تدفق الآلاف من الأردنيين على المستشفيات خلال الأشهر القليلة الماضية وهم يعانون من أمراض ناتجة عن تلوث المياه في مختلف القرى والمدن في المملكة. ويخشى الخبراء من وقوع المزيد من هذه الحوادث إذ لم يتم إيجاد حل سريع ودائم للنقص الذي تعانيه المملكة في مجال المياه.
وكانت الحادثة الأخيرة قد حصلت في مخيم للاجئين في مدينة إربد التي تبعد حوالي 120 كيلومتر شمال عمان، إذ أخبر سكان المخيم شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن مياه الحنفيات لديهم تحولت إلى اللون الأصفر وأنهم يخشون بأن تكون صحتهم باتت في خطر بسبب ذلك. وقال محمد عبد الله، أحد سكان المخيم الذي يعمل سائقاً لشاحنة في سوق الخضار بالمخيم: إننا لا نعرف ما الذي نشربه ولكنها حتماً ليست مياه نقية".
وبعد هذه الحادثة، قامت الحكومة مباشرة بإغلاق شبكة توزيع المياه نظراً لتخوف الخبراء من أن تكون مياهها قد تعرضت للتلوث من مياه المجاري.
وفي شهر يوليو/تموز الماضي، هرع حوالي 1,000 شخص من سكان قرية قريبة من مدينة المفرق بالشمال إلى المستشفى وهم يشتكون من إسهال شديد وحرارة مرتفعة ناتجة عن الإصابة بطفيل (كربتوسبوردين) المقاوم لمادة الكلورين المعقمة للمياه. وقد أظهرت التحريات بأن مصدر الإصابات هو شبكة المياه المهترئة التي توزع المياه على المدينة.
وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول، هرع حوالي 400 شخص من سكان قرية ساكب الوقعة بالقرب من مدينة جرش إلى المستشفيات وهم يشكون من نفس الأعراض. وبينما ألقت الحكومة اللوم في هذه الحادثة على مطعم محلي صغير اتهمته ببيع أغذية فاسدة، أصر السكان على أن السبب وراء الأعراض التي يعانون منها هو تلوث المياه.
ويعتبر الأردن واحداً من أكثر دول العالم فقراً في مجال الموارد المائية، إذ لا يتعدى استهلاك المواطن الأردني العادي من المياه 170 متراً مكعباً في اليوم مقابل 1,000 متر مكعب للشخص في الدول الغنية بالمياه. ولا يملك الأردن أية بحيرات طبيعية إذ تغطي الصحراء حوالي 92 بالمائة من أراضيه، بل يعتمد مياه الأمطار والمياه الجوفية لتزويد سكانه البالغ عددهم حوالي 5.6 مليون نسمة بالمياه.
وتفيد الأرقام الصادرة عن وزارة المياه والري أن ما لا يقل عن 45 بالمائة من إمدادات المياه تضيع بسبب التسربات.
كما تعمل الحكومة على تنفيذ برنامج صارم لترشيد استعمال المياه عن طريق ضخ المياه إلى المنازل مرة أو مرتين في الأسبوع فقط.
التلوث
ويقول خبراء المياه أن شبكة توزيع المياه المهترئة وعدم انتظام عملية الضخ هما السبب الرئيس وراء ظهور الأمراض المنقولة عن طريق المياه. وعن هذا الموضوع، قال سلامة الحياري، خبير المياه بالجامعة الأردنية: "بعد توقف عملية ضخ المياه عبر الشبكات المهترئة وتسربها أثناء الضخ فإنها ترجع من جديد إلى الشبكة ولكن بعد أن تكون قد التقطت مجموعة من الطفيليات والجراثيم التي تسبب الأمراض"، موضحاً بأن الضخ المستمر للمياه سيساعد على تفادي مثل هذه المشكلة.
مشاريع المياه
ويرى الحياري بأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو تجديد شبكة التوزيع والعثور على مصدر دائم للماء.
كما تدرس الحكومة مشروعاً طموحاً يقضي بضخ المياه الجوفية من الديسي جنوب عمان. وسيمكن هذا المشروع من ضخ المياه من عمق 300 كلم أسفل جبال وادي رم إلى العاصمة حيث سيتم بيعها للمواطنين مقابل "أسعار ملائمة وميسرة".
غير أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، إذ تظهر الدراسات بأنه سيستغرق حوالي خمس سنوات لتنفيذه.
الصورة: خرائط جوجل ![]() |
خريطة للاردن والمناطق المحيطة تبين أبار الديسي الجوفية ومشروع قناة البحرين |
وتعمل الحكومة أيضاً على مشروع آخر يُمكِّن من ربط البحر الميت بالبحر الأحمر عبر قناة يصل طولها إلى 250 كلم، وإنشاء محطة لتحلية المياه. ويرى المسؤولون في وزارة المياه بأن مشروعاً مثل هذا يعتبر الحل الوحيد والمعقول لوضع حد لهذه المشكلة الكبيرة.
كما تقوم مجموعة دولية بإجراء دراسة يمولها البنك الدولي لتحديد جدوى المشروع الذي تبلغ تكلفته حوالي 5 مليارات دولار وتأثيره على البيئة. وقال الحياري: "لن يرتاح لنا بال قبل اكتمال مشروع البحر الميت، ولكن محدودية الموارد المالية للأردن لن تمكننا من إنهاء هذه المعضلة دون الحصول على مساعدات دولية".
تدفق اللاجئين
وقد ألقى مسؤولون في وزارة المياه والري باللوم على "النمو غير المتوقع للسكان" باعتباره السبب الرئيس وراء تناقص الموارد المائية. وفي هذا الخصوص، أفاد نائل الزعبي، الناطق باسم الوزارة، أنه "تم بناء شبكة توزيع المياه على أساس الوتيرة الطبيعية للنمو السكاني، غير أن التدفق المفاجئ للاجئين العراقيين قد أضر بالشبكة".
ويستضيف الأردن حوالي نصف مليون لاجئ عراقي، كما أنه استمر على مدى 15 عاماً في استقبال حوالي 1.5 مليون لاجئ فلسطيني وعراقي، قدم بعضهم بعد الاجتياح العراقي للكويت وبعضهم بعد سقوط نظام صدام حسين.
وأفاد الزعبي بأن الحكومة بدأت خلال الخمس سنوات الماضية بالعمل على تجديد شبكة المياه، وقد أنفقت إلى الآن حوالي 270 مليون دولار على تجديد الشبكة في عمان و150 مليون دولار على مشاريع مائية في المناطق الأخرى.
وأشار الزعبي إلى أن "إعادة تأهيل شبكة توزيع المياه يحتاج إلى دعم مالي من المجتمع الدولي"، مضيفاً بأن المملكة تحتاج إلى حوالي 1.2 مليار دولار لتحسين شبكة المياه.
"