كل مساء في ميتيليني، عاصمة الجزيرة اليونانية ليسفوس، يتجمع عشرات الشباب العرب والأفارقة عند قاعدة تمثال صُمم، بشكل ملائم، على غرار تمثال الحرية الأمريكي. إنه موقع يطل على الميناء ويتيح إطلالة جيدة على بوابات الدخول وموقف السيارات والركاب المترجلين من سيارات الأجرة والشاحنات التي تقوم بتحميل حاويات الشحن على العبارة الكبيرة المغادرة إلى أثينا في الثامنة مساءً.
الأشخاص الذين يراقبون هذا المشهد هم طالبو لجوء، معظمهم من مركز احتجاز موريا القريب. ويشاهدون ضباط الشرطة يفحصون أوراق الصعود ويلقون نظرة داخل حاويات الشحن. وكما يعلم الجميع هنا، وخاصة الشرطة، أحياناً تكون الأوراق مزورة وأحياناً يختبئ الناس داخل الحاويات.
ويتساءل رجل عراقي بعد الالتفات لفترة وجيزة بعيداً عن شاحنة يقول أن ثمانية أشخاص اختبؤوا بداخلها: "ما رأيك؟ ربما سأحاول؟"
إنه واحد من العديد من طالبي اللجوء في الجزر اليونانية الذين فقدوا الثقة في العملية القانونية بعد أشهر من الاحتجاز إلى أجل غير مسمى ومن دون الوصول إلى أي معلومات تُذكر - نتيجة للاتفاق المثير للجدل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الذي دخل حيز التنفيذ في أواخر شهر مارس الماضي، ونجح إلى حد كبير في الحد من الرحلات البحرية التي تنطلق من تركيا، والتي كانت تُعد الطريق الرئيسي إلى أوروبا في العام الماضي.
والجدير بالذكر أن الصفقة اعتبرت تركيا بلداً آمناً يمكن إعادة المهاجرين وطالبي اللجوء إليه بعد إجراء عملية فحص عاجلة. ولكن نظراً لتعرض خدمة اللجوء اليونانية إلى ضغوط تفوق طاقتها ومعاناتها من نقص الموظفين، والخلاف حول مشروعية تصنيف تركيا على أنها بلد آمن، لا يزال أكثر من 8,600 شخص في طي النسيان على الجزر اليونانية. وينتظر كثيرون منهم في مراكز احتجاز مثل موريا، في ظروف بائسة ازدادت تدهوراً جراء حرارة الصيف. وبعد 28 يوماً، يصبحون بموجب القانون اليوناني مؤهلين للحصول على إفراج من الاحتجاز، لكنهم ما زالوا عالقين على الجزر.
السوريون أولاً
وحتى وقت قريب، كانت السلطات تدرس فقط حالات السوريين، ولكن بعد مرور أسابيع وشهور، لجأت أعداد متزايدة من غير السوريين إلى تهريب أنفسهم على متن العبارة إلى أثينا. وبناءً على محادثات مع العشرات من طالبي اللجوء في ليسفوس، يمكنهم اختيار أحد خيارين: دفع مئات اليورو لمهربين بغرض الحصول على بطاقات الصعود أو الاختباء في إحدى حاويات الشحن التي يتم تحميلها على متن العبارة.
وكل يوم تقريباً الآن، ترد أنباء عن شخص يصل إلى أثينا. "إنه الحظ. إذا كان الحظ جيداً، فإنهم يذهبون،" كما قال فايز، وهو شاب باكستاني، في إحدى الأمسيات الأخيرة بالقرب من الميناء.
يصوم فايز شهر رمضان، ولكنه لا يخطط للبقاء هذه الليلة حتى موعد الإفطار. فقد قرر هو وصديقه شكيب من أفغانستان اختبار حظهما. وإذا مرّ كل شيء على ما يرام هذه الليلة، سوف يختبئا في حاوية شحن. ويقول فايز "سوف أتناول الطعام في أثينا".
اختبأ هو وشكيب في حاويات من قبل ويعرفان ما يمكن توقعه: "لا يوجد أكسجين،" كما يقول شكيب، الذي ألقت الشرطة القبض عليه أربع مرات بالفعل من قبل.
يأمل هو وفايز في العثور على عمل في أثينا، لكنهما من الأقلية من طالبي اللجوء الذين يريدون البقاء في اليونان، التي تعاني من معدل بطالة يبلغ 24 بالمائة وتكافح للتعامل مع ما يقرب من 50,000 مهاجر ولاجئ تقطعت بهم السبل فى البر الرئيسى منذ أوائل مارس، عندما أغلقت دول البلقان حدودها التي تقع إلى الشمال. ويخطط معظم الأشخاص الذين وصلوا إلى أثينا من الجزر لمواصلة الرحلة إلى الشمال بمساعدة المهربين.
أوراق مزورة أم حاوية؟
وتجارة المهربين راجحة أيضاً في ليسفوس، فقد أفاد طالبو اللجوء الذين تحدثت إليهم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن شراء الوثائق اللازمة أمر سهل - نسخ مقلدة أو مزورة من الأوراق المقدمة إلى السوريين الذين يحصلون على إذن للذهاب إلى أثينا لإجراء مقابلات اللجوء الخاصة بهم. وفي بعض الأحيان، يُعاد استخدام نفس بطاقة الصعود، حيث تنتقل من شخص لآخر بمساعدة مهرب على متن العبارة.
وتجدر الإشارة إلى أن الاختباء في حاوية شحن مجاني، ولكنه أكثر خطورة بكثير وفرص اكتشافه كبيرة. وفي حال نجاحهم، يواجه الهاربون رحلة لمدة 12 ساعة من دون ضمانات حول موعد فتح الحاوية مرة أخرى، أو ما سيواجهونه عند فتحها.
وفي حوالي الساعة السادسة والنصف مساءً، يتوجه فايز وشكيب إلى الميناء. سوف تقوم الشاحنات بتحميل حمولتها على العبارة قريباً ويجب أن يعثروا على أمكان يختبئون بها. ينظر شكيب إلى الوراء وهو يركض، ويقول وهو يرفع يديه إلى السماء: "غداً في أثينا".
تقارير ذات صلة
مجهولون ومعرضون للاستغلال: الوافدون الجدد إلى أوروبا
اتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يحتضر، فما هي الخطة البديلة؟
اللاجئون في اليونان يأخذون الخطوات الأولى نحو الاعتماد على الذات
ليس كل شخص عالق في الجزر قادر على الاستفادة من مسارات الهروب غير المشروعة هذه، فالأوراق المزورة تتطلب توافر المال، في حين أن التسلل إلى الحاويات غالباً ما يصلح فقط للرجال العازبين القادرين بدنياً. أما بالنسبة للنساء والأطفال وكبار السن والمعاقين والمرضى، فليس هناك خيار سوى الانتظار.
لقد انتهت السلطات على الجزر تقريباً من دراسة حالات السوريين وانتقلت إلى جنسيات أخرى. ولكن وفقاً لدائرة اللجوء اليونانية، لا يزال هناك أكثر من 5,000 طلب لجوء لم يتم البت فيها. وعلى الرغم من أن العودة إلى تركيا تتم بمعدل أبطأ مما كان متوقعاً (حتى الآن، تمت إعادة حوالي 500 شخص فقط لم يسجلوا طلبات لجوء، وفقاً للمفوضية الأوروبية)، يدرك غير السوريين بشكل خاص أن فرص السماح لهم بالبقاء في اليونان ضئيلة، وينظرون إلى تهريب أنفسهم على متن عبارة على أنه محاولة الملاذ الأخير للوصول إلى أوروبا.
عاد فايز وشكيب من الميناء بعد نصف ساعة فقط. لقد حاولا الاختباء خلف الصخور الكبيرة التي تحيط بالميناء ثم الركض إلى إحدى الشاحنات، ولكن الشرطة رأتهما.
نجح ثلاثة من أصدقائهم في الدخول إلى إحدى الحاويات، ولكن في غضون ساعات قليلة كانوا يعانون من صعوبة في التنفس ويتحملون حرارة خانقة. وبعد أن فقد اثنان منهم وعيهما، اتصل الثالث بصديق في موريا طلباً للمساعدة ونبهوا خفر السواحل اليونانيين. وعندما توقفت العبارة في جزيرة خيوس القريبة، تم إنقاذهم واعادتهم إلى ليسفوس.
ns/ks/ag-ais/dvh