يمكن لزائر مدينة جرش الأردنية أن يلاحظ التناقض الواضح بين الجبال الجميلة المحيطة بالمدينة التي تحتضن آثاراً رومانية قديمة وبين مخيم جرش للاجئين الفلسطينيين الذي يشهد أوضاعاً معيشية مزرية.
فمخيم جرش، الذي يعرف محلياً باسم مخيم غزة"، يقع على بعد 40 كلم شمال عمان، وتتخلله أزقة ضيقة تمر عبر منازله المنهارة. كما تملأ المكان روائح كريهة تصدر عن مياه المجاري التي تتدفق في قنوات مفتوحة عبر المدينة.
ويتم التخلص من مياه الصرف الصحي والمياه العادمة إما بتجميعها داخل حفر امتصاصية موصولة بمنازل اللاجئين، أو تصريفها مباشرة في قنوات تم تمديدها تحت منازلهم. ويقوم السكان باستمرار بدفع مبالغ كبيرة لقاء نضح المخلفات والتخلص منها بواسطة ناقلات خاصة.
وتبدو مظاهر المعاناة والحرمان على وجوه سكان مخيم جرش الذين يعيش معظمهم دون مستوى خط الفقر في الأردن. ويقول سكان المخيم أن الرائحة النتنة التي تحيط بهم بالإضافة إلى محيطهم البائس والمغبر يعكسان ما يشعرون به تجاه حياتهم.
وقال أبو احمد، وهو سائق يبلغ من العمر 40 عاماً وينحدر أصلاً من مدينة بئر السبع، جنوب فلسطين: "عندما جئنا إلى هنا قبل 40 عاماً، كان حلمنا هو العودة إلى بلداتنا في فلسطين، ولكن حلمنا الآن هو أن نعيش حياة لائقة". وأضاف: "عادة ما يتم مرافقة مسؤولين رفيعي المستوى أو زوار المخيم لمعاينة الشوارع الرئيسية، حيث تكون الأوضاع أفضل نوعاً ما".
وكان المخيم قد بني عام 1968، أي بعد عام من الحرب مع إسرائيل التي انتهت بهرب آلاف الفلسطينيين من ديارهم إلى الدول المجاورة، حيث استقر معظمهم في الأردن.
هل الأطفال محصنون؟
ويتخذ أطفال المخيم من هذه الشوارع التي تملؤها القاذورات وفضلات الحيوانات ومياه القنوات الملوثة مكاناً اللعب.
وقال أبو أحمد الذي يملك شجرة توت في فناء منزله يتغذى على ثمارها أطفاله: "لا يمرض الأطفال إذا لعبوا في المياه الملوثة. لقد أصبح لديهم جهاز مناعة قوي".
"وعندما تسقط حبات التوت في القناة، يقوم أولادي وغيرهم من أولاد الحي بالتقاطها وأكلها ولا يبدو أنهم يمرضون من ذلك".
كما يشتكي السكان من تعذر النوم في ليالي الصيف حيث يكثر البعوض والجرذان في المنطقة. أما في الشتاء فتفيض الشوارع بالمياه الملوثة.
ويعيش أبو حسن البالغ من العمر 53 عاماً وزوجته وأطفاله التسعة في منزل لا تزيد مساحته عن 96 متراً مربعاً. وفي الشتاء الماضي، استفاقت الأسرة في الليل وقد فاض منزلها بالمياه المتدفقة من الشارع. وعن ذلك قال أبو حسن: "لقد سمعنا وعوداً من المسؤولين بأنهم سيعالجون المشكلة...ولكن كما ترى فقد نسِيَنا العالم".
فشل الجهود السابقة
وقد تعرضت الجهود السابقة لبناء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي للفشل بسبب غياب محطة لتحلية المياه العادمة وتنقيتها لإطلاقها في بيئة المنطقة من جديد، وفقاً للمسؤولين في دائرة الشؤون الفلسطينية، وهي دائرة حكومية مكلفة بمشاريع البنية التحتية داخل مخيمات اللاجئين في الأردن.
من جهتهم، أفاد المسؤولون أنهم لن يتمكنوا من إنشاء شبكة للصرف الصحي إلا إذا تم بناء محطة لمعالجة المياه في مكان قريب، وهذا الأمر يندرج تحت مسؤولية وزارة المياه. وقال ياسين أبو عواد، مدير المشاريع والتخطيط بدائرة الشؤون الفلسطينية أنه "يجب ضخ المياه التي يتم التخلص منها عبر نظام للصرف الصحي إلى محطة للمعالجة، ولكنها غير موجودة في المنطقة".
وفي الوقت الحالي يتم التخلص من مياه الصرف في الوديان القريبة من المخيم مما يتسبب في أخطار بيئية وصحية جمة.
لقد بُنيت بيوتنا منذ 40 سنة لتكون مأوى مؤقت. أما الآن فكل الوحدات السكنية آيلة للسقوط وأي حركة في الأساسات قد تؤدي إلى انهيارها |
وقال أبو عواد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لدينا خطط جاهزة ولكننا لن نبدأ إلا عندما نحصل على الضوء الأخضر من الحكومة بعد الانتهاء من أعمال محطة معالجة المياه".
وكانت دائرة الشؤون الفلسطينية قد وضعت شبكات للصرف الصحي في 11 مخيماً للاجئين من المخيمات الثلاثة عشرة الموجودة في المملكة. وأفاد مسؤولون من وزارة المياه في الأردن أنه العقد أحيل على شركة محلية ومن المتوقع أن تنتهي أعمال بناء محطة المعالجة قبل نهاية السنة.
المخاوف
وإلى أن يتم ذلك، يخشى السكان أن تنهار بيوتهم المتقادمة عندما تبدأ أعمال البناء، حيث أفادوا أن معظم البيوت ليست مبنية بشكل جيد يمكّنها من الصمود أمام أعمال حفر كبيرة وأعربوا عن مخاوفهم من أن يؤدي ذلك إلى انهيارها.
وقال علي، وهو أب لثلاثة أطفال يعيش على ما يحصل عليه من معونات تقدمها له الحكومة الأردنية: "لقد بُنيت بيوتنا منذ 40 سنة لتكون مأوى مؤقت. أما الآن فكل الوحدات السكنية آيلة للسقوط وأي حركة في الأساسات قد تؤدي إلى انهيارها".
"