فخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، وصل ما يقرب من 27,000 مهاجر وطالب لجوء إلى اليونان، حسبما تشير إحصائيات الشرطة، مقابل 5,100 شخص خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وقد دخل 13,500 شخص، أي نصفهم تقريباً، في شهر أبريل فقط، حيث وصل معظمهم بواسطة قوارب المهربين التي انطلقت من تركيا باتجاه بعض من جزر بحر إيجه الكثيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن وصول قوارب المهاجرين إلى هذه الجزر ليست ظاهرة جديدة، فمنذ أن قامت اليونان بإغلاق حدودها البرية مع تركيا في عام 2012، لجأ المهاجرون إلى استخدام الطرق البحرية، ولكن في السابق كان معظمهم يصلون إلى الجزر الشمالية في بحر إيجه مثل ليسفوس وخيوس وساموس وبأعداد يمكن التحكم فيها. ويتم حالياً تسجيل الوافدين حتى في جزر بحر إيجه الأكثر تطرفاً نحو الجنوب مثل كوس.
وفي هذا الصدد، أعرب ستاتيس كيروسيس، رئيس عمليات منظمة أطباء بلا حدود في دوديكانيز – وهي مجموعة من 12 جزيرة في جنوب شرق بحر إيجه- عن مخاوفه من أن وصول المهاجرين إلى أماكن مثل كوس، الوجهة السياحية الشهيرة التي تفتقر إلى المرافق الأساسية لاستقبال المهاجرين، يُعرّض ليس فقط المهاجرين للخطر، ولكن أيضاً الجهود التي تبذلها الحكومة اليونانية لإدارة الأزمة المتنامية.
وفي الفترة بين شهري يناير وأبريل من العام الجاري، استقبلت جزر دوديكانيز 8,527 مهاجراً وطالب لجوء مقارنة بـ 1,053 شخصاً فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي. ومعظم القادمين هم من السوريين الذين يبدو أنهم يفضلون الطريق البحري من تركيا إلى اليونان باعتبار أنه أقل خطورة إلى حد ما مقارنة بالطريق البحري بين ليبيا وإيطاليا حيث لقي أكثر من 1,800 مهاجر حتفهم منذ بداية العام.
وقد فتحت السلطات المحلية في كوس، وهي إحدى أكبر جزر دوديكانيز، فندقاً قديماً يحتوي على 20 غرفة، ويجري توجيه الوافدين الجدد إلى هناك. ولكن كيروسيس أفاد أن المبنى ليس به كهرباء ولا يتم تقديم أي طعام للمهاجرين. وأضاف قائلاً: "العديد منهم، السوريون بشكل خاص، يستطيعون دفع أجرة سكنهم وغذائهم ومن ثم يفضلون المكوث في أماكن أخرى، ولكن خلال فصل الصيف عندما يصل السياح [ويصبح إيجار السكن باهظاً]، فإن هذا الخيار لن يكون قائماً وسوف يفضل الكثيرون منهم النوم في الشارع بدلاً من أن يحشروا في أحد المباني التي يمكن أن تشكل خطراً على صحتهم".
وفي جزر بحر إيجه الشمالية حيث تكون تدفقات المهاجرين هذه أكثر شيوعاً، تواجه السلطات صعوبات جمّة في التعامل مع أعداد أكبر من المعتاد. وقد استقبلت جزيرة ليسفوس 10,624 مهاجراً في الفترة من شهر يناير إلى أبريل، أي ما يقارب أربعة أضعاف مثيله في عام 2014، فيما شهدت جزيرة خيوس زيادة مماثلة مع وصول قرابة 4,000 مهاجر.
وفي السياق ذاته، قالت ناتاشا ستراهيني، وهي محامية وناشطة في خيوس، أنه على الرغم من أن جزر بحر إيجه الشمالية أكثر خبرة وأفضل تجهيزاً في التعامل مع المهاجرين الذين يصلون عن طريق القوارب، إلا أنه من المرجح أن تشكل أعداد المهاجرين القادمين هذا العام تحدياً حقيقياً. وقالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "المنظومة القائمة تعاني بالفعل وقد أوشكت على الانهيار، ونحن نتساءل بما أننا على أعتاب فصل الصيف، كيف سيكون الوضع".
وفي ليسفوس، غالباً ما يتم احتجاز الوافدين الجدد في منطقة مفتوحة في الميناء حتى يتوفر مكان في مركز الاحتجاز، وهو وضع تصفه ستراهيني بأنه "فوضوي ومخزي".
وأشارت ستراهيني إلى أن مركز الاحتجاز المحلي في خيوس، الذي يستخدم لاستيعاب الوافدين الجدد حتى يتم تسجيلهم وتزويدهم بالوثائق اللازمة، ممتلئ بالفعل ويتعين على البلدية إنشاء مخيم مؤقت من الخيام.
من جانبه، قال كيرويسيس أنه يتم تجاهل الفرص المتاحة لتحسين ظروف الاستقبال في الجزر: "هناك مباني ومواقع قديمة يمكن أن تُجهز بموارد محدودة، ولكن الحكومة تقول دائماً أنها تفتقر حتى إلى الحد الأدنى من الموارد اللازمة لتلك الأغراض".
والجدير بالذكر أن حزب سيريزا اليساري قد وصل إلى السلطة في شهر يناير واعداً بانتهاج سياسة أكثر ترحيباً بالمهاجرين وطالبي اللجوء عن الحكومة السابقة التي عملت على ردع المهاجرين عبر إدخال ضوابط حدودية صارمة، بما في ذلك، حسبما زعم البعض، ردّ قوارب المهاجرين القادمين من تركيا، واحتجاز الأشخاص الذين يُعثر عليهم في الدولة بدون وثائق، لفترات طويلة. بيد أن الحكومة الجديدة كانت بطيئة في الاستجابة للزيادة في عدد القادمين إلى الجزر. وعلى الرغم من أنها استحدثت وزارة جديدة للهجرة بغية المضي قدماً في إصلاح سياسة الهجرة مع وعود بالحد من احتجاز المهاجرين، إلا أنها تفتقر على ما يبدو للقدرات الإدارية والمالية لإدارة التدفق الحالي.
انظر: اللاجئون...الفائزون الحقيقيون في انتخابات اليونان
كما أنها تواجه مشكلات مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية الجزرية التي تنظر إلى وصول أعداد كبيرة من المهاجرين كتهديد للسياحة التي تحافظ على اقتصادات الجزر. وتعج المواقع الإخبارية المحلية بشكاوى حول نوم المهاجرين في الشوارع إلى جانب صورهم وهم يجففون ملابسهم في العراء والسياح الأوروبيون يسيرون إلى جوارهم.
وأشار جورج تساربوبولوس، رئيس مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليونان إلى أن معظم الوافدين الجدد هذا العام هم من السوريين، في حين أن عدد السوريين الذين يصلون إلى إيطاليا قد انخفض بشكل حاد خلال الأشهر القليلة الماضية. ويبدو أن اليونان قد أضحت الآن نقطة الدخول الرئيسية للاجئين السوريين إلى أوروبا.
وأوضح أن الوافدين الجدد إلى الجزر قضوا بضعة أيام في مراكز الشرطة لتحديد وضعهم القانوني وبعد ذلك تم إصدار أوراق ثبوتية لهم ثم أطلق سراحهم.
وفي حين يتم منح السوريين الذين توجد لديهم وثائق سارية مثل جوازات السفر أو شهادات الميلاد أوراق إقامة لمدة ستة أشهر، يتم تسليم المهاجرين غير الشرعيين إشعارات طرد إداري تمهلهم شهراً لمغادرة البلاد.
وعلى الرغم من أن أغلبية المهاجرين واللاجئين ينتقلون بسرعة من الجزر إلى البر الرئيسي ومنه يتوجهون إلى أثينا، إلا أن عدم وجود تجمعات كبيرة من المهاجرين في العاصمة يدل على أنهم لا يمكثون فيهاً طويلاً.
وعن هذا الوضع، قال أحمد قشاني، وهو مقيم سوري في أحد الفنادق الرخيصة في وسط العاصمة أثينا: "الناس الذين يأتون إلى هنا لا يريدون البقاء في اليونان، والكثيرون منهم يتجهون نحو الشمال".
ويعني التوجه نحو الشمال أنهم يحاولون أن يسلكوا طريق البلقان الغربي عن طريق مقدونيا وصربيا، ثم إلى المجر ومن ثم إلى شمال أوروبا. ويقوم أولئك الذين يتوفر لديهم المزيد من الأموال بدفع بعض النقود للحصول على وثائق مزورة، مما يجعل الرحلة إلى أوروبا الشمالية أقل خطورة ومشَقّة.
وقد ذكرت فرونتكس، الوكالة المسؤولة عن مراقبة الحدود في الاتحاد الأوروبي، أن هناك عدداً قليلاً جداً من الذين يختارون التقدم بطلب لجوء في اليونان. وقد بلغ عدد الذين تقدموا بطلبات إلى اليونان في العام الماضي 9,432 شخصاً فقط مقارنة بقرابة 160,000 مهاجر تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا، و75,000 في السويد و63,000 في إيطاليا. ووفقاً للائحة دبلن-التي توضح الدولة العضو المسؤولة عن النظر في طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي- يجب على ملتمسي اللجوء أن يتقدموا بطلب اللجوء في البلد الأول الذي تم تسجيلهم فيه وإلا فإنهم يواجهون مخاطر إعادتهم إلى هذا البلد. ولكن عمليات الإعادة إلى اليونان قد أصبحت شبه معلقة منذ 2011 عندما وجدت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي أن ظروف الاحتجاز هناك غير ملائمة.
af/ks-kab/dvh