذي تشكل فيه المساعدات الإنسانية عنصراً رئيسي في اتفاق وقف الأعمال العدائية المقرر أن يبدأ عند غروب شمس يوم الإثنين في سوريا، تقول المنظمات الإنسانية أنها ستحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات إذا ما قُدّر لها أن تجلب المساعدة إلى السوريين المحتاجين إليها.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أثناء الإعلان عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية وروسية في 9 سبتمبر، أن وقف إطلاق النار يشمل "إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق وبشكل متواصل إلى كافة المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، بما في ذلك حلب".
ولكن لأن التفاصيل كانت لا تزال قيد المناقشة قبل ساعات من الموعد المقرر لوقف القتال (لا تزال القنابل تتساقط)، فقد قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عن طريق البريد الإلكتروني: "يجب أن يسير العمل، بشكل أساسي، على نهج هذه القرارات والتعهدات حتى تتمكن المنظمات الإنسانية ... من الوصول بأمان إلى المجتمعات المحلية وتقييم احتياجاتهم والاستجابة لها بطريقة مستقلة وغير منحازة".
وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن اللجنة ترحب "بأي خطوة يمكن أن تؤدي إلى الحد من أعمال العنف على الأرض - أو إذا كانت تستطيع أن تعطي المدنيين قسطاً من الراحة التي هم في أمس الحاجة إليها، وتسمح بقدرة أكبر على إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المختلفة المتضررة بشدة من القتال".
وقد عبرت لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة مساعدات كبرى يرأسها وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد ميليباند، عن الشعور ذاته.
وعلى الرغم من أنها رحبت بالخبر، فقد قالت في بيان لها يوم السبت الماضي أن "الأفعال، وليس الأقوال، هي التي ستحدد ما إذا كان وقف إطلاق النار سيكون نقطة تحول في الحرب".
وقال ميليباند في حديث لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) صباح الإثنين أنه حصل على تأكيدات بشأن وصول المساعدات الإنسانية "من أعلى المستويات" في الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا، ولكن التقدم على الأرض سوف "يعتمد على التزام مختلف أطراف النزاع".
"إذا كانت هناك مصالح كافية تجمع بين الأميركيين والروس على المدى القصير، ستكون لدينا في المجتمع الإنساني فرصة لمحاولة إحداث فرق،" كما أضاف.
والجدير بالذكر أن التفاوض على هذه الضمانات كان صعباً في الماضي - لا يمكن تحريك القوافل من دون وعود بالوصول الآمن ومن المستحيل تنفيذ عمليات الإسقاط الجوي من دون إفساح المجال الجوي.
من جانبها، قالت متحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي لشبكة الأنباء الإنسانية عن طريق البريد الإلكتروني أن شاحنات البرنامج تحتاج إلى وقت للانتقال إلى الموقع، وتفريغ الشحنات، والخروج بأمان.
وتابعت قائلة "إن هذه عملية معقدة ومضيعة للوقت"، مشددة على تعقيد عملية إيصال المساعدات. "عندما يتم إرسال قافلة إلى منطقة محاصرة، فإنها تتطلب ست ساعات كحد أدنى ويمكن أن تستغرق 37 ساعة للحصول على التصاريح الأمنية التي تمكنها من اجتياز نقاط التفتيش. وغالباً ما نتوقف لمدة ثلاث ساعات عند كل نقطة تفتيش. إن توقف الأعمال العدائية لمدة 48 ساعة هو الحد الأدنى الذي يحتاج إليه برنامج الأغذية العالمي ووكالات أخرى حتى تتمكن من الوصول إلى بعض تلك المناطق وإيصال المساعدات إلى المتضررين من هذه الأزمة".
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يوجد الآن أكثر من 590,000 سوري يعيشون تحت الحصار (قالت مجموعات أخرى أن عددهم أقرب إلى المليون)، وفي حين قد يُسمح للمساعدات الإنسانية بدخول تلك المناطق، لا يوجد اتفاق على الوصول المستدام.
وتشير بعض التقارير إلى أن جماعات متمردة قد أعلنت أنها سوف تسمح بوصول المساعدات إلى حلب، ولكنها تصر أيضاً على وصولها إلى كافة المناطق المحاصرة الأخرى في سوريا.
سوف تكون حلب بمثابة اختبار مهم لقوة الصفقة. لم يتم الإعلان رسمياً من قبل الامم المتحدة أن المدينة محاصرة، ولكن يقال أن الإمدادات توشك على النفاد في شرق المدينة، الذي يسيطر عليه المتمردون. وفي هذا الشأن، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن لدى بلاده أكثر من 30 شاحنة مساعدات مستعدة لإيصال الإمدادات الإنسانية إلى المدينة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي السياق نفسه، قال برنامج الأغذية العالمي أن هناك شاحنات تابعة لقافلة مشتركة بين الوكالات يتم تحميلها في تركيا في الوقت الراهن.
"نحن على استعداد لمساعدة مئات الآلاف من السكان داخل شرق حلب الذين يعانون من تصاعد العنف وتضاؤل الإمدادات الغذائية والطبية. إن شاحنات برنامج الأغذية العالمي هي جزء من قافلة مشتركة بين الوكالات عبر الحدود، وسوف تنطلق من الحدود التركية وتشق طريقها إلى شرق حلب عبر طريق الكاستيلو،" كما أفاد البرنامج.
وأضاف أن القافلة المتجهة إلى حلب سوف تتضمن 40 شاحنة محملة بالمواد الغذائية.
ولم يستجب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وهو هيئة تنسيق المعونة التابعة للأمم المتحدة، لطلبات شبكة الأنباء الإنسانية للتعليق.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار لن ينطبق على ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية أو جبهة فتح الشام، وهو الاسم الجديد لجبهة النصرة منذ انفصالها رسمياً عن تنظيم القاعدة في شهر يوليو الماضي.
وقد تكون هذه نقطة خلاف رئيسية في اتفاق وقف إطلاق النار لأن القلق يساور الجماعات المتمردة التي تتوقع استخدام إقصاء جبهة النصرة كذريعة لقصف الجماعات المتمردة الأخرى، بما في ذلك الجماعات الموجودة داخل حلب وإدلب والمناطق المحيطة بهما.
من جانبه، وافق الرئيس السوري بشار الأسد على الاتفاق، ولكن آخر كلماته توحي بأن أهداف الحرب على المدى الطويل لن تتزعزع. وقد نقلت عنه وسائل الإعلام الرسمية يوم الإثنين قوله أن: "الدولة السورية مصممة على استعادة كافة المناطق [السورية] من الإرهابيين".
(الصورة الرئيسية: قافلة تحمل إمدادات إنسانية تنتظر عند آخر نقطة تفتيش قبل بلدة مضايا المحاصرة في يناير 2016. عمر/اليونيسف)
as/ag-ais/dvh