يُسجّل هذا الأسبوع الذكرى العاشرة لبداية الإبادة الجماعية للإيزيديين التي ارتكبها ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). مر عقد كامل من الزمن منذ أن بدأت هذه الفظائع ولم يُعاد بناء الوطن التاريخي للإيزيديين بعد، ويواجه الناجون الترحيل من المخيمات التي يعيشون فيها، ولا تزال النساء والأطفال في قبضة الأسر، ولا يزال العديد من الأشخاص في عداد المفقودين. تظل هذه القضايا، إلى جانب غياب العدالة والمحاسبة، ملحة كما كانت دائمًا بالنسبة لمجتمع عانى الكثير. لقد حان الوقت لكي تتحرّك الحكومات الوطنية والدولية وتتّخذ إجراءات ملموسة.
بدأ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حملته الإبادية في سنجار – المعروفة باسم شنكال لدى الإيزيديين – في 3 أغسطس 2014. من أصل 350,000 حتّى 450,000 شخصًا شُردوا بسبب داعش في عام 2014، ويُقدّر أن حوالي 200,000 إيزيدي ما زالوا نازحين، معظمهم في مخيمات في إقليم كردستان شبه المستقل شمال العراق.
يخطط العراق لإغلاق المخيمات، ورغم تأجيل هذا القرار، بدأ عدد من النازحين داخلياً فعليًّا العودة إلى سنجار، ولكن لا يوجد ما يجذبهم حقًّا في انتقالهم إليها. فبالنسبة للعديد من الإيزيديين، ليست العودة إلى سنجار خياراً، نظرًا لانعدام البنية التحتية الأساسية وحتى الافتقار إلى الخدمات التي تلبي احتياجاتهم.
سنجار، التي لا تزال منطقة مدمرة بفعل الحرب، لم تتلقَ الدعم السياسي والميزانية الكافيين لإعادة الإعمار والتأهيل منذ أن انسحب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المنطقة في أواخر عام 2017. نحن نقدر أن تكلفة إعادة بناء المنطقة بالكامل لن تقل عن 1.5 مليار دولار.
في الوقت نفسه، يخشى العديد من الإيزيديين الذين فروا من جرائم داعش العودة، نظراً لفشل الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان في معالجة الأسباب الجذرية للإبادة الجماعية، وبشكل خاص التمييز ضد المجتمع الإيزيدي وتوصيمه. في أبريل الماضي، مع تصاعد الشائعات الكاذبة حول أفراد المجتمع الإيزيدي الذين عادوا إلى سنجار، وثّقت إحدى المنظمات غير الحكومية 334,000 حادثة خطاب كراهية بحق الإيزيديين في يوم واحد، بما في ذلك تعليقات تحرض على العنف.
بسبب هذه الأوضاع أصبح من غير الممكن التفكير في العودة بالنسبة للكثيرين. "في ظل الظروف الراهنة [و]في ظل هذه الصراعات السياسيّة والعسكريّة التي تهدّد أمن سنجار، لا أستطيع أن أتأمّن على مستقبلي في سنجار"، قالت إحدى الناجيات الإيزيديات البالغة من العمر 27 عاماً خلال حدث إحياء ذكرى الإبادة الجماعية، والتي طلبت عدم نشر اسمها بسبب مخاوف أمنية.
هي عضو في شبكة الناجيات الإيزيديات، التي هدفها تضامن النساء اللواتي يرغبن في أن يصبحن مناصرات للناجيات وللمجتمع الإيزيدي. تأسست الشبكة في عام 2019 عبر يزدا، وهي منظمة مجتمعية أُنشئت بعد ثلاثة أسابيع من بداية الإبادة الجماعية لدعم الناجين وتوثيق الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
من واجب الحكومتين العراقية والكردية إعطاء الأولوية لإعادة بناء سنجار وتثبيت الاستقرار فيها، وإزالة كافة الجماعات المسلحة منها. عليهما أن يعالجا أيضاً الأسباب الجذرية للعنف وأن يعززا الحوار بين المجتمعات لضمان عدم تكرار الجرائم المرتكبة ضد الأقليات والمجتمعات الأصلية. وهذا يتطلب مشاركة جميع الأطراف في وضع اتفاقية جديدة بشأن سنجار، بدلاً من تلك التي وعدت بالإعمار والاستقرار ولم تُنفذ، وذلك بهدف تعزيز الحكم المحلي وتوفير مستوى موثوق من الأمان للناجين.
إنقاذ النساء والأطفال في الأسر
منذ أولى عمليات خطف تنظيم الدولة الإسلامية، لم يتم إنشاء أي قوة بحث وإنقاذ وطنية أو دولية لإعادة النساء والأطفال المحتجزين إلى ديارهم سالمين؛ ولم يتم تكليف أي جهة حكومية مخصصة بالإشراف على الجهود المبذولة للعثور على المفقودين وإعادتهم؛ ولم يتم إنشاء قاعدة بيانات موحدة للمفقودين ومواقعهم المحتملة.
على العكس، اضطرت العائلات إلى اللجوء إلى وسائلها الخاصة للعثور على أحبائها وإعادتهم. بالنسبة للكثيرين، هذا الأمر يعني تكبّد الديون أو محاولة جمع الأموال لدفعها للمهربين.
قالت الناشطة الإيزيدية نسرين حسن راشو، عضو في شبكة الناجيات الإيزيديات وشبكة أصوات الناجيات من تل بنات، سنجار، خلال إحياء الذكرى الرسمية السادسة للإبادة الجماعية الإيزيدية في عام 2020: "فليست هناك حملة جدّية للبحث ولمعرفة مصير المخطوفين والمخطوفات داخل وخارج العراق."
تلقت حتى بعض العائلات مكالمات من مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية يطلبون فدية مقابل الإفراج عن النساء والفتيات اللواتي خطفوهن. لا يزال حوالي 2,600 امرأة وطفل في عداد المفقودين – ويعتقد أن العديد منهم في مخيم الهول في شمال سوريا. يجب إنشاء بعثة إنقاذ لإعادتهم إلى ديارهم سالمين.
نبش كل المقابر الجماعية والتعرف على هوية المفقودين
لا تزال عائلات الناجين والمفقودين غير قادرة على تأكيد مصير أحبائهم، وقد تحولت القرى التاريخية التي تحتوي على مقابر جماعية غير مفتوحة إلى مدن أشباح. حتى قبل أن ينسحب داعش من سنجار، بدأت يزدا في جمع الأدلة على الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين، وجمعت شهادات من الناجين ووثقت مواقع الجرائم.
ساهم فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش، والذي يُعرف باسم "يونيتاد"، في هذا الجهد عند إرساله فريقًا إلى العراق في خريف 2018.
حتى الآن، تم نبش 61 من أصل 94 قبرًا جماعيًا معروفًا في سنجار. ومع ذلك، مع إنهاء تكليف "يونيتاد" المحتمل قريبًا، تخشى منظمات المجتمع المدني والناجون وعائلات الضحايا من أن تكون عملية التنقيب مهددة وأن لا تكون ذات أولوية لدى السلطات العراقية. وفقًا لمديرية التنقيب في مواقع المقابر الجماعية في العراق، هناك 33 مقبرة جماعية إضافية في سنجار لم تُفتح بعد.
"فقدت أناساً أعزّاء على قلبي في هذه الإبادة والذين اشتاق لهم كل يوم بطريقة جنونيّة من ضمنهم والدي ووالدتي الأعزّاء. ألم الفراق صعب جدّاً، لكن الأصعب من ذلك أنّا لا نعرف شيئاً عن مصيرهم لحد الآن. لا نعرف هل هم على قيد الحياة؟ أم أن داعش قد قتلهم في قريتي كبقيّة اليزيديّين"، قالت لنا مؤخرًا زينة خلاط سليمان، الناشطة الإيزيدية البالغة من العمر 28 عامًا والعضو في شبكة الناجيات الإيزيديّات من حردان، سنجار.
أخيها البالغ من العمر 16 عامًا تم أسره أيضًا في 3 أغسطس 2014. وتمت إعادة جثته إلى العائلة هذا العام. وفي الوقت نفسه، لا يزال أخوها البالغ من العمر 11 عامًا في قبضة أنصار داعش، في معسكر حيث تعتقد العائلة أنه لا يزال يخضع لغسل الدماغ والتلقين العقائدي.
تحقيق العدالة والمساءلة
لا توجد حتى الآن عدالة ومساءلة كافية لما حدث ومن دونهما لا يوجد بصيص أمل في تحقيق آلية العدالة الانتقالية الناجحة في العراق ومنع المزيد من الانتهاكات.
تقوم شبكة الناجيات الإيزيديات إلى جانب يزدا بقيادة جهود المناصرة حول العالم لضمان محاكمة الجناة عن الجرائم التي ارتكبوها.
قالت راشو في كلمتها الني وجهتها مؤخّرًا لأعضاء مجلس الشيوخ الفرنسيين في باريس: "أنني أرى أن تحقيق العدالة والمساءلة من أهم الأوليات للضحايا وعوائلهم وللمجتمع بشكل عام". وأضافت قائلة: "أرى بأن تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم من أولويات الضحايا وعوائلهم، كما أن ذلك يعتبر من أساسيات إعادة الثقة للمجتمعات المتضررة وربما المصالحة بين المكونات المختلفة في العراق."
في اجتماع جرى مؤخّرًا مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، جدد ناشطون إيزيديون، بما في ذلك المديرة التنفيذية ليزدا (المُشاركة في كتابة هذا المقال)، الدعوات لدعم عاجل لتحقيق العدالة والمساءلة.
أكد الوفد على ضرورة أن يسنّ العراق قانونًا يدرج الجرائم الدولية الأساسية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية في نظامه الجنائي. عليه أن يضمن المحاكمات العادلة التي تشمل مشاركة مفيدة للضحايا وحماية فعّالة للشهود.
وإن كان العديد من الناجين والمنظمات غير الحكومية قد دعوا إلى إنشاء محكمة دولية أو هجينة لمحاكمة مرتكبي جرائم داعش، فإن غياب الإرادة السياسية يزيد من احتمالية عدم تحقيق ذلك. بدلاً من ذلك، يجب على العراق والمجتمع الدولي أن يعملوا على الأقل على تحديد هويات أعضاء داعش رفيعي المستوى الذين لا يزالون أحياء ومحاكمتهم.
ثمة ضرورة لأن ترى الأجيال الإيزيدية المستقبلية ردًّا جماعيًّا على الجرائم التي ارتكبها داعش.
وهذا الأمر مهم أيضًا ليتمكن الناجون من المضي قدمًا في حياتهم. كما أوضحت ذلك شيرين خيرو، الناشطة الإيزيدية البالغة من العمر 30 عامًا من حردان، سنجار، لأعضاء مجلس الشيوخ الفرنسيين في يونيو الماضي: "الناجيين والناجيات لا يشعرون بالأمان في العراق لأن مرتكبين الجرائم احرار ولازال لدينا مخاوف."
مع إغلاق "يونيتاد" قريبًا، تدعو منظمات المجتمع المدني ومجموعات الناجين إلى إنشاء أرشيف معزز للأمم المتحدة لحفظ الأدلة التي جمعها فريق "يونيتاد" وغيره على مر السنين، بحيث تظل هذه الأدلة متاحة للدول والمدعين العامين في التحقيقات والمحاكمات المستقبلية.
كما سألت خيرو أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسيين: "هل سيتم ارشفة هذه الأدلة فقط؟ أو هل سيتم استخدمها مع المحاكمات خارج العراق الذي تحصل الأن في عدة دول، أو ستحصل مستقبلاً؟ كيف سنستطيع الوصول إلى هذه الأدلة؟"
قدّم العديد من الناجين شهاداتهم، على الرغم من قسوتها، على أمل أن تساهم في دعم جهود العدالة والمساءلة. يجب أن تظل هذه الأدلة متاحة للمدعين العامين.
قالت إحدى عضوات شبكة الناجيات الإيزيديات في إحياء رسمي لذكرى الإبادة الجماعية، التي طلبت عدم نشر اسمها لأسباب أمنية: "انا تلك المرأة التي تسعى إلى تحقيق العدالة. انا تلك المرأة التي تستطيع الوقوف بوجه الظالمين ومواجهتهم ومحاسبتهم."
بالنسبة للعديد من الإيزيديين، يمثل شهر أغسطس هذا عقدًا من الفشل السياسي والإنساني. يحدد التقاعس العالمي والمحلي ملامح وشروط مستقبلهم. أصبح من الصعب جدًا تخيل حياة آمنة ومشرّفة في سنجار، ولدى الكثيرين، يبدو هذا الأمر شبه مستحيل.
يود الكتّاب أن يتقدموا بالشكر إلى زوي باريس من يزدا وديمة طوبجي من مكتب زوفيكيان العام على مساهمتهما في هذا المقال.