1. الرئيسية
  2. Europe

لا سبيل للخروج: كفاح السوريين للبحث عن طريق للخروج

القيود المفروضة على الحدود تضيق الخيارات

J. Kohler/UNHCR
Hundreds of refugees come across the border from Syria into Jordan in June 2014

على مدار السنوات الخمس الماضية، فر ما يقرب من 4.8 مليون سوري من الصراع في بلادهم عن طريق عبور الحدود إلى الأردن ولبنان وتركيا. وبينما تتواصل الحرب، تقوم الدول المجاورة بإغلاق حدودها. وبعد اضطرارهم لمغادرة ديارهم بسبب القصف الجوي والقتال على جبهات متعددة، لا تجد الغالبية العظمى من طالبي اللجوء السوريين الآن سبيلاً قانونياً للفرار.

وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، توصل قادة الاتحاد الأوروبي بشق الأنفس إلى اتفاق مع تركيا يهدف إلى إنهاء أزمة الهجرة التي تتصاعد منذ العام الماضي، والتي شهدت في الأسابيع الأخيرة معضلة عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في اليونان. لكن هذا الاتفاق يغض الطرف عن حقيقة أن أعداداً أكبر من طالبي اللجوء لا زالوا عالقين في سوريا، وغير قادرين على الوصول إلى بر الأمان.

وتجدر الإشارة إلى أن السوريين الذين يأملون في التقدم بطلبات للحصول على حق اللجوء في أوروبا ينبغي عليهم أولاً الوصول بأنفسهم إلى هناك. وقد أغلقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سفاراتها في سوريا في بداية الصراع، وحتى سفاراتها وقنصلياتها في الدول المجاورة تتردد في البت في طلبات التأشيرة واللجوء.

عندما اندلعت الحرب في سوريا في مارس 2011، كان من السهل نسبياً على معظم اللاجئين مغادرة البلاد في البداية. وتدفق عشرات الآلاف من الذين لم يتيسر لهم السفر جواً في موجات عبر الحدود البرية إلى الأردن ولبنان وتركيا. ولكن تم فرض قيود على تلك الطرق الواحد تلو الآخر، أو إغلاقها تماماً.

أغلق الأردن حدوده أمام الغالبية العظمى من السوريين في سبتمبر عام 2014، ولكن لا يزال الكثيرون منهم يصلون إلى هناك. وقد ازدادت أعداد السوريين الذين تقطعت بهم السبل عند نقاط العبور بالقرب من الرقبان والحدلات بشكل مطرد منذ شهر يناير الماضي ووصلت الآن إلى أكثر من 37,000.

Map of Syria and borders
Edgar Mwakaba/IRIN

وكان لبنان محطة تحظى بشعبية، وكان من السهل دائماً عبور الحدود اللبنانية، ومن هناك، كان اللاجئون السوريون الذين يملكون المال يستطيعون إما السفر بالطائرات أو السعي إلى الوصول بالقوارب إلى تركيا – التي يُنظر إليها على أنها أفضل بوابة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا نظراً لقربها من اليونان وحقيقة أنهم لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول للوصول إلى هناك.

لكن لبنان أنهى سياسة الباب المفتوح التي كان يتبعها مع السوريين في يناير 2015 عندما فرض لوائح تنظيمية جديدة تتطلب منهم تقديم طلبات للحصول على تأشيرات يصعب الحصول عليها أو تحديد كفيل لبناني قبل السماح لهم بالدخول. ثم في يناير 2016، بدأت الحكومة التركية تطلب من السوريين القادمين عن طريق البر أو البحر الحصول على تأشيرة دخول، مما يعني فعلياً استبعاد لبنان كطريق للوصول إلى أوروبا.

وتعتبر الخيارات الأخرى كئيبة؛ فالحدود مع إسرائيل يحكمها وجود عسكري وتحرسها الأمم المتحدة وتؤدي إلى مرتفعات الجولان المتنازع عليها، وبالتالي، لا يمكن لطالبي اللجوء تخطيها. وقد شهد العراق، لاسيما منطقة كردستان شبه المستقلة، تدفق اللاجئين السوريين في عام 2013. أما الآن، فإن الإقليم يغلق حدوده معظم الوقت أمام طالبي اللجوء. كما أغلقت مصر، التي تعتبر طريق الخروج الجوي الرئيسي الآخر، أبوابها أمام السوريين غير الحاصلين على تأشيرات في يوليو 2013.

ونظراً لوضع لافتات "ممنوع الدخول" في مناطق أخرى، أصبح الخيار البري المحفوف بالمخاطر عبر الحدود السورية الشمالية مع تركيا يحظى بشعبية متزايدة.

لكن تركيا، التي ظلت لفترة طويلة البلد المضيف الأكثر سخاءً من حيث قبول أعداد هائلة من السوريين، أغلقت أخر نقطتين لعبور الحدود الرسمية أمام جميع طالبي اللجوء تقريباً في مارس 2015. وفي الأشهر الأخيرة، فرضت مزيداً من القيود على الحدود تستهدف ليس فقط تضييق الخناق على مهربي البضائع والأشخاص، ولكن أيضاً منع المقاتلين الأكراد والمسلحين من ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية من عبور حدودها مع سوريا.

والآن، أصبحت مسارات الخروج الوحيدة المتبقية - بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون تحمل نفقاتها - تشمل المعابر البرية غير الشرعية الصعبة والخطيرة التي تؤدي إلى تركيا، عادة بمساعدة مهربي البشر.

تحمل الصعاب

بعد تدمير منزلهم جراء القصف، دفع أحمد، وهو سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 26 عاماً من مدينة حلب، وزوجته أماني للمهربين 650 دولاراً نظير محاولتين لنقلهما وطفليهما من حلب إلى تركيا باستخدام إحدى هذه الطرق، بالالتفاف حول الطرف الشمالي الشرقي لمحافظة اللاذقية السورية قبل عبور الحدود بشكل غير قانوني إلى بلدة يايلاداغي الحدودية التركية.

وقال أحمد في حديث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن لم نفكر أبداً في ترك حلب، لكن عندما بدأ الهجوم الذي شنه النظام وروسيا يتصاعد، أدركنا أن البقاء يعني ببساطة ... الموت".

لم يستغرق التخلص من ما تبقى من ممتلكاتهم وقتاً طويلاً. واستخدموا الأموال التي أرسلتها أم أماني، التي تعمل كعاملة نظافة في مدينة غازي عنتاب التركية، لدفع 400 دولار لأحد المهربين، ثم سافروا بالحافلة إلى مخيم غير رسمي في اللاذقية. وانتظروا هناك حتى حلول الظلام ثم انطلقوا سيراً على الأقدام عبر الغابات والتضاريس الجبلية التي يفضلها المهربون بسبب التغطية التي توفرها من قوات حرس الحدود التركية.

"كان طفلاي خائفين جداً بسبب إطلاق النار على مقربة منّا، وفقدا حذائيهما في الوحل، وتخليت عن كل حقائبي وساعدتهم على مواجهة الطريق الشاق،" كما تذكر أحمد.

نجحوا في الوصول إلى غوفيتشي، وهي قرية حدودية صغيرة داخل تركيا - قبل أن تطوقهم الشرطة التركية وتقتادهم إلى قاعدة عسكرية مع مئات السوريين الآخرين. تم وضع النساء والأطفال في غرفة، والرجال في غرفة أخرى. ولم يكن لديهم "طعام ولا ماء ولا حتى بطانية للتدفئة"، كما أفاد أحمد.

"كان هناك رجل ينزف بعد إصابته برصاص الشرطة ولم يساعده أحد،" كما أضاف الشاب السوري.

وفي صباح اليوم التالي، على الرغم من كل ما مروا به، أُعيدوا إلى سوريا.

Eleonora Vio/IRIN
Ahmad and Amani with their two children and Amani's mother, Umm Abdu, at her home in Gaziantep

رفضت الأسرة الاستسلام، وفي المرة الثانية، دفعوا للمهربين مبلغاً أقل بكثير، 250 دولاراً، ولكن الأمور لم تسر بسلاسة. ووصف أحمد التجربة برمتها بأنها "مثل أحد أفلام الحركة والاثارة".

تم تقسيم المجموعة الكبيرة التي انضموا إليها إلى مجموعتين قبل بدء السير. تعرضت إحدى المجموعتين لإطلاق النار واعترضتها الشرطة التركية، ولكن المجموعة التي كانت تضم أحمد وأماني وصلت إلى غوفيتشي، حيث تم تسليمهم لمهرب تركي واقتيدوا إلى يايلاداغي، ثم هاتاي، وأخيراً إلى غازي عنتاب، حيث تم جمع شملهم مع والدة أماني.

حملة أمنية تركية

وتحذر منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، من عدم وجود طرق قانونية للخروج من سوريا منذ عدة أشهر.

"لقد أغلق الأردن ولبنان وتركيا حدودهم مع سوريا، ولم يتركوا للمدنيين الذين يمكنهم دفع المال أي خيار سوى استخدام المهربين للفرار، وأجبروا أولئك الذين لا يستطيعون البقاء في أماكنهم على المخاطرة بحياتهم تحت سماء معادية على نحو متزايد، بما في ذلك المناطق الحدودية الخطيرة للغاية قرب تركيا،" كما ذكر جيري سيمبسون، أحد كبار الباحثين في شؤون اللاجئين لدى منظمة هيومن رايتس ووتش في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

من جانبه، أشار أغا سيشكين، المحلل في مؤسسة IHS البحثية، إلى التقارير الواردة عن سماح الحكومة التركية لحرس الحدود بإطلاق النار على الأشخاص الذين يحاولون عبور الحدود في شهر مارس الماضي.

وأضاف أن "منطق الحكومة في هذا الشأن واضح جداً، إنهم لا يريدون السماح للمقاتلين الأكراد بالتحرك ذهاباً وإياباً في سياق التمرد داخل تركيا". وأكد أن الحملة الأمنية، التي تضم الخنادق والأسوار على طول أجزاء من الحدود، جعلت عمل المهربين أخطر بكثير. ونتيجة لذلك، فقد بدؤوا يطالبون بأجور أعلى من التي يستطيع العديد من السوريين تحملها.

وفي إشارة إلى أن تجارة التهريب عبر الحدود قد انخفضت بشكل كبير منذ أواخر عام 2015، قال سيشكين لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يمكنك العبور، لكن بتكلفة باهظة، وهو أمر بالغ الخطورة".

وفي الشهر الماضي، ذكرت منظمة العفو الدولية أن المستشفيات السورية في أعزاز، وهي بلدة حدودية في شمال غرب مدينة حلب، تعالج في المتوسط ​​شخصين يومياً من إصابات بأعيرة نارية أثناء محاولة عبور الحدود إلى تركيا. وفي إحدى تلك الحالات، أُصيب طفل يبلغ من العمر 10 أعوام برصاصة في رأسه.

وفي هذا الشأن، قال متين جوراباتير، رئيس مركز بحوث اللجوء والهجرة، وهي مؤسسة بحثية تركية: "نسمع جميعاً تقارير عن حوادث إطلاق النار [على الحدود]. وقد أوضح المسؤولون أنها اشتباكات بين قوات الأمن والمهربين، ولكن المهم هو أنه في الحقيقة لا توجد آلية للتحقق من الوضع. لا تملك الأمم المتحدة أي وجود في المنطقة الحدودية".

ولم تستجب الحكومة التركية لطلبات شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) للتعليق على هذا الأمر، ولكن السياسة الرسمية التركية هي أن حدودها لا تزال مفتوحة أمام الفارين من العنف في سوريا. وفي أوائل فبراير، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، "إذا وصلوا على أعتابنا ولم يكن لديهم خيار آخر، وإذا لزم الأمر، فإننا سوف نسمح لإخواننا بالدخول".

ولكن في الممارسة العملية، سمحت تركيا فقط بدخول عدد لا يكاد يتجاوز 85,000 نازح سوري خلال شهر فبراير، قبل التوصل إلى اتفاق "وقف الأعمال العدائية" الهش. وحدث أكبر نزوح في محافظة حلب، حيث أجبرت الضربات الجوية الروسية وتقدم القوات البرية الموالية للنظام عشرات الآلاف من السكان على الفرار إلى الحدود التركية. ويقيم الآن ما يقرب من 70,000 شخص في ثمانية مخيمات في منطقة أعزاز، بالقرب من معبر باب السلامة.

وقالت تركيا أنها سمحت لـ10,000 منهم بالعبور، لكن منظمة العفو الدولية فندت هذا الادعاء، وقالت مصادر المنظمات غير الحكومية العاملة على الحدود لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه قد تم السماح بدخول الحالات الطبية الحرجة.

وفي السياق نفسه، قال شرفان ايبش من المنظمة غير الحكومية السورية بهار، التي تنشط بالقرب من الحدود: "جاء غالبيتهم إلى الحدود لأنها آمنة وهم يأملون في العبور إلى تركيا. وكان غالبية السكان في شمال حلب لديهم العديد من الأقارب الذين عبروا الحدود إلى تركيا بالفعل، وبالتالي فقد تصوروا أنهم إذا عبروا الحدود، فإنهم سيتمكنون من [لم شملهم] مع أقاربهم. ولكن للأسف هذا لم يحدث".

نزوح طويل الأجل

وقد أصبحت الأوضاع في المخيمات، التي تضاعف عدد سكانها خلال شهر فبراير، مكتظة الآن، حيث تتقاسم كل ثلاث أو أربع عائلات نفس الخيمة في طقس قارس ومن دون مرافق طبية كافية.

وفي حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال فيليب لوزينسكي، الذي يتولى إدارة استجابة المجلس النرويجي للاجئين في شمال غرب سوريا: "نعتقد أن لدى الناس الحق في طلب اللجوء والسلامة، ولكننا نرى أنه لا يُسمح لهم بالدخول إلى تركيا. نحن الآن نستعد لتوفير الخدمات الضرورية في هذه المخيمات لأنه يبدو أنه لن يكون هناك أي حل على المدى القصير".

وفي مطلع شهر فبراير الماضي، فتحت تركيا مؤقتاً حدودها قرب يايلاداغي للسماح للتركمان بالفرار من توغل النظام السوري في اللاذقية، وعبر الحدود أكثر من 7,000 شخص قبل إغلاقها مرة أخرى.

"إذا لم تكن تركمانياً ولا مصاباً بجروح بالغة، فإن فرصتك الوحيدة لمغادرة سوريا هي عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير مشروعة،" كما أوضحت أم عبده، حماة أحمد.

وقد سجلت تركيا 2.7 مليون سوري يعيشون في البلاد تحت حمايتها مؤقتة (لا تعترف الحكومة بهم كلاجئين). ولكن الكثير من السوريين لا يسجلون أنفسهم لدى السلطات وقد يؤدي الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي إلى إجبار عشرات الآلاف من اللاجئين على العودة إلى تركيا من اليونان.

وكان لبنان قد طالب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتوقف عن تسجيل لاجئين سوريين جدد في مايو 2015، ولكن في آخر إحصاء، تبين أنه يستضيف أكثر من 1.1 مليون نسمة. وقد تم تسجيل أكثر من 637,000 لاجئ في الأردن.

وتقر جماعات حقوق الانسان والمنظمات الإنسانية بأن الدول المجاورة تحملت العبء الأكبر لتدفق اللاجئين عبر الحدود بسبب الحرب الأهلية التي طال أمدها في سوريا، لكنها تصر على ضرورة توفر وسيلة آمنة للخروج لأولئك الذين يحاولون الفرار من الصراع.

"الوصول إلى بر الأمان هو الهدف الأسمى ويجب على جميع الدول أن تتقاسم المسؤولية،" كما أكد المتحدث باسم المفوضية أندرياس نيدهام في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

وأضاف أن "البلدان في المنطقة وخارجها يجب أن تستمر في السماح للأشخاص الفارين من سوريا بطلب اللجوء، ولا تفرض الإعادة القسرية على أولئك الذين يسعون جاهدين للوصول إلى بر الأمان".

ولكن نظراً لاستعداد الاتحاد الأوروبي للبدء في إعادة اللاجئين إلى تركيا وعدم ظهور أي مؤشر على وجود طرق قانونية للخروج من سوريا، سيبقى المدنيون الفارون من الحرب عالقين على نحو متزايد.

موضوعات ذات صلة:

الأردن يشن حملة على اللاجئين

التسلسل الزمني لإغلاق الحدود السورية

الطريق الملتوي الطويل


تم نشر النسخة العربية في 13 مارس 2016

Share this article

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join