أدى إغلاق الحدود في منطقة البلقان والاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى انخفاض كبير في أعداد المهاجرين واللاجئين الوافدين إلى اليونان، ولكن عدد الوافدين إلى إيطاليا لا يزال مستمراً بمعدل مماثل لما كان عليه في العام الماضي. لكن الفرق الرئيسي هو أن عدداً أقل منهم يتمكنون من استكمال الرحلة إلى شمال أوروبا، مما يجعل نظام استقبال اللاجئين الإيطالي يرزح تحت هذا الضغط ويجبر المهاجرين على دفع الثمن.
وقد وصل أكثر من 100,000 مهاجر إلى إيطاليا عن طريق البحر حتى الآن هذا العام، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وخلال أشهر الصيف الأخيرة، وصل ما يقرب من 10,000 مهاجر على متن سفن الإنقاذ كل أسبوع.
وفي أعقاب حالة الفوضى التي سادت في ذروة "أزمة" اللاجئين في العام الماضي، كان من المفترض أن يفرض نظام النقاط الساخنة في الاتحاد الأوروبي، الذي تم إدخاله في وقت متأخر من عام 2015، بعض النظام في عملية استقبال الوافدين. فقد تم تصميمه أولاً وقبل كل شيء للتخلص بسرعة من الأشخاص الذين يُطلق عليهم وصف المهاجرين لأسباب اقتصادية، والذين يمكن ترحيلهم على الفور وفصلهم عن أولئك الذين لديهم الحق في البقاء والتقدم بطلبات الحماية الدولية.
وقد تم تصميم هذا النهج الجديد أيضاً لتسهيل إعادة توطين طالبي اللجوء من دولتي المواجهة اللتين تعانيان من ضغط يفوق طاقتيهما، وهما إيطاليا واليونان، في الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي التي وافقت على قبول 160,000 شخص على مدار عامين.
ولكن مخطط إعادة التوطين فشل فشلاً ذريعاً. فبحلول منتصف يوليو، تمت إعادة توطين حوالي 3,000 شخص فقط، من بينهم 843 تم نقلهم من إيطاليا. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إعادة العديد من أولئك الذين تم تصنيفهم على أنهم مهاجرون لأسباب اقتصادية بسهولة إلى بلدانهم الأصلية نظراً لعدم وجود اتفاقات إعادة القبول.
وبناءً على طلب من الاتحاد الأوروبي، يتم الآن أخذ بصمات جميع الوافدين الجدد، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون التقدم بطلب للحصول على حق اللجوء في بلد آخر في الاتحاد الأوروبي دون التعرض لخطر إعادتهم إلى إيطاليا بموجب لائحة دبلن.
هذا، جنباً إلى جنب مع تشديد الرقابة على الحدود التي تنفذها سويسرا وفرنسا، يعني تضاعف عدد طالبي اللجوء في نظام الاستقبال الإيطالي منذ العام الماضي إلى 140,000 شخص.
وضع "تعجيزي"
وأفاد ياشا ماكانيكو، وهو باحث إيطالي في منظمة مراقبة الحريات المدنية "Statewatch"، أن إيطاليا وُضعت في موقف "تعجيزي وغير مستدام".
وأضاف في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "كان من المفترض أن تكون إعادة التوطين مبرراً لتطبيق نظام النقاط الساخنة، لكن هذا ببساطة لم يحدث. وبغض النظر عن الجهد الذي تبذله الدولة لتوفير مرافق استقبال مناسبة، فإنه لن يكون كافياً لمواجهة أعداد المهاجرين الوافدين".
وفي إطار نهج النقاط الساخنة، من المفترض أن يتم تحديد وفرز المهاجرين في المنافذ البحرية من قبل فرق متنقلة أو في واحدة من أربعة نقاط ساخنة مخصصة لهذا الغرض: اثنان في صقلية، وواحد في لامبيدوسا، وواحد على البر الرئيسي في تارانتو.
ولكن على أرض الواقع، يتم توجيه أقل من نصف الوافدين الجدد من خلال مراكز النقاط الساخنة ويصل غالبية الوافدين إلى الموانئ التي تقع خارج إطار المناطق الساخنة. وتعكف وزارة الداخلية الإيطالية الآن، تحت ضغط من المفوضية الأوروبية، على إنشاء المزيد من الفرق المتنقلة في النقاط الساخنة، ولكن حتى يتم تنفيذ ذلك بالكامل، يؤخذ غالبية المهاجرين إلى مرافق أخرى لدراسة حالاتهم.
في السياق نفسه، قالت المتحدثة باسم المفوضية كارلوتا سامي لشبكة الأنباء الإنسانية: "نحن نعلم أنه في الوقت الحالي، يدخل 38 بالمائة على الأقل من جميع الوافدين من خلال المراكز التي تطبق إجراءات النقاط الساخنة. ويتم نقل الباقين إلى مراكز الشرطة لتحديد هوياتهم وإلى مراكز الاستقبال في الأقاليم الأخرى. وفي هذه الحالة، لا تتواجد أي وكالات [خارجية]".
وعلى الرغم من أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توفر المعلومات الأساسية لجميع المهاجرين واللاجئين القادمين إلى موانئ إيطاليا تقريباً، إلا أن الأشخاص الذين تُدرس طلباتهم في مراكز النقاط الساخنة فقط يحصلون على معلومات أكثر تعمقاً وعلى دعم من فرق العمل المتاحة داخل تلك المراكز. "هؤلاء الذين يُنقلون إلى مراكز أخرى قد تفوت عليهم فرصة الحصول على هذه المعلومات الإضافية،" كما أشارت سامي.
وأضافت قائلة: "من المهم للغاية بالنسبة للمهاجرين توفير المساعدة القانونية القوية لهم في المراكز وأيضاً في أقسام الشرطة، ولكن هذا ليس هو الحال دائماً".
رفض الدخول
وتشعر جوليا كابيتاني، مستشارة سياسة الهجرة واللجوء في منظمة أوكسفام إيطاليا، أيضاً بقلق إزاء صعوبة رصد ما يحدث للمهاجرين الذين يتم نقلهم مباشرة إلى مراكز الاستقبال في جميع أنحاء البلاد لدراسة طلباتهم.
وتخشى كابيتاني أن يؤدي ذلك إلى "أخذ بصمات الناس ورفض طلباتهم على نطاق واسع" سيكون من الصعب على جماعات الدفاع عن حقوق المهاجرين والمحامين الرد عليه.
وتجدر الإشارة إلى أن أساس هذه المخاوف هو الإصدار الواسع النطاق لإشعارات رفض الدخول (respingimento differito) الذي أعقب تنفيذ نهج النقاط الساخنة.
وتشير تقديرات منظمة أوكسفام إيطاليا إلى أن أكثر من 5,000 مهاجر من البلدان ذات معدلات الاعتراف باللجوء المنخفضة - معظمهم من مواطني شمال وغرب أفريقيا - تلقوا هذه الإشعارات، التي تمنحهم سبعة أيام للمغادرة من مطار روما بوسائلهم الخاصة، خلال الفترة من سبتمبر 2015 إلى مارس من هذا العام.
من جانبه، قال فاوستو ميلوسو، الذي يعمل لدى منظمة دعم المهاجرين الإيطالية أكري باليرمو (Arci Palermo)، أن هذا الإجراء قد أجبر آلاف المهاجرين على التواري عن الأنظار.
"لم يلجأ 90 بالمائة منهم إلى الطعن على هذه الإشعارات، وهناك الآن عدد هائل من الناس الذين يتعين عليهم الاختباء من الدولة وعمل كل ما في وسعهم من أجل البقاء على قيد الحياة،" كما أفاد. وفي صقلية، غالباً ما يعني هذا أنهم في نهاية المطاف يتعرضون للاستغلال من قبل الشبكات الإجرامية من خلال أعمال السخرة في المزارع أو في تجارة المخدرات.
إن الكفاح لممارسة الحق في تقديم طلب للحصول على الحماية الدولية ليس سوى المرحلة الأولى من عملية اللجوء المطولة بشكل لا يطاق، التي تشمل تقديم الطلبات والرفض والطعون، والتي يمكن أن تستغرق سنتين. "ويمكن أن يصاب الناس باكتئاب شديد في هذا المأزق القانوني،" كما قال ميلوسو. كما أنه جزء من السبب في اكتظاظ نظام الاستقبال الإيطالي.
الكفاح من أجل التغيير
وقد أثبت فريق العيادة القانونية بجامعة باليرمو بنجاح أن إشعارات رفض الدخول التي تم إصدارها تشوبها عيوب "كبيرة ورسمية".
وفي هذا الصدد، قالت إيلينا كونسيغليو، وهي باحثة ومحامية في الفريق: "أعطيت لبعض المهاجرين معلومات عامة جداً وغير فعالة حول الحماية الدولية. ولم يحصل البعض الآخر على أي معلومات".
موضوعات ذات صلة:
وداعاً للأحلام
وقد قوبلت حملة وطنية نظمها محامون ونشطاء للتنديد بهذا الإجراء في نهاية المطاف بإصدار مبادئ توجيهية جديدة من قبل وزارة الداخلية في شهر مايو الماضي. وتوضح هذه المبادئ التوجيهية الجديدة لسلطات الهجرة أن جميع المهاجرين، بغض النظر عن جنسياتهم، لديهم الحق في تقديم طلب الحماية الدولية والمعلومات التي توضح تلك الحقوق.
وتقول المنظمات التي تعمل مع المهاجرين ومقرها صقلية أن عدد إشعارات الرفض قد انخفض بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.
لكنها لم تختف تماماً. وقال سايمون مكمان، وهو باحث في جامعة كوفنتري وموجود في جنوب إيطاليا للتحقق من نجاح نهج النقاط الساخنة، أنه سمع من الناشطين في صقلية أن المهاجرين ما زالوا يتلقون أوامر المغادرة.
وكان مكمان قد التقى بمهاجرين هناك في أكتوبر الماضي بعد نقلهم إلى مراكز استقبال في مناطق معزولة قبل إعطائهم أوامر العودة. وأخبر شبكة الأنباء الإنسانية أنها "تُستخدم كوسيلة لإجبار الناس على الخروج من المراكز لإفساح المجال للوافدين الجدد بسبب وجود نقص حاد في المساحة".
ويرى مكمان أن هذه الممارسة مستمرة كاستجابة قصيرة المدى ولكن من المؤكد أنها سوف تخلق تحديات على المدى الطويل.
وأضاف أنه من الصعب قياس حجم المشكلة لأنه غالباً ما يكون هناك فارق زمني بين صدور الأوامر ودخولها في دائرة اهتمام منظمات الدعم: "ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الأوامر تصدر على نطاق جماعي كبير أم لا، ولكن يبدو أنه يتم إصدارها على أساس تقديري ... اعتماداً على احتياجات السلطات في ذلك الوقت".
والجدير بالذكر أن منظمة أوكسفام تعمل حالياً مع المنظمات الشريكة لتحديد عدد المهاجرين الذين تصدر لهم أوامر رفض الدخول، وهي العملية التي تخلق "مجموعة جديدة من الأشخاص الغائبين عن الأنظار"، على حد تعبيرهم.
(الصورة في الأعلى: جمال، من الصومال، وصل إلى إيطاليا في شهر مايو وتم نقله إلى مركز استقبال، حيث لم يتلق أي معلومات عن حقه في طلب اللجوء. بابلو توسكو/أوكسفام).
lh/ks/ag-ais/dvh