"لقد تعرضت لبؤس هائل طوال نحو تسعة أشهر، على الرغم من أنني لم أرتكب أي خطأ،" كما كتب سجين يائس في رسالة إلى الخاطفين التابعين لما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة سرت الليبية، مضيفاً: "أنا واثق من أنكم رحماء. أرجوكم إظهار بعض الرحمة وأطلقوا سراحي من السجن، لاسيما وأنني مريض جداً وضعيف البدن".
وتذكر هذه الرسالة الخطية اليائسة المكتوبة باللغة الانجليزية من قبل أسير أجنبي محتجز خلف النوافذ المغلقة بالطوب في سجن سري تابع لتنظيم الدولة الإسلامية - والتي تحمل توقيع الدكتور محمد بتاريخ أبريل 2016 - تفاصيل عن الإهمال المستمر، على الرغم من اعتناق كاتبها للإسلام بعد شهر واحد فقط من سجنه.
"لقد أصبحت مريضاً لدرجة أنني لست قادراً على الجلوس أو الوقوف لمدة عشر دقائق متواصلة. ولا أقف إلا في صلاتي،" كما كتب، متوسلاً الحصول على دواء لعلاج عدة حالات مرضية طويلة المدى.
أعطت الرسالة، التي اكتُشفت في سجن سري في إحدى ضواحي مدينة سرت التي حررتها القوات الليبية التي تقاتل ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مؤشراً تقشعر له الأبدان عن معاملة السجناء من قبل هذه الجماعة المتطرفة، التي استولت على مسقط رأس معمر القذافي واعتبرته معقلها في شمال أفريقيا منذ أكثر من عام.
حكايات عن التعذيب
وفي أحاديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال المدنيون الليبيون الذين كانوا محتجزين في سجون تنظيم الدولة الإسلامية في سرت - الذين إما فروا، أو تم تحريرهم من قبل القوات الليبية، أو أُطلق سراحهم بعد انتهاء فترة عقوبتهم - أن ظروف احتجازهم كانت غير إنسانية، إذ كانوا يُحرمون من الغذاء والماء بشكل روتيني ويتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة في كثير من الأحيان.
تم احتجاز سراج، البالغ من العمر 34 عاماً والذي اعتُقل لوجود أدوات تدخين في سيارته، لعدة أيام في الحبس الانفرادي من دون ماء أو طعام: "كانوا يضعون إبريقاً بلاستيكياً به ماء أمامي، ولكن يداي مكبلتان خلف ظهري، وكان من المستحيل أن أجد طريقة للشرب منه. وفي نهاية المطاف، كنت أرتطم بالإبريق فينسكب الماء على الأرض. وعندئذ تنسال الدموع على وجهي".
وقال سراج أنه كان يناشد الخاطفين من أفراد تنظيم الدولة الإسلامية ليعطوه بعض الماء قائلاً أنه سيموت إذا لم يشرب، "حدق أحدهم في وجهي وقال أنت ميت بالفعل".
ومع اشتداد حدة القتال في حي الـ700 في سرت – وهو موقع سجن سري - فر أفراد تنظيم الدولة الإسلامية الذين كانوا يحتجزون سراج، وأخذوا معهم عدداً غير معروف من السجناء، ولكنهم تركوه وثلاثة سجناء ليبيين آخرين في زنزانات منفصلة. وكانوا على شفا الموت عندما تم انقاذهم من قبل القوات الليبية التي نقلتهم على الفور إلى وحدة العناية المركزة في العاصمة طرابلس. ولا يزال معصما سراج يظهران الندوب الناجمة عن تقييد ذراعيه بإحكام وراء ظهره بكابلات بلاستيكية لعدة أيام.
الأطفال والنساء الحوامل
وقال محمد البالغ من العمر 42 عاماً، أن الضرب والتعذيب بدءا فور إلقاء القبض عليه في نقطة تفتيش تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث تم العثور على مقاطع فيديو موالية للحكومة على هاتفه المحمول. "لقد عانيت أنا وصديقي كثيراً. ضربونا واستخدموا مسدساً صاعقاً لتعذيبنا وصعقوني بالكهرباء في فخذيّ،" كما أفاد.
كان محمد محتجزاً في سجن سري خلف جدران فيلا فخمة، قبل نقله إلى سجن رسمي تابع لتنظيم الدولة الإسلامية تحت مبنى المحكمة في مدينة سرت. وكان وثلاثة سجناء ليبيين آخرين لا يزالون معصوبي الأعين من رحلة بين السجون، وألقوا بهم أسفل الدرج في زنزانة تحت الأرض لا تضيئها سوى نافذة واحدة صغيرة جداً في السقف.
كانت هناك ثماني نساء في الزنازين المجاورة تحت الأرض - ممرضتان فلبينيتان كانتا تعملان في مستشفى ابن سينا في مدينة سرت وست نساء إثيوبيات تم القبض عليهن لأنهن مسيحيات وتم احتجازهن لمدة ثلاثة أشهر. وقال محمد أن ثلاثة من النساء كنّ في الأشهر الأخيرة من الحمل، وكانت اثنتان منهن لديهما أطفال. وتم نقل النساء الإثيوبيات إلى زنزانته، بعد تسرب مياه الصرف الصحي إلى زنزانتهن.
"كانت إحدى النساء لديها طفل يبلغ من العمر عامين وكان يتضور جوعاً. كان حراس تنظيم الدولة الإسلامية قد أعطونا طعاماً سيئاً للغاية - أرز قديم ربما تم طهيه قبل يومين وكانت رائحته سيئة للغاية حتى أننا لم نتمكن من أكله، ولكن عندما رأى ذلك الطفل الصغير الأرز، أكله كله،" كما روى محمد.
من سيء إلى أسوأ
وقال سجين سابق آخر يدعى جمال ويبلغ من العمر 32 عاماً أنه على الرغم من أن الطعام كان كافياً في بداية فترة سجنه التي دامت ثلاثة أشهر بتهمة "الفتنة"، إلا أن نوعية وكمية الوجبات تدهورت بسرعة مع اشتداد حدة القتال حول مدينة سرت، وأصبح الطعام غير صالح للأكل.
وتجدر الإشارة إلى أن جمال كان محتجزاً في ديوان الحسبة - وحدة شرطة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وبها غرفتان كبيرتان لاحتجاز عدة سجناء - الذي حررته القوات الليبية منذ ذلك الحين. وقال أن إحدى الغرفتين كانت مخصصة للسجناء الليبيين والأخرى للسجناء الأجانب. وتشير أكوام المراتب إلى احتجاز ما لا يقل عن 30 سجيناً هناك، وأنهم كانوا يتقاسمون مراحيض بدائية ومحدودة. وتشير اللوحات التي تحمل تعليمات باللغتين الإنجليزية والعربية إلى فرض تنظيم الدولة الإسلامية لتعاليمه المذهبية الصارمة على جميع السجناء، الليبيين والأجانب على حد سواء.
وعلى النقيض، قال محمد أنه لم يُحاكم على الإطلاق، شأنه في ذلك شأن معظم السجناء الآخرين الذين التقى بهم. ومع تفاقم مشكلة الصرف الصحي وتسربه إلى مزيد من الزنازين الموجودة تحت الأرض، تم نقله هو ورفاقه في الزنزانة إلى زنزانة أخرى أكبر حجماً.
"كانت زنزانة كبيرة غارقة في ظلام دامس، وعندما فتح أفراد تنظيم الدولة الإسلامية الباب، كان السجناء يهرعون نحو الباب معتقدين أن ذلك قد يعني إحضار طعام أو ماء، أو حتى الحرية. كان هناك 29 شخصاً محتجزاً في تلك الزنزانة، معظمهم من الليبيين، وخمسة أجانب،" كما قال محمد.
الأسرى
وكان من بين السجناء الأجانب ثلاثة بحارة، يُعتقد أنهم من أوروبا الشرقية، ألقى تنظيم الدولة الإسلامية القبض عليهم قبل عدة أشهر بعد تعثر سفينتهم قبالة السواحل الليبية، وأجبرهم على النزول إلى الشاطئ في قارب نجاة. وكان السجينان الأجنبيان الآخران هما طبيب هندي، تم احتجازه لمدة سنة تقريباً، ورجل مصري تعرض لضرب مبرح ومتكرر من قبل أفراد تنظيم الدولة الإسلامية حتى أصابه مس من الجنون، كما أفاد محمد.
وكان الـ24 شخصاً المتبقين في زنزانة محمد من الليبيين الذين جاءوا من مناطق مختلفة من البلاد، وكان بعضهم من العسكريين السابقين الذين ظلوا في السجن على الرغم من إجبارهم على التوبة ومبايعة تنظيم الدولة الإسلامية.
"يقول السكان المحليون أن هناك سجوناً أخرى وسجناء آخرين، لكننا لا نعرف أماكنهم أو أعدادهم. وإذا ظللت تسأل عن السجون، ستتعرض لخطر اعتقالك من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، ولذلك حاولنا جمع معلومات عنهم من خلال الدردشة العارضة، ووجدنا أن هناك ثلاثة سجون رسمية وأربعة سجون سرية على الأقل،" كما أوضح سراج.
ومع استمرار القتال في سرت، لا يزال نحو 100 ليبي وما يقرب من 20 أجنبياً في عداد المفقودين، حسب تقديرات السكان المحليين.
tw/ag-ais/dvh
(الصورة الرئيسية: سجن سري مخبأ خلف جدران فيلا فاخرة في مدينة سرت الليبية. تصوير: توم وستكوت/إيرين)