ولكن هذه الصراحة لم تمنح ماهر داهود البالغ من العمر 40 عاماً، وهو فني أسنان من مدينة دير الزور السورية المحاصرة، أي راحة تُذكر لأنه يجلس في غرفة فندق في أثينا منذ 51 يوماً بانتظار إعادة توطينه. ومع حلول الليل، يضع ابنه محمد البالغ من العمر ثلاث سنوات في السرير وينزل إلى بهو الفندق المغطى بالمرايا ليجلس على طاولة مع مجموعات من اللاجئين الآخرين الذين لا يزالون في طي النسيان. ينتظر بعضهم دولة تقبلهم، بينما تم قبول آخرين ولكنهم ينتظرون موعد السفر.
هرب آرال كاكل البالغ من العمر 29 عاماً، وهو صحفي عراقي كردي ومنتج سابق في قناة سكاي نيوز العربية، من العراق مع زوجته وشقيقه بعد تلقي عائلته لتهديدات انتقامية بسبب عمله الصحفي. وقد تم قبول ثلاثتهم للانتقال إلى فنلندا، ولكن بعد مرور 19 يوماً لا يزالون في أثينا وليست لديهم أي فكرة عن موعد نقلهم.
وتساءل آرال قائلاً: "سمعت أنه تم قبول 24 منا في فنلندا، وعلينا أن نذهب معاً، ولكن بعضهم قُبل منذ 45 يوماً. ماذا يعني هذا؟ هل يجب أن أظل هنا لمدة شهرين أو ثلاثة؟"
فقدان الأسرة
وعلى الرغم من أن اللاجئين لا يستطيعون اختيار دولة إعادة التوطين النهائية، ولكن بإمكانهم إعداد قائمة بالدول المفضلة لديهم، ومن المفترض أن تؤخذ الروابط الأسرية بعين الاعتبار. يريد داهود جمع شمله مع شقيقه في ألمانيا بعد رحلته المدمرة على متن قارب من تركيا. يتصفح الصور الموجودة على هاتفه ليكشف عن صورة جوية رهيبة لقارب غمرته المياه الزرقاء.
"كنا على بعد 25 متراً من جزيرة ساموس، ولكن السائق اصطدم بصخور في قاع البحر. وحوصرت زوجتي وابنتاي في بدن القارب،" كما أفاد.
غرق الثلاثة ودفنهن داهود في المقبرة الإسلامية على جزيرة كوس القريبة قبل مغادرتها متوجها إلى البر الرئيسي في اليونان.
وأضاف قائلاً: "لم أخبر ابني بعد بما حدث بالضبط. نحن بحاجة فقط إلى سرعة إيجاد مكان لنبدأ فيه حياة جديدة، وبعد ذلك سوف أخبره بكل شيء".
ويسأل آرال: "لماذا لا يقومون بفتح مكتب في تركيا لبرنامج إعادة التوطين، لتفادي المهربين والقوارب والموت؟"
خيارات أقلوكانت هناك آمال بأن تؤدي خطة إعادة التوطين إلى توزيع أكثر عدلاً لطالبي اللجوء في الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتخفيف بعض العبء ليس فقط عن اليونان وإيطاليا، ولكن عن الدول التي قبلت غالبية الوافدين الجدد، مثل ألمانيا والسويد، كذلك.
ولكن إذا كان الترويج لبرنامج إعادة التوطين صعباً في سبتمبر، فإن المخاوف الأمنية التي أعقبت الهجمات الإرهابية في باريس والاعتداءات الجنسية التي وقعت في كولونيا في ليلة رأس السنة الجديدة قد أدت إلى تصلب موقف أوروبا تجاه اللاجئين.
وقد علقت النمسا مشاركتها في برنامج إعادة التوطين، ولجأت المجر وسلوفاكيا المتشددتين إلى المحاكم للطعن في الأعداد التي من المفترض أن تستقبلاها، بينما لم تشارك الدنمارك والمملكة المتحدة من البداية. وغيرت السويد، التي استقبلت أعداداً هائلة، مسار مشاركتها، وطلبت أن تصبح دولة مصدرة للاجئين وليس مستقبلة لهم.
أما اللاجئون أنفسهم، فتنتابهم مشاعر متناقضة إزاء مخطط إعادة التوطين أو ببساطة لا يعرفون عنه شيئاً. وهناك ستة جنسيات فقط مؤهلة: السوريون والعراقيون والإريتريون واليمنيون والبحرينيون، ومواطنو سوازيلند - بناءً على النسبة العالية من طالبي اللجوء من تلك البلدان الذين يحصلون على اللجوء في الاتحاد الأوروبي. ومن الملاحظ غياب الأفغان، الذين مثلوا نحو 20 بالمائة من اللاجئين الوافدين إلى أوروبا في عام 2015، من القائمة لأن احتمال حصولهم على وضع لاجئ أقل بكثير من عتبة الـ75 بالمائة المطلوبة للانضمام إلى البرنامج.
الخوف من المجهول
ويقول كاكل أن أولئك الذين يتأهلون لإعادة التوطين ينتظرون في كثير من الأحيان لعدة أسابيع، ثم يُقال لهم أنهم سيُرسلون إلى قبرص أو بلغاريا، على سبيل المثال - وهما بلدان لا يعرفون عنهما شيئاً. وبعد ذلك، يختار كثيرون منهم مغادرة الفندق وشق طريقهم بأنفسهم إلى بلد من اختيارهم.
"في الصباح، يتم قبول بعض الناس في بلد لا يحبونه؛ وبحلول الليل يرحلون. إنها نفس القصة كل ليلة،" كما أفاد.
من جانبه، قال دانيال إسدراس، رئيس مكتب المنظمة الدولية للهجرة في اليونان، أن اللاجئين سيتشجعون على الذهاب إلى البلدان الأقل شهرة فقط عندما يسمعون تعليقات إيجابية من اللاجئين الآخرين الذين يعيشون هناك بالفعل.
"ما نقوله لهم ليس كافياً. دعنا نفترض أنك قادم من سوريا، وأنا أقول لك ستذهب إلى لاتفيا. فيقولون 'ما هي لاتفيا؟ هل سيتم وضعي في سجن هناك؟' ينبغي أن يقتنعوا، والمصدر الموثوق الوحيد هم اللاجئون الموجودون هناك بالفعل، الذين يجب أن يقولوا: 'هذا مكان لطيف. إننا نحصل على مدرسة للأطفال ولدينا منزل'".
ألمانيا، أياً كانت الظروف
وبعد هجمات باريس، أصرت البلدان المضيفة على زيادة الإجراءات الأمنية، التي تؤخر عملية إعادة التوطين، وغالباً ما تؤدي إلى انسحاب اللاجئين من البرنامج والاتجاه إلى شمال أوروبا دون فحص. ولكن السفر عبر غرب البلقان المغطى بالثلوج ليس مجدياً للجميع.
لدى محمود خليفة - مهندس كهربائي يبلغ من العمر 53 عاماً من مدينة حلب - وزوجته ثلاثة أطفال في سن المراهقة ويعانون جميعاً من صعوبات شديدة في التعلم. يقفز عبد الملك البالغ من العمر 16 عاماً، وآية البالغة من العمر 18 عاماً، ومحمد البالغ من العمر 19 عاماً في أنحاء غرفة الفندق الذي تقيم به الأسرة. وبعد 47 يوماً، لا يزالون ينتظرون قبول إعادة توطينهم في إحدى الدول.
وفي السياق نفسه، قال داهود أنه يتفهم المخاوف الأمنية للبلدان، ولكنه يصر على عزمه الوصول إلى شقيقه في ألمانيا، سواء من خلال برنامج إعادة التوطين أو من تلقاء نفسه إذا اضطر لذلك.
وأضاف: "لم أكن أخطط أبداً للذهاب إلى أوروبا ... ولكن ليس لدينا أي خيار آخر. في سوريا، تمكنت من تفادي قنابل النظام وأفلت من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنني فقدت أسرتي على بعد عدة أمتار من أوروبا. سوف نصل إلى ألمانيا، حتى لو أغلقوا جميع الحدود".
ac/ks/ag-ais/dvh"