كان الشيخ نوح يعتقد قبل شهرين فقط بأن الموسم سيكون أفضل هذا العام بالنسبة للآلاف من القرويين الذين يعيشون بالقرب من نهر شبيلي، جنوب الصومال. فقد حاول السكان استئناف حياتهم من جديد عن طريق إعادة بناء منازلهم وزراعة المحاصيل في الأودية الخصبة بعد الدمار الذي شهدته المنطقة عقب الفيضانات التي ضربت البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2006.
وتحدث نوح، وهو كبير وجهاء قرية بودالي التي تقع على بعد 30 كلم جنوب جوهر، عاصمة الإقليم، عن أحد الأسباب التي ساهمت في حدوث الكارثة قائلاً: في البداية كانت هناك قناة صغيرة للري...ومن ثم بنيت قناة أخرى بالقرب منها وتلتها قناة ثالثة. لقد أدى كل هذا إلى جعل المنطقة ضعيفة فاستطاع النهر أن يحطم أطرافها". يومها، ارتد النهر إلى القرى والمزارع مدمراً حقول الذرة وأشجار الموز والفواكه والمرعي الخضراء.
وبعد 55 يوماً من ذلك، كان القرويون في قرى بودالي ودايمو وجيلالي وباكديلي وتوفيق يواجهون الفيضان. فبينما كان الأطفال يلعبون ألعاباً مائية في قرية بودالي، اجتمع رجال القرية عند ضفاف النهر الفائض لتجميع أكياس من الرمل والمعادن في محاولة لوقف المياه التي يملؤها الوحل من التدفق إلى أراضيهم.
من جهته، قال حسين محمد ديري، نائب حاكم ولاية شبيلي الوسطى: "نحن في الصومال في حالة طوارئ طوال الوقت... لقد أصابت الفيضانات المزارع وقطعت الطرق ونحن نواجه مشكلة تلو الأخرى. وفيضان النهر ينشر الفقر بين الناس".
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) التي تسعى إلى إقامة سد لوقف الفيضان وتوفير القوارب لعمال الإغاثة والمواد الإغاثية للسكان، تضررت حوالي 430 عائلة من الفيضان.
وقال محمد عبدي شافعي، مسؤول الارتباط بمكتب اليونسيف في جوهر بأن "جميع مزارع القرويين ومحاصيلهم التي قاموا بتخزينها تحت الأرض قد دمرت" وأن "24 قرية حتى بلد تأثرت [بالفيضانات] بينما انقطع الطريق الرئيسي المؤدي إلى مقديشو".
كما أشار السكان إلى أن 11 قرية في بلد التي تقع على بعد 30 كلم شمال العاصمة الصومالية قد غمرتها المياه، مما أدى إلى تشريد المئات من الأشخاص الذين أصبحوا في أمس الحاجة للمساعدة. كما أصبح الطريق المؤدي إلى جوهر صعب الاجتياز.
ارتفاع منسوب المياه في النهر
ووفقاً للخبراء، أدت أمطار "كريميتي" التي سقطت على المرتفعات الإثيوبية إلى رفع مستوى مياه النهر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مما زاد المخاوف من أن يتعرض الصومال للمزيد من الفيضانات في الوقت الحاضر مع بداية موسم "دير" الممطر. وتنبأ مشروع إدارة المعلومات حول المياه والأرض في الصومال التابع لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بأن مياه نهر شبيلي سترتفع أكثر مع بداية موسم "دير" في أكتوبر/تشرين الأول.
وقد وردت أنباء بالفعل عن حدوث بعض الفيضانات المحلية في جودي وإثيوبيا وشبيلي التي تحدث عادة خلال هذا الموسم. ومن المتوقع أن تزيد السدود الضعيفة من تفاقم حدة الفيضان.
وقد تركت الذكريات المروعة للفيضانات التي حدثت نهاية العام الماضي أثراً كبيراً في نفس السكان القاطنين على ضفاف النهر وزرعت الخوف في قلوبهم. وكغيره من السكان، ينتاب القلق عثمان حجي عبدلي، مفوض إقليم جوهر الذي قال: "لقد تسببت الفيضانات في مقتل اثنين من أقاربي العام الماضي اللذين حاولا الذهاب إلى اليمن. لقد ماتا في القارب الذي استقلاهما في محاولة الهرب".
ويقول عمال الإغاثة في جوهر أن 100 قرية على الأقل من القرى القريبة من ضفاف النهر قد تضررت في حال فاضت المياه المستمرة في الارتفاع. ومازال العديد من السكان القاطنين في هذه القرى يعانون من آثار فيضانات العام الماضي المدمرة.
وقالت خديجة مقصيد، 25 عاماً، بينما كانت تنتظر دورها في طابور للحصول على حصصها الغذائية التي يوزعها برنامج الأغذية العالمي في قرية دياغاوان، شمال جوهر: "لقد كنا نزرع غذاءنا ولكن منذ أن ضربت الفيضانات هذه المنطقة، لم يعد لدينا أي طعام...من المحزن أننا نكسب المال الآن من قص العشب وبيعه في المدينة، في الوقت الذي ارتفع سعر الطعام ثلاثة أضعاف".
وقد ساهمت الفيضانات ومياه الأمطار الشحيحة واستمرار النزاع في جعل الوضع الإنساني في منطقة شبيلي ينذر بكارثة. فعلى سبيل المثال ارتفع سعر الأرز، الذي يعد الطعام الرئيسي لمعظم الناس في المنطقة، ثلاثة أضعاف.
الصورة: مانوتشير ديغاتي/إيرين ![]() |
نازحون يستلمون وجبات طعام يوزعها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في جوهر |
وعلى الصعيد نفسه، سببت التحذيرات التي تنبأت بوقوع الأسوأ قريباً القلق للخبراء المحليين حيث قال عبد الرحمن إسحق، مسؤول مياه في الإقليم: "على أحدهم أن ينظم استخدام المياه في الري حتى نقلل من مخاطر انحراف مياه النهر...إنه إجراء عادي يقوم من خلاله موظف بمراقبة النهر. ولكن لا يوجد من يقوم بذلك".
وقبل عام 1991، عندما سقطت حكومة سيد بري، كانت البوابات التي تتحكم بتدفق مياه النهر إلى المزارع مازالت تعمل وتزود منطقة شبيلي بكميات كافية ومتحكم بها من المياه.
التكييف
وتساعد المنظمات غير الحكومية القليلة العاملة في المنطقة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر في توصيل مواد الإغاثة إلى المتأثرين ولكن في حال فاض النهر مجدداً سيزداد عدد المتأثرين المحتاجين إلى المساعدة. ولكن يبقى القلق الأكبر هو عدم قدرة السلطات الصومالية على المساعدة.
وحول وضع السكان قال بالسيف-أولسين: "أصبح الناس في هذا البلد ضعفاء لأنه تم إهمالهم لمدة طويلة. ويعود جزء من ذلك إلى الخوف من الوضع الأمني [في البلاد]...فالخوف يعيق تقدم المسيرة السياسية والتدخل الإنساني".
ومنذ ديسمبر/كانون الأول، عندما قامت قوات صومالية-إثيوبية بإقصاء المحاكم الإسلامية التي تمكنت من تحقيق أوضاع شبه آمنة في أجزاء من الصومال، تردت الأوضاع الأمنية في البلاد وخاصة في مقديشو. ولكن القادة المحليين يقولون بأن القدرة على التكييف التي مكنت الشعب الصومالي من التأقلم مع 16 سنة من انعدام القانون ستمكنهم أيضاً من الأمل في مستقبل أفضل، وخاصة إذا تقدم المجتمع الدولي بالمساعدة.
"