قبلت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أول نسخة شبه اصطناعية من الأرتيميسينين، وهو العنصر الأساسي في علاج الملاريا على الصعيد العالمي، لاستخدامها في صنع الأدوية، مما يعزز الآمال بأن يحصل المزيد من الناس على الأدوية المنقذة للحياة.
ونظراً لإصابة ما يقدر بنحو 219 مليون شخص بالملاريا وحدوث 660,000 حالة وفاة بسببها سنوياً - معظمهم من الأطفال دون سن الخامسة - يعتبر هذا المرض من أسوأ الأمراض المميتة في العالم.
وحتى الآن، كان الأرتيميسينين، وهو العنصر الرئيسي في الخط الأول من علاج الملاريا الذي توصى به منظمة الصحة العالمية والمسمى بالعلاج المركب المكون أساساً من مادة الأرتيميسينين (ACT)، متاحاً فقط عن طريق الاستخلاص من شجرة الشيح الحلو، التي تنمو بشكل رئيسي في قارة آسيا. مع ذلك، فإن العوامل المناخية تجعل الكميات المعروضة منه متفاوتة على مر السنين.
"وفي الأحوال الطبيعية، يستخلص الأرتيميسينين من نبات يتأثر بالعوامل الموسمية. أما الآن، فلدينا مصدر من صنع الإنسان يضمن توافر إمدادات ثابتة من العقار،" كما أشار أنتوني فيك، مسؤول تنسيق المكونات الصيدلانية النشطة في برنامج تأهيل الأدوية التابع لمنظمة الصحة العالمية، خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
وقد تمكن العلماء في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا، بتمويل من مؤسسة بيل وميليندا غيتس، من استخدام الهندسة الوراثية لصنع سلالة من خميرة الخباز وإنتاج كميات كبيرة من مادة الأرتيميسينين شبه الاصطناعية.
وقد أعلنت شركة الأدوية الفرنسية، سانوفي، التي تتولى تصنيع الأرتيميسينين شبه الاصطناعي، مؤخراً أنها تعتزم "إنتاج 35 طناً من مادة الأرتيميسينين في عام 2013، وما بين 50 و60 طناً سنوياً في المتوسط بحلول عام 2014، وهو ما يعادل ما بين 80 و150 مليون جرعة من العلاج المركب المكون أساساً من مادة الأرتيميسينين".
وتقول الوكالات العاملة في مجال مكافحة الملاريا أنها تتوقع نجاحاً باهراً للمنتج الجديد.
وأفاد سكوت فيلر، كبير المستشارين التقنيين في مجال مكافحة الملاريا بالصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والملاريا والسل، في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)عبر البريد الإلكتروني أن "إنتاج مادة الأرتيميسينين شبه الاصطناعية سوف يساعد على تأمين جزء من إمدادات العالم والحفاظ على تكلفة هذه المواد الخام عند مستويات مقبولة لسلطات الصحة العامة في جميع أنحاء العالم، وسيكون مفيداً للمرضى في نهاية المطاف ... إن امتلاك مصادر متعددة من مادة الأرتيميسينين عالية الجودة سيعزز سلسلة توريد الأرتيميسينين، ويسهم في جعل سعره أكثر استقراراً، وفي نهاية المطاف، سيضمن توافر العلاج بكميات أكبر للأشخاص الذين يعانون من الملاريا".
وذكر مارتن دي سميت، الذي يرأس مجموعة العمل المختصة بمكافحة الملاريا في منظمة أطباء بلا حدود، أن عدم التيقن من توافر الأرتيميسينين الطبيعي قد أدى إلى شرائه بكميات كبيرة والمضاربة في السوق، مما أدى بدوره إلى التفاوت الشديد في سعر المنتج الخام على مر السنين - من 400 دولار إلى 1,000 دولار للكيلوغرام الواحد.
وأشار إلى أن هذا التطور الجديد سيحقق مكاسب أكبر من العلاج المركب المكون أساساً من مادة الأرتيميسينين: "كما أنه يفتح الأبواب أمام الآخرين لاستخدامات أخرى للأرتيميسينين غير العلاج المركب كحقن الأرتيميسينين لعلاج حالات الملاريا الشديدة".
ليس بديلاً
وأكد دي سميت على أهمية استمرار توريد النسخة الطبيعية من الأرتيميسينين جنباً إلى جنب مع إنتاج النسخة شبه الاصطناعية.
وأضاف قائلاً: "إننا نأمل ألا تكون الرسالة المبعوثة هي أن الأرتيميسينين شبه الاصطناعي سوف يحل محل المنتجات الطبيعية، لأن هذا من شأنه أن يثبط همة المزارعين، الذين قد يتوقفون عن إنتاج محاصيلهم. ينبغي أن يكون مكملاً وأن يحصل على حصة متزايدة من السوق. ونأمل أن نرى سعر الأرتيميسينين شبه الاصطناعي مطابقاً لأقل الأسعار المتاحة للمنتج الطبيعي".
ويؤكد فيك من منظمة الصحة العالمية ودي سميت من منظمة أطباء بلا حدود أنه لا داعي للقلق بشأن اختلاف مستويات الفعالية أو السلامة لأن الأدوية المصنعة مع كلا النوعين من الأرتيميسينين تحتوي على نفس العنصر الكيميائي النشط.
وأوضح دي سميت أنه "لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به" وأن "على شركات الأدوية تصنيع المنتجات النهائية التي سوف تنتج على أساس الأرتيميسينين شبه الاصطناعي، ومن ثم تأهيل تلك المنتجات من قبل منظمة الصحة العالمية - وهي عملية بيروقراطية ولكنها تضمن أن هذه العقاقير ستكون آمنة وفعالة".
وأضاف قائلاً: "لا نتوقع أن نرى تغييراً بين عشية وضحاها، بل نريد زيادة تدريجية في حصة السوق لصالح الشركات التي تصنع الأدوية باستخدام الأرتيميسينين شبه الاصطناعي - حتى لو حصلت على 10 بالمائة في البداية و20 بالمائة في نهاية المطاف. سوف يساعد هذا على تخفيف التكهنات بشأن توفر المنتج ويؤدي إلى استقرار الأسعار".
kr/cb-ais/dvh