اعتادت السفر بالحافلة لهذه الرحلة الشهرية من منزلها في هورليفكا التي يسيطر عليها المتمردون إلى بلدة ارتيميفسك الخاضعة لسيطرة الحكومة بغية الحصول على الإمدادات، بما في ذلك كيس اللحوم الذي تحمله، ولكن النقل العام قد توقف الآن.
وهكذا، تضطر جالينا حالياً لاستخدام خمسة وسائل للسفر، من سيارات الأجرة إلى السيارات الخاصة – حسبما هو متوفر – ثم تمشي جزءاً من الطريق لتمر عبر نقطة تفتيش حكومية، حيث تقف في طوابير وسط عشرات – أن لم يكن مئات-السيارات التي تنتظر العبور وأكوام القمامة التي تتناثر على طول الطريق. ويضطر بعض الناس للانتظار 10 ساعات أو أكثر عند نقاط التفتيش في حرارة الصيف، وما يفاقم من الوضع عدم وجود مياه أو دورات مياه.
وتعليقاً على هذا الوضع الصعب، قالت: "منذ ثلاثة أيام... كان هناك طابور طويل للغاية ... لماذا كل هذه الصعوبات؟"
والوضع سيء جداً لدرجة دفعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعمل على توفير المياه والخدمات الأخرى للمدنيين الذين ينتظرون في طوابير طويلة عند نقاط التفتيش.
ويمكن مشاهدة الأثر الذي تركته الدبابات على الطريق، ما يُعيد إلى الأذهان الصراع الذي أودى بحياة 6,500 شخص منذ اندلاعه في أبريل 2014 عندما استولى المتمردون الموالون لروسيا على أجزاء من شرق أوكرانيا في أعقاب قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم الجنوبية.
وفي منتصف شهر يونيو، أصدرت أجهزة الأمن الأوكرانية أمراً يحظر سير مركبات النقل العام داخل وخارج الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، مما أدى إلى تعقيد حركة السفر للأشخاص الذين يعبرون خط المواجهة بحثاً عن الإمدادات والخدمات التي إما أكثر تكلفة، أو غير موجودة بالأساس، في الجانب الذي يسيطر عليه المتمردون (انظر تقرير شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) حول الأوضاع في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون).
وفيما يصفه النقاد بأنه خطوة أخرى في تشديد الحصار التي تفرضه الحكومة الأوكرانية على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، حظرت الحكومة أيضاً دخول البضائع التجارية إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون عبر أي من نقاط التفتيش الست الموجودة على الطرق الرسمية. وقد أدى هذا إلى بطء وصول السلع الأساسية – بما في ذلك الغذاء – خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
ويأتي هذان الأمران عقب صدور أمر سابق في شهر يناير يلزم الأشخاص الذين يرغبون في الدخول أو الخروج من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون بالحصول على تصريح خاص، وهو ما قلص من قدرة الناس على الوصول إلى المساعدات الإنسانية ومن مغادرة منطقة النزاع، وفقاً لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
نقاط تفتيش مزدحمة
وفي الشهر الماضي، تم إغلاق نقطة عبور شعبية بالقرب من بلدة مارينكا بعد معركة شهدت أحد أشرس المعارك منذ شهر فبراير، عندما تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار (وقد استمرت أعمال العنف منذ ذلك الوقت).
وقد أدى إغلاق ذلك المعبر إلى زيادة الازدحام عند نقاط التفتيش المتبقية – حيث تصطف مئات السيارات بشكل يومي في وقت مبكر منذ الرابعة صباحاً. وعلى أحد جانبي نقطة تفتيش حكومية في هورليفكا، شاهدنا سائق سيارة فان بيضاء ورجل أمن أوكراني يصرخان في بعضهما الآخر بسبب الإجراءات الورقية الروتينية وتزايد حالة الاحباط.
وفي ظل عدم وجود حافلات، يضطر الكثير من الناس إلى استخدام سيارات الأجرة، التي ليست مكلفة فحسب بل تفاقم الازدحام المروري في نقاط التفتيش أيضاً. وفي ظل عدم حصول العديد من السائقين على التصاريح المطلوبة، يضطر بعض الركاب إلى الخروج من سيارات الأجرة، ثم السير على الأقدام عبر نقطة التفتيش، ومن ثم استئجار سيارة أجرة أخرى على الجانب الآخر.
وفي هذا الصدد، قال ألكسندر هاج، نائب رئيس بعثة المراقبة الخاصة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يضطر المدنيون في كثير من الأحيان إلى قطع مسافات طويلة وهم يحملون [بأنفسهم] الكثير من الأمتعة عبر خط التماس بسبب هذه القيود المفروضة في المكان".
استيقاف السيارات
عند نقطة تفتيش، يقف آرام جوجاسيان على جانب الطريق حاملاً الأغذية واللوازم الخاصة به، يلوِّح للسيارات المارة بحثاً عن سيارة توصله إلى وجهته.
يستقل آرام في العادة سيارته للسفر بين كراماتورسك التي تخضع لسيطرة الحكومة حيث يعمل ودونيتسك التي يسيطر عليها المتمردون حيث تعيش زوجته مع أطفالهما الصغار. ولكن وقت الانتظار عند نقطة التفتيش يستغرق وقتاً طويلاً. لذا، فهو يلوح الآن بيده في محاولة لاستيقاف سيارة أجرة أو إحدى السيارات الأخرى المارة.
وتعليقاً على معاناته، قال: "أصبحت [الرحلة] تزداد سوءاً يوماً بعد الآخر... وهي الآن أكثر تكلفة". وستكون السيارة التي يلوح لها بيده هي السيارة الثالثة التي يستقلها في هذه الرحلة. وفي الوقت الحالي، أصحبت الرحلة، التي عادة ما كانت تستغرق ساعة ونصف الساعة ذهاباً، تستغرق قرابة أربع ساعات، وربما أكثر إذا كان سيء الحظ.
وقد شهد المراقبون قرابة 800 سيارة تصطف عند نقاط التفتيش الحكومية، وفي نقطة تفتيش واحدة، كان هناك 20 بالمائة من المدنيين يحاولون العبور دون تصريح ساري المفعول، وقد منعوا من المرور.
وقد صرح المتحدث باسم الجيش الأوكراني أندري ليسينكو لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بأن "[السلطات] تقرر الوجهة والغرض من الشحنات. وإذا كانت الوثائق غير مزورة وقانونية، يسمح عندها بمرور البضائع. وبخلاف ذلك، يتم توقيفها ومصادرتها".
الوضع يعقد عملية إيصال المساعدات
وتتسبب هذه الأوامر في تعقيد إيصال المساعدات، إذ توجد نقطة تفتيش واحدة فقط يمكن للشاحنات التي تحمل مواد الإغاثة الإنسانية أن تمر من خلالها. وتشهد هذه النقطة أحد أطول طوابير الانتظار وقد يتم غلقها في بعض الأحيان.
وفي الوقت الحالي، يواجه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي لم يستطع إدخال أي مساعدات لمدة أسبوعين في أوائل شهر يونيو بسبب تصاعد القتال وما يترتب عليه من إغلاق نقطة تفتيش مارينكا، تأخيرات إضافية في التوزيعات.
وحول هذا الأمر، قال جيانكارلو ستوبوني، مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي في أوكرانيا: "لقد أثرّ الوضع علينا بالفعل لأننا غير قادرين على نقل كمية الأغذية التي نود إيصالها، وهذا الأمر سوف [يتفاقم] إذا ظل الحال على ما هو عليه".
ويواجه برنامج الأغذية العالمي تنامياً في الاحتياجات وذلك في ظل تزايد عدد النازحين داخلياً الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، حيث لم يعد العديد منهم يتحمل ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وتخطط الوكالة هذا الشهر لإجراء تقييم لحالة الأمن الغذائي، بما في ذلك مدى توافر المواد الغذائية في الأسواق.
انخفاض المخزونات الغذائية
ومن المتوقع أن يؤدي الحظر المفروض على نقل السلع التجارية إلى زيادة الضغط على المنظمات الإنسانية لتوفير المواد الغذائية، التي انخفضت بالفعل.
وقالت بابنكو يفجينيا، مديرة في سلسلة متاجر أمستور الكبرى، التي تضم 14 فرعاً في منطقة دونيتسك التي يسيطر عليها المتمردون، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد انخفضت كمية اللحوم بمقدار الضعفين مما كانت عليه من قبل، كما انخفضت منتجات [الألبان] إلى ثلاث أضعاف".
ولم يستطع الموردون القادمون من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من إيصال أي شيء في الشهر الأخير ومن ثم تعتمد الشركة الآن على الموردين المحليين والشحنات القادمة من روسيا. وقالت يفجينيا أن السبيل الوحيد لمرور السائقين عبر المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة هي أن يدفعوا رشوة لرجال الأمن الأوكراني.
وقالت يفجينيا أنها تواجه أيضاً مشكلات كبيرة في محاولة استيراد المنتجات غير الغذائية مثل اللوازم المدرسية للطلبة.
وعلى الرغم من أن الأسعار قد تضاعفت بالفعل في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، إلا أن الأوامر الحكومية الجديدة سوف تحد من وصول الإمدادات، ومن ثم تدفع إلى رفع الأسعار أكثر.وقد أدى سحب أجهزة الدولة إلى عزل المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون، بما في ذلك تمويل المستشفيات والمدارس، مما اضطر المواطنين للسعي للاستفادة من المعاشات التقاعدية والمزايا الموجودة في البلدات الخاضعة لسيطرة الحكومة.
ممر لمنظمات الإغاثة
رغم كل ما سبق، لا تزال هناك بوادر تبشر بالخير. ففي الشهر الماضي، التقى رئيس وزراء أوكرانيا أرسيني ياتسينيوك مع منظمات الإغاثة لبحث الحالة الإنسانية في شرق البلاد ووعد بتوفير ممر وتبسيط الإجراءات للسماح بدخول المساعدات.
ولكن القيود المفروضة على المدنيين والبضائع تثير بشكل متزايد غضب السكان المحليين الذين حوصروا في الصراع الذي شهد، وفقاً للأمم المتحدة، قصفاً عشوائياً على المناطق السكنية على جانبي خط المواجهة.
وعودة إلى نقطة التفتيش التابعة للحكومة، تشكو فودزينسكايا قائلة أنه بعد عملها لعقود في شركة للاتصالات السلكية واللاسلكية، عليها الآن القيام برحلة طويلة للحصول على راتبها التقاعدي فقط. وخلال حديثها عن عدم رغبتها في مغادرة منزلها كان صوتها يهتز وشفتاها ترتجفان. ولكن الآن، همها الأول هو كيفية الوصول إلى هناك، إذ أنها غير متأكدة إن كانت ستكون قادرة على العثور على حافلة أو استيقاف سيارة أجرة عند المرور بنقطة تفتيش. وعن ذلك قالت: "إن أوكرانيا ضدنا ... كنت أعمل منذ 40 عاماً من أجل أوكرانيا والآن لا حاجة لي".
kj/ha-kab/dvh