لمن المؤسف أن تزهق آلاف الأرواح في إعصار نرجس واندفاع الموج المدمر الذي تبعه حتى ندرك التبعات المأساوية للتقدم الاقتصادي السريع الذي يتم على حساب البيئة.
ففي العقود القليلة الماضية، قام المزارعون في دلتا إيراوادي بإزالة مساحات واسعة من غابات المانجروف الساحلية لزيادة الأراضي المزروعة بالأرز، كما أزالوا المزيد منها قبل ثماني سنوات لتربية القريديس بهدف تصديره للخارج.
وربما كان ذلك سبباً في ارتفاع حصيلة الضحايا، كما يرى بعض المتخصصين، لأن ميانمار فقدت هذا الغطاء الواقي الذي كان يحمي مناطقها الساحلية.
ويأمل ماساكازو كاشيو، وهو مسؤول موارد الغابات لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، أن تعي السلطات في ميانمار بعد هذه الكارثة أهمية المحافظة على ما تبقى من أشجار المانجروف وحمايتها وإعادة تأهيل بقايا هذا الغطاء المتدهور.
وأضاف قائلاً في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): أتمنى حقاً أن تأخذ حكومة ميانمار هذا الدرس على محمل الجد وأن تتخذ خطوات مناسبة من خلال تبني منهج مبني على المشاركة – أي أن عليها أن تصغي لما يقوله الآخرون".
واستطرد موضحاً: "عليهم وضع خطة مناسبة لاستغلال الأراضي وإدراك الحاجة لحماية المنطقة المتأثرة بالكارثة من البحر ومن مياه الفيضانات".
ويُعتَقد أن الآلاف من ضحايا إعصار نرجس الذي ضرب البلاد يومي 2 و3 مايو/أيار غرقوا في المد الذي سببته العاصفة الإعصارية حيث ارتفع موج البحر لأكثر من 3.5 متراً وغمر الأراضي في الداخل حتى مسافة 40 كلم تقريباً.
وأفادت الفاو في بيان صادر عنها يوم 15 مايو/أيار أن أشجار المانجروف كانت ستثبط من ارتفاع الأمواج التي سببتها العاصفة الإعصارية.
وجاء في البيان: "لا يمكن للحواجز المنفذة للماء مثل الأشجار الساحلية والغابات أن تمنع غمر المناطق الداخلية وحدوث الفيضانات الناتجة عن العاصفة الإعصارية...ولكن هناك احتمال كبير في أن تتمكن النباتات الساحلية الكثيفة والسليمة [التي لم يعبث بها الإنسان] بتقليل أثر الأمواج والتدفقات المصاحبة للإعصار. كما يمكن للغابات الساحلية أن تعمل عمل مصدات الرياح في تقليل الدمار الذي يلحق بالمجتمعات الساحلية بسبب الأعاصير".
وكانت الفاو قد أدارت مشروعاً لإعادة تأهيل غابات المانجروف في المنطقة دام لعقد تقريباً وانتهى عام 2001. ولكن كاشيو قال أن "الضغط لافتتاح المزيد من مزارع الأرز كان قوياً جداً [وحال دون استمرار المشروع]".
تقديم تنازلات محسوبة
في الوقت نفسه، قالت ماريا أوزبيك من معهد استكهولم للبيئة في بانكوك أن أي جهود لحماية أو إعادة تأهيل أشجار المانجروف عليها أن تأخذ بعين الاعتبار اهتمامات السكان المحليين والحكومة في التقدم الاقتصادي.
وقالت: "لا يكفي أن نتحدث عن دور أشجار المانجروف في التخفيف من أثر المخاطر الطبيعية... إن الأمر يتعلق أيضاً بكيفية ضمان التطور الاقتصادي والأمن الغذائي وفي نفس الوقت امتلاك نظام بيئي فعال. الأمر يتعلق بتقديم تنازلات محسوبة".
فعلى سبيل المثال في فيتنام القريبة يعمل معهد استكهولم للبيئة مع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمعات الساحلية على تطوير خطة بقيمة 200 مليون دولار لإعادة زراعة غابات المانجروف في بعض المناطق دون المساس بسبل عيش السكان.
وأضافت قائلة: "عليك مناقشة مكان زراعة المانجروف وأي الأصناف وعدد الأشجار وكيف ستتم رعايتها". وأفادت أن غابة المانجروف المعاد تأهيلها بشكل جيد – أي بطريقة طبيعية وباستخدام أصناف متنوعة – يمكنها "المساهمة في المخزون السمكي الذي بدوره يساهم في الاقتصاد المحلي".
ولكن كاشيو توقع أن يختار العديد من السكان المحليين مغادرة المنطقة التي ضربها الإعصار مما سيسهل إعادة زراعة غابات المانجروف فيها.
وعن ذلك قال: "بطبيعة الحال سيتخذ الناس قراراً بعد الكارثة المدمرة – سيقدرون أن المكان ليس آمناً للعيش وتربية الأطفال على المدى البعيد وفي المستقبل".
وكان العدد الرسمي لضحايا إعصار نرجس قد وصل يوم 16 مايو/أيار إلى 43,000 قتيل 28,000 مفقود في الوقت الذي يعتقد فيه كل من الصليب الأحمر والأمم المتحدة أن عدد الذين قد لاقوا حتفهم قد يفوق الـ 100,000 قتيل.
"