في الغالب، أحاول التعبير بيديَّ، لأشرح ما يوجعني. وإذا تمكن الطبيب من فهم ما أقصده، فخير وبركة وإذا عجز عن ذلك فما باليد حيلة". هذا ما قالته منى (وهذا ليس اسمها الحقيقي) عندما سألناها عن قدرتها على التواصل مع العاملين في القطاع الصحي خصوصا وأن لغتها العبرية تكاد تكون منعدمة.
وتعاني منى، شأنها في ذلك شأن الآلاف من غيرها من النساء البدويات في صحراء النقب جنوب إسرائيل، من صعوبة كبيرة في محاولة التأقلم مع الحواجز اللغوية التي تشكل العامل الأكبر في عدم قدرتها على الحصول على الرعاية الطبية الملائمة.
وتكتسي مسألة التواصل اللغوي أهمية خاصة في "القرى غير المعترف بها" التي لا توجد على الخريطة الرسمية لإسرائيل، وذلك لكون الدولة العبرية تعتبر وجود هذه القرى وجودا غير قانوني. في حين يؤكد البدويون أن قراهم إما وُجِدت قبل وجود إسرائيل نفسها أو خلال السنوات الأولى من ولادتها عندما اضطرتهم الهجرة الإجبارية التي تزامنت مع أو أعقبت حرب 1948 إلى مغادرة بيوتهم والنزوح بحثا عن أماكن جديدة للإقامة.
ووفقا لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية غير الحكومية Physicians for Human Rights، لا تستطيع حوالي 48 بالمائة من النساء البدويات المقيمات في القرى غير المعترف بها تكلم اللغة العبرية، في حين أن من يستطعن تحدثها لا يلممن بها إلا إلماما محدودا للغاية.
الترجمة الفورية
يقول أثير، البدوي الذي يتقن اللغتين العربية والعبرية: "عندما أذهب مع زوجتي إلى العيادة، عادة ما يأتي إلي الطبيب وأنا في غرفة الانتظار ليطلب مساعدتي في الترجمة". ولكن أثير يقر في نفس الوقت أن هذا لا يشكل حلا مثاليا للمشكلة. وهو رأي تشاطره إياه منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، إذ ترى المنظمة أن هذه الطريقة، بالرغم من كونها نابعة من نية الطبيب الحسنة في فهم مرضاه بطريقة أفضل وأوضح، إلا أنها قد لا تكون صائبة بشكل كلي وقد تتسبب أحيانا في بعض التعقيدات. فالمترجمون ليسوا أشخاصا محترفين وعادة ما يخطئون في الترجمة كما أن الرجل الذي يتولى الترجمة قد يجد حرجا في ترجمة كل ما تخبره إياه المريضة أو أن المريضة نفسها قد تجد حرجا كبيرا في التحدث إليه عن كل ما يؤلمها.
وقد تؤدي كل هذه التعقيدات إلى نتائج سلبية أو مأساوية أحيانا، خصوصا عندما لا تتمكن النساء من الحصول على العلاج الكامل لأوجاعهن أو عندما تتسبب مشكلة التواصل في حصولهن على العلاج الخاطئ. بالإضافة إلى ذلك، قد تتعرض حقوقهن لانتهاك كبير إذا ما أعاقت مشكلة التواصل تعبيرهن بشكل واضح عن رغباتهن الحقيقية في الحالات التي تستدعي اختيارا معينا كالولادة الطبيعية أو القيصرية مثلا.
وفي هذا السياق، تقول صابحة، وهي بدوية من إحدى القرى النائية: "أنا محظوظة لأنني أستطيع تحدث العبرية وإلا لكان وضعي صعبا للغاية. يجب أن توظف المراكز الصحية مترجمين حقيقيين".
انعدام وسائل المواصلات
أخبرت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان لجنة برلمانية مؤخرا أن 80 بالمائة من النساء المقيمات في القرى غير المعترف بها اخترن التخلي نهائيا عن موضوع الرعاية الصحية بسبب المشاكل التي يواجهنها في سبيل ذلك.
إذ بالإضافة إلى المشاكل اللغوية، يأتي مشكل المواصلات لينضم إلى العوامل الهامة التي تزيد من معاناة النساء في الحصول على الرعاية الصحية الملائمة. إذ أنهن عادة لا يملكن رخص سياقة ولا سيارات ويضطررن إلى الاعتماد على أزواجهن أو على المواصلات العمومية.
الصورة: شبتاي جولد/إيرين |
بدوية تعود إلى بيتها مشيا بعد زيارة إلى العيادة المحلية. وفي بعض الحالات تكون العيادات بعيدة جدا عن قرى البدو مما يعيق وصولهم إليها |
وعادة ما تضطر منى إلى القيام بهذه الرحلة بصحبة طفلها الذي يعاني من الربو ويحتاج لرعاية صحية خاصة خلال أشهر الصيف الحارة.
وقد أخبرت منى وإحدى النساء الأخريات شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنهما تضطران في العديد من الأحيان إلى التخلي عن فكرة الحصول على الرعاية الصحية بسبب العراقيل اللغوية ومشاكل المواصلات التي يعانيان منها.
من جهتها، أفادت وزارة الصحة الإسرائيلية أنها أنشأت وحدات تطعيم متنقلة تستطيع الوصول إلى النساء والأطفال المقيمين في المناطق النائية والعاجزين عن القيام بالرحلة إلى العيادات الطبية، وذلك بغية تخفيف بعض العناء الذي يواجهونه. في حين ذهب بعض المسؤولين الحكوميين الآخرين إلى القول بأن المشاكل التي يعاني منها بدويو النقب ناتجة من استقرارهم في قرى غير معترف بها ورفضهم الانتقال إلى المدن التي أنشأتها الدولة والتي تأوي حاليا حوالي نصف هؤلاء البدو، أي 80,000 شخص تقريبا.
"