أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن المواجهات المسلحة المستمرة في أفغانستان أدت إلى تقييد حركة المساعدات الإنسانية الأمر الذي زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية المعقدة التي تعاني منها أجزاء كبيرة من البلاد.
وقال ريتو ستوكر، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أفغانستان لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): نلاحظ بأن الجنوب والجنوب الشرقي والشرق ومناطق متزايدة من الغرب تشهد ما يمكن أن نسميه وضع طوارئ".
ويعني "وضع الطوارئ" هذا أن المدنيين يعانون من انعدام أمن مستمر ويفتقرون للخدمات الأساسية في الوقت الذي تبقى فيه قدرة الدولة والمنظمات الإنسانية على مواجهة هذا الوضع محدودة جداً، حسب ستوكر.
فبعد ستة أعوام من الإطاحة بحكم طالبان إثر الغزو الذي شنه التحالف الذي قادته الولايات المتحدة وتعهد المجتمع الدولي بإعادة بناء أفغانستان لا تزال هناك حاجة ملحة لتدخل إنساني مستقل ومحايد لمساعدة الملايين من المستضعفين الأفغان، حسب منظمات الإغاثة.
وأفاد ستوكر بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تركز مساعداتها على المدنيين المتأثرين بالنزاعات، صادقت على رفع ميزانيتها المخصصة لأفغانستان بنسبة 30 بالمائة خلال 2008. فالمنظمة تنفق حالياً حوالي 35 مليون على الحماية والإغاثة الإنسانية والمساعدات الطبية في المناطق المتأثرة بالنزاع في البلاد. وسترتفع هذه الميزانية لتتجاوز 45 مليون دولار خلال العام المقبل.
وجهات نظر متطرفة
ويأتي تحذير اللجنة الدولية للصليب الأحمر في وقت أقرت فيه الأمم المتحدة بحصول تغيير "كبير" في طبيعة الحوادث الأمنية في أفغانستان.
فعلى عكس الحروب السابقة في أفغانستان، كان تأثير النزاع المسلح الدائر في البلاد حالياً على العمل الإنساني المستقل الأسوأ من نوعه، حسب الخبراء في هذا المجال.
وتتفق المنظمات الإنسانية التي عملت في أفغانستان لسنوات طويلة أنه خلال 26 عاماً من النزاع المسلح الذي شهدته أفغانستان، لم يتم استهداف عمال الإغاثة من قبل بمثل هذا الكم من الهجمات والتهديدات ولم يكن عملهم مقيد من قبل الأطراف المتنازعة كما هو الآن.
ويرى الخبراء في العمل الإنساني بأن التطرف في وجهات النظر لدى الأطراف المتقاتلة وعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين العسكري والإنساني ومحدودية التأقلم مع البيئة الاجتماعية والسياسية بالنسبة لبعض المنظمات، كلها أسباب أدت إلى تقلص حيادية واستقلالية المجال الإنساني.
الهجمات على موظفي الإغاثة
وأفاد تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة لمساندة أفغانستان في 21 سبتمبر/أيلول بأن وتيرة العنف الذي يعزى إلى التمرد ارتفعت بنسبة 30 بالمائة خلال عام 2007، متسببة بسقوط أكثر من 1,100 ضحية مدنية.
كما أوضح التقرير بأن وتيرة أعمال العنف التي تستهدف الموظفين الإنسانيين والتنمويين ارتفعت أيضاً، مشيراً إلى أنه خلال الفترة من 1 يناير/كانون الأول إلى 6 أغسطس/آب 2007، تعرضت 41 قافلة إنسانية للهجوم، وتم اختطاف 69 موظفاً إنسانياً (44 منهم محليون و25 دوليون) يعملون في مختلف المنظمات الإنسانية المحلية والدولية. كما لقي 41 موظفا إنسانياً حتفهم، 34 منهم محليون و7 دوليون.
ونتيجة لذلك، تعتبر الأمم المتحدة ثلث الأراضي الأفغانية مناطق "لا يمكن الوصول إليها"، ونصف البلاد تقريباً "مناطق يشتد فيها خطر الاختطاف"، الأمر الذي يجعل العمل الإنساني معقداً ومحدوداً بشكل كبير.
وفي هذا الإطار، قال ريتو ستوكر: "إن أية عملية إغاثة نموذجية تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مناطق النزاع الريفية تشمل إرسال فريق من اللجنة في مهمة تقييم للاحتياجات وتحديد المستفيدين وتوزيع المساعدات وتقييم مرحلة ما بعد التوزيع...غير أن معظم هذه الخطوات لم تعد ممكنة بالنسبة لموظفينا في ظل القيود الأمنية الحالية. وحتى جمعية الهلال الأحمر الأفغاني، التي تعتبر شريكنا في التنفيذ، تعاني من أجل توصيل المساعدات الأساسية لبعض المناطق من البلاد بالرغم من شبكة متطوعيها البالغ عددهم حوالي 20,000 متطوع.
ابتكار طرق جديدة لتوصيل المساعدات
وتجد المنظمات الإنسانية نفسها مضطرة، بسبب كل ما سبق، لابتكار طرق جديدة تمكنها من توصيل المساعدات للمحتاجين إليها والقيام بمهامها الإنسانية.
الصورة: أكمل داوي/إيرين |
تعتبر النساء والأطفال من أكثر الفئات تضرراً في حالات الطوارئ الإنسانية |
وقد مكن هذا من إنجاح حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في شهر سبتمبر/أيلول في المناطق التي يسودها التوتر في الأقاليم الواقعة جنوب وجنوب شرق البلاد بعد أن قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتسهيل المحادثات مع متمردي طالبان، وتمكنت من كسب موافقتهم على دعم المشروع المشترك بين الأمم المتحدة ووزارة الصحة العامة، حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
أما مات والدمن من أوكسفام، فيرى أنه من الضروري جداً المحافظة على حيادية العمل الإنساني عندما تضطر المنظمات الإنسانية للالتجاء إلى الأطراف المتنازعة من أجل الوصول والسلامة إذ قال: "من حق كل المنظمات العاملة هنا أن تحاول توسيع عملياتها للوصول إلى أكثر عدد من المحتاجين، ولكن الأمر الأهم هو عدم مخاطرتها بمبادئ العمل الإنساني التي تتمثل في الاستقلالية والحيادية والإنسانية".
"