في حال مضى الرئيس دونالد ترامب قدماً في تنفيذ مقترحاته الخاصة بالميزانية، فسوف تواجه البلدان النامية صعوبات أكثر من أي وقت مضى في برامج الطاقة النظيفة.
فالابتكار في الطاقة النظيفة هو أحد الضحايا الرئيسيين في اقتراح الميزانية التفصيلية لعام 2018 للرئيس ترامب الذي صدر الثلاثاء. يذكر أن شبكات البحوث الأمريكية هي التي تقود الابتكارات ذات المحتوى الكربوني المنخفض التي يستفيد منها العديد من الدول النامية. ويشمل تقليص الميزانية أيضاً خفضاً حاداً للمساعدات الدولية، فضلاً عن وقف الإنفاق على برامج التكيف مع تغير المناخ.
ومن المؤكد أن ممثلي الكونجرس سوف يردون بقوة على العديد من مقترحات ترامب، ومن ثم فإن هذه الوثيقة لا تمثل النتيجة النهائية للمفاوضات المتعلقة بالميزانية. مع ذلك، فإن الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون قد يوافق، في نهاية المطاف، على إجراء تقليصات كبيرة على البرامج المتعلقة بالمناخ، التي يستهدفها ترامب منذ فترة طويلة.
'غير علمية'
النص يعتبر "استمراراً للفلسفة غير العلمية لهذه الإدارة"، وفقاً لراشيل كليتوس، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في اتحاد العلماء المهتمين، وهو عبارة عن منظمة مستقلة معنية بمناصرة القضايا العلمية.
وهكذا، يمكن أن تؤدي هذه الفلسفة إلى عرقلة جهود الدول النامية الرامية إلى الحد من الانبعاثات عن طريق التحول إلى الطاقة النظيفة، ذلك أن مشاريع الأعمال الحرة في الدول الأفريقية، على سبيل المثال، تعتمد اعتماداً كبيراً على نتائج البحث والتطوير في الولايات المتحدة. وعندما يتم تنفيذ هذه التخفيضات، ستجبر بعض من هذه المشاريع على تقليص أعمالها فيما ستضطر أخرى إلى إنهاء أعمالها تماماً.
وتعليقاً على هذه التخفيضات، قال روب برادلي، مدير المعارف والبحوث في شراكة المساهمات المحددة وطنياً فيما يتعلق بالعمل المناخي المعروفة باسم (NDC Partnership): "سيكون لسعي الولايات المتحدة تقليص انخراطها في البحث والابتكار في التكنولوجيا النظيفة ه تأثير سلبي على العديد من الاقتصادات النامية".
وتهدف مبادرة برادلي، التي انطلقت العام الماضي خلال محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في مراكش في المغرب إلى ربط البلدان المتقدمة بالنامية وتقاسم المعارف العلمية بشأن خفض الانبعاثات للوفاء بالأهداف العالمية المتعلقة بمكافحة تغير المناخ. والمساهمات المحددة وطنياً هي التعهدات التي طرحتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ بموجب اتفاق باريس في ديسمبر 2015.
وعلى الرغم من أن لكل دولة مجموعة خاصة بها من الأهداف المتعلقة بالتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، إلا أن إنجازات دول العالم النامي لا تزال تعتمد على التمويل والبحوث من الدول الأكثر ثراء. على سبيل المثال، رغم أن التخفيض الكبير الذي حدث في تكاليف الطاقة الشمسية (ظهر أرخص شكل من الطاقة الجديدة لأول مرة في العام الماضي) يعود في جزء منه إلى الإنتاج الضخم، إلا أن البحوث قد لعبت دوراً رئيسياً في العملية أيضاً.
وفي هذا الصدد، أوضح برادلي أن "الولايات المتحدة، بفضل مختبراتها الوطنية – مراكز البحوث الرائدة التي يصل عددها إلى 17 مركزاً تعمل تحت إشراف وزارة الطاقة – تتمتع حقاً بسجل متميز في الابتكار ... وإذا ما أقدمت فعلاً على تقليص أنشطتها بشكل كبير، فإنها ستكون بالتأكيد خسارة من الصعب تعويضها في أماكن أخرى".
مع ذلك، يرى برادلي أنه من المرجح أن يتواصل نمو الاستثمار في الطاقة النظيفة على الصعيد العالمي رغم التخفيضات المقترحة في الولايات المتحدة، في ظل اغتنام القوى الناشئة مثل الصين والهند، الفرصة لتصبح دولاً رائدة عالمياً في مكافحة تغير المناخ. ولكنه مقتنع بأن الفجوة التي تخلفها الولايات المتحدة في بحوث التكنولوجيا النظيفة ستترك أثراً يمتد لفترة طويلة في صناعة الطاقة العالمية.
وتتبنى كليتوس آراء مشابهة، حيث تقول: "الأمر المحزن حقاً هو أن هذا المبلغ ليس كبيراً - إنه في الواقع مبلغ صغير جداً من المال – مع ذلك فهو مهم جداً لمساعدة البلدان النامية في الوصول إلى مسار منخفض الكربون، ومساعدتها في التكيف مع آثار تغير المناخ".
التخفيضات
ويقترح ترامب إجراء تخفيضات على البرامج البحثية في وزارة الطاقة تصل نسبتها إلى 18 بالمائة مقارنة بالعام الماضي – نتيجة خفض 1.6 مليار دولار من الميزانية العامة و1.4 مليار إضافي يتم تحويلها من بحوث الطاقة العامة إلى تكنولوجيا الأسلحة النووية. وضمن اختصاصاتها البحثية الواسعة، تعمل البرامج التي تواجه تخفيضات أيضاً على التوصل إلى ابتكارات لإنتاج الطاقة غير المرتبطة بالشبكات وتخزين الطاقة، وهي مجالات تقدم حلولاً رئيسية للاقتصادات الناشئة التي تكافح للحصول على الطاقة.
ومن المتوقع أن تتوقف الأفكار ذات الفوائد القوية لدول العالم النامي مثل البطاريات المُحسّنة أو طاقة الرياح الرخيصة إذا ما سمح الكونجرس بتمرير القانون المقترح الذي يهدف إلى إلغاء وكالة المشاريع البحثية المتقدمة في الطاقة (ARPA-E). وتتولى الوكالة، التي تتمتع تقليدياً بدعم من الحزبين، بدء مشاريع تكنولوجية ذات "مخاطر مرتفعة، وعوائد عالية" من تلك التي يمتنع القطاع الخاص عادة عن تنفيذها. وسيوفر وقف هذه الوكالة لدافعي الضرائب الأمريكيين 316 مليون دولار فقط، وهو مبلغ زهيد من الـ1.4 مليار دولار التي سيتم إضافتها إلى ميزانية الإدارة الوطنية للأمن النووي.
من ناحية أخرى، ترى إميلي فريتز، مديرة تطوير الأعمال في شركة باورهاوس، التي تركز على إطلاق شركات الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم وتطويرها، أن "الفكرة التي تكمن وراء [نموذج وكالة المشاريع البحثية المتقدمة في الطاقة] هي أن تقلل الحكومة من المخاطر المالية المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة".
وتضيف أنه عندئذ فقط يمكن للقطاع الخاص أن "يتوسع" في هذه المشروعات: "في الواقع، هذا أفضل مثال على الشراكة الناجحة بين القطاع العام-الخاص".
إلغاء: الصندوق الأخضر للمناخ والمبادرة العالمية المعنية بتغير المناخ
وزارة الخارجية/ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية/ وزارة الخزانة
تفي الميزانية بتعهد الرئيس للتوقف عن مدفوعات لبرامج الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ من خلال اقتراح إلغاء التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة في عام 2018 إلى الصندوق الأخضر للمناخ وصندوقي الاستثمار في المناخ، وهما صندوق التكنولوجيا النظيفة والصندوق الاستراتيجي للمناخ. وبغية التركيز بشكل أفضل على الأهداف الاستراتيجية ذات الأولوية وضمان مساهمة الولايات المتحدة بالقسط المناسب في الإنفاق الدولي، تقترح الميزانية أيضاً إلغاء المبادرة العالمية المعنية بتغير المناخ، وعدم تقديم تمويل للأنشطة الثنائية لوزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع الدول الشريكة لمواجهة تغير المناخ مباشرة.
ومن بين البنود المستهدفة بالتخفيض أيضاً تمويل معونات تغير المناخ والتأهب له، وذلك في ظل اقتراح إلغاء المساهمة في الصندوق الأخضر للمناخ والمبادرة العالمية لتغير المناخ، ذلك أن المبادرة، وهي عبارة شراكة بين وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، هي جزء من تعهد حملة ترامب لوضع "أمريكا أولاً". ويصل إجمالي الاستثمارات في إجراءات مكافحة تغير المناخ، المستهدفة بالإلغاء، إلى 1,590 مليار دولار.
ومن خلال البرنامج المعني بالمناخ، تعالج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التقلبات المناخية الشديدة، مثل حالات الجفاف والفيضانات، فضلاً عن تحمض المحيطات، وارتفاع مستوى سطح البحر، والتغييرات الأخرى التي تظهر ببطء وتؤثر على حياة الناس.
وفي حال موافقة الكونجرس على ميزانية من شأنها تقويض الجهود العلمية، ترى كليتوس أنه "سيكون لذلك أثر كبير على العمل الذي تقوم به الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية في العالم النامي، بدءاً من بناء القدرات إلى نقل التكنولوجيا، وأكثر من ذلك".
وشددت على أهمية إدماج خطط العمل الخاصة بالتكيف في برامج التنمية في البلدان التي تعاني أصلاً من الآثار المترتبة على تغير المناخ.
وختاماً، قالت كليتوس: "من يرى ما يتكشف في أفريقيا حالياً فيما يتعلق بالجفاف ونقص الأغذية، يمكنه أن يدرك كيف تترابط كل هذه الأمور معاً...أعتقد أن إدارة ترامب سترتكب خطأ كبيراً إذا اعتقدت أنه يمكنها فصل المناخ عن كل ذلك، وأنه يمكنها المضي قدماً في جميع الأعمال الأخرى المتعلقة بالصحة والتنمية دون عوائق".
ldb/jf/ag-kab/dvh
(الصورة الرئيسية: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تجمع انتخابي في عام 2015. الصورة: مايكل فادن/فليكر)