1. الرئيسية
  2. Middle East and North Africa
  3. Lebanon

تحليل: روابط الصراع في الأزمة السورية-اللبنانية

View of Jebel Mohsen neighbourhood, Tripoli, northern Lebanon. Jebel Mohsen's residents, mostly Alawi, have been at odds with the mostly Sunni residents of Bab al-Tabbaneh. The Syrian conflict has made their age-old sectarian tensions worse Anja Pietsch/IRIN

 ظلت مدينة طرابلس في شمال لبنان منقسمة خلال أكثر من جيل، وهي موطن لغالبية أفراد الطائفة العلوية الشيعية في لبنان، ولكنها أيضاً أحد معاقل المحافظين من السنة. وظلت الطائفتان العلوية والسنية، اللتان تقيمان في منطقتين منفصلتين هما جبل محسن وباب التبانة على خلاف منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، ولقي المئات مصرعهم في أسوأ أعمال عنف في عام 1986. وتعد الطريق التي تفصل بين الفريقين المتمترسين - والتي أطلق عليها إسم مناسب هو شارع سوريا - هي الخط الفاصل الوحيد الذي ما زال موجوداً في لبنان بعد 22 عاماً من انتهاء الحرب.

وأدى اندلاع الصراع في سوريا في الأشهر الأخيرة وتدفق الآلاف من اللاجئين السوريين إلى لبنان إلى تجدد وزيادة تلك التوترات بين العلويين الذين يدعمون الرئيس السوري، بشار الأسد، والسنة المتعاطفين مع الجيش السوري الحر المتمرد والمعارضة. هذا وقد قُتل أكثر من 30 لبنانياً من كلا الجانبين خلال القتال بين الطائفتين منذ بداية الإنتفاضة السورية في مارس 2011. وفي حين يبدو أن وقف إطلاق النار الهش في طرابلس - الذي تم التوصل إليه في أوائل شهر يونيو - ما زال قائماً بصفة عامة، فإن اشتباكات متقطعة تقع كل يوم، علماً أنه من الشائع أن ترى المدنيين يحملون السلاح في هذه المنطقة.

ورغم خطر سقوط لبنان في أتون الصراع السوري، فإن العكس صحيح أيضاً: المعارضون السوريون معرضون أيضاً بنفس القدر لخطر الانجرار إلى الصراع الطائفي اللبناني الذي طال أمده. فقد أسفر الصراع السوري بالفعل عن مقتل ما لا يقل عن 10,000 شخص، وفقاً للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ونزوح ما لا يقل عن 500,000 شخص داخل البلاد، بحسب منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، كما تم تسجيل 86,000 لاجئ آخر في البلدان المجاورة. كذلك، لا تعمل الخدمات الأساسية بشكل ملائم، وقد تعرّض الاقتصاد لضربات موجعة ليس فقط بسبب الصراع، وإنما أيضاً من جراء العقوبات الاقتصادية القوية التأثير، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وأسعار المواد الغذائية. وينتشر الفقر وعدم الاستقرار السياسي في لبنان الذي عانى أصلاً من حروب استمرت لعقود عديدة. وبالتالي فإن كلا البلدين معرضين لخسائر فادحة.

العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسة

كان للعداء الطائفي والسياسي في طرابلس بالفعل عواقب حقيقية أثرت على الناس العاديين في كلا الجانبين. فأشار محمود، وهو بائع محلي في أزقة سوق طرابلس، إلى أنه تم مؤخراً إحراق المتجر المجاور الذي يملكه شخص علوي، موضحاً أن "صاحب هذا المتجر المحترق دفع ثمن الخلافات بين العناصر المؤذية". وصرخ عمر، وهو شاب لديه لحية طويلة، عندما سُئل عن المتجر قائلاً: "إذا كان هؤلاء الكفار يريدون بشار الأسد، فعليهم الذهاب إلى سوريا". لقد باتت المخاطر التي تواجه المدنيين هنا كبيرة، نظراً لاعتراف بعض السنة علناً بإمكانية تصعيد استهداف المدنيين العلويين.

ويقول فيصل متفاخراً: "إنهم الآن لا يجرؤون على مغادرة جبلهم لأننا سوف نضربهم مرة أخرى". ويشيد فيصل، وهو صاحب متجر ثرثار في سوق طرابلس، بابن عمه الذي قاتل في باب التبانة، ويضيف: "إن العلويين الذين ما زالوا في وسط المدينة هم من العمال السوريين، وليسوا لبنانيين. لن يمسّهم أحد بسوء، ولكن إذا نشبت حرب أهلية، سيُقتلون لأن الحروب لا تعرف القواعد الأخلاقية". وإذا صح القياس على التاريخ، فإن الأشخاص الذين أصبحوا فقراء معوزين بسبب القتال هم الأكثر عرضةً ليتم زجّهم في دوامة العنف مرة أخرى. وكما وصف الفريق الدولي المعني بالأزمات الوضع في تقرير موجز صدر في أكتوبر 2010، يوفر انضمام الشباب السني في باب التبانة إلى إحدى الجماعات الإسلامية الكثيرة التي انتشرت بحرية نسبية منذ انسحاب الجيش السوري، بديلاً جذاباً عن الكسل والفشل الاجتماعي".

وتجدر الإشارة إلى أن بعض السياسيين اللبنانيين قد اتُهموا باستغلال الإحباط السائد في تلك الأحياء الفقيرة، وتزويد السكان بالسلاح. وأضاف التقرير الموجز الصادر في عام 2010 أن "العناصر الفاعلة الخارجية نقلت صراعاتها إلى هناك [طرابلس] عن طريق دعم المقاتلين المحليين في صراع أقل كلفة ويمكن إدارته بسهولة أكبر مقارنةً بحرب مفتوحة في العاصمة ... تماماً كما يستخدم المقاتلون المحليون نضالهم لجذب الدعم الخارجي الهام".

انعدام الثقة في الجيش اللبناني والاستخبارات

توجد لافتة ضخمة معلقة في إحدى الساحات الرئيسية في طرابلس، وهي ساحة التل، كُتب عليها: "دفاعاً عن الأمن والاستقرار في طرابلس". وتعج المدينة بأسرها بهذا النوع من الشعارات، لكن تحت قشرة الثقة هذه، يشكك بعض السكان في قدرة الجيش على حفظ السلام. ومن وراء كشك صغير في زاوية إحدى الشوارع، يقول بائع قهوة يدعى خالد أنه لا يثق كثيراً في المؤسسة العسكرية، ويضيف ضاحكاً: "ماذا تريد منهم أن يفعلوا؟ إنهم يتنحون جانباً".

وتملأ الأسلحة والتعليقات القرآنية غرفة الجلوس في شقة الشيخ بلال المصري، وهو زعيم سني يقاتل على الخطوط الأمامية في باب التبانة. ويقول المصري أن الجيش - الذي يقتصر نشاطه عادةً على الوقوف بين الجانبين - بدأ يؤدي عمله عندما رد على إطلاق نار قادم من منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية، في مناسبة واحدة مؤخراً. لكنه يشدد على أن الجيش لا يزال منقسماً بسبب الخصومات السياسية.

وفي السياق نفسه، يشكك سكان جبل محسن أيضاً في قدرة الجيش على ضمان أمنهم. فقد أكد رفعت عيد، رئيس الحزب العربي الديمقراطي المؤيد للأسد، في حديث لصحيفة الأخبار اليومية اللبنانية أنه "بالنسبة لنا، السلاح أكثر أهمية من الطعام. لدينا ثقة بالجيش، ولكنه لا يستطيع ضمان سلامتنا في ظل ظروف معينة". هذا ويُنظر إلى الجيش اللبناني بصفة عامة على أنه "متفرّج" عند وقوع اشتباكات مسلحة، وذلك لأن بعض الأحزاب، مثل حزب الله، أفضل تجهيزاً بكثير، ولأن السياسة اللبنانية مقسمة إلى حد كبير. ويُعتقد أن حكومة نجيب ميقاتي الحالية، فضلاً عن مخابرات الجيش والأمن العام، متحالفة مع دمشق، في حين أن قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات التابع لها أقرب إلى تحالف 14 آذار المعارض الذي تدعمه المملكة العربية السعودية، كما يقول المحللون.

المعارضة السورية والطائفة السنية في لبنان: بين التعاطف والتحالف العسكري

التوتر واضح في مستشفى طرابلس الحكومي. ففي لقاء مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أشارت ممرضة في المستشفى إلى ثقوب أحدثها الرصاص في جدار إحدى الغرف المطلة على جبل محسن، ما يشير إلى أن الطلقات كانت تستهدف المرضى السنة من السوريين، الذين لا يجرؤون على الإطلال برؤوسهم خارج النوافذ، خوفاً من تعرضهم للقتل. ويدعي 50 مريضاً سورياً في المستشفى أنهم من المدنيين، ولكن الخط الفاصل بين المعارضة المسلحة والمتظاهرين السلميين يصبح أقل وضوحاً يوماً بعد يوم. ومع ذلك، ما زالت طرابلس إحدى الوجهات الأكثر أماناً في لبنان بالنسبة للاجئين، وغالبيتهم من السنة السوريين، ويرجع ذلك إلى الدعم السني للانتفاضة، كما أن لبنان يمثل نقطة عبور لإمدادات الإغاثة المتجهة إلى سوريا. لكن المحللين يتساءلون على نحو متزايد عما إذا كانت العلاقات بين السنة اللبنانيين والسوريين تتجاوز حدود التعاطف المتبادل وتصل إلى درجة التعاون العسكري.

وسمير* شاب سوري من مدينة حمص يبلغ من العمر 23 عاماً، وهو الآن عضو في تجمع سوري لمنظمات المجتمع الإنساني والمدني في لبنان أطلق عليه إسم "وطن"، يقول أن هناك حدوداً واضحة تمنع مشاركته في الاشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن: "إذا نشبت حرب أهلية في لبنان، سوف نرحل. نحن لسنا هنا لتصدير ثورتنا، وإنما نحن بحاجة إلى لبنان كقاعدة لأنشطتنا". ويعمل وليد* (27 عاماً) مع منظمة إنسانية أخرى، وهي لجان التنسيق لشؤون اللاجئين السوريين في لبنان، وهو يتبنى وجهات نظر مختلفة حول العلاقة بين السوريين وباب التبانة: "كنت أرغب في التطوع كمقاتل في باب التبانة، ولكنهم رفضوا مشاركتي. أردت أن أقاتل لأن بعض العلويين من جبل محسن شاركوا في قتل المتظاهرين في مدينتي حمص. لقد جاؤوا لدعم العلويين في حمص وذبح شعبنا."

Burnt shop of an Alawite resident of Jebel Mohsen neighbourhood, Tripoli, northern Lebanon, June 2012. Sectarian tensions have risen due to the spillover of the Syrian crisis
الصورة: أنجا بييتش/إيرين
أحد المتاجر المحترقة في طرابلس. فقد تعرض الاقتصاد اللبناني إلى ضربات موجعة بسبب الصراع


وأكد المصري، الزعيم السني، رفض المتطوعين السوريين، لكنه يقول أن الروابط بين القوات الحكومية الموالية لسوريا على جانبي الحدود أقوى. وأضاف أن ضباطاً سوريين وآخرين تابعين لحزب الله يزودون العلويين اللبنانيين بالسلاح والدعم على الأرض. أما وسائل الإعلام المؤيدة لسوريا، فهي تعكس صورة مختلفة عن الوضع. فقد اتهم مقال في صحيفة الأخبار اللبنانية المؤيدة لحزب الله رياض الأسعد، قائد الجيش السوري الحر، بزيارة طرابلس لمسح المنطقة، بحثاً عن "منطقة عازلة مثالية". هذا وينفي المصري وجود وحدة سنية لبنانية تتكون من 300 رجل ضمن الجيش السوري الحر في سوريا (كما ذكر مؤخراً نيكولاس بلانفورد، وهو كاتب ومحلل لشؤون الشرق الأوسط)، كما نفى وجود معسكرات للجيش السوري الحر في لبنان. "لقد أرسلنا رجالنا إلى سوريا ولكن مشاركتهم قوبلت بالرفض. قالوا لنا: نحن لسنا بحاجة إليكم، ولكن أعطونا أسلحة، إذا كان ذلك ممكناً". ولكنه اعترف بتهريب الأسلحة والمواد الغذائية إلى الجيش السوري الحر عبر الحدود اللبنانية، عن طريق رشوة مسؤولين سوريين.

ولدى الجيش السوري الحر والقوى المؤيدة لسوريا، بقيادة حزب الله، أسباب خاصة لإنكار أي تسلل عبر الحدود الوطنية. فيخشى الجيش السوري الحر أن يتم اتهامه بإشعال التوترات القائمة في لبنان، والقوى المؤيدة لسوريا تريد منع انفجار جديد لاستياء الطائفة السنية. باختصار، لا أحد يريد أن يُلام على اندلاع حرب أهلية جديدة في لبنان. ولكن في غياب تسوية سريعة مع جبل محسن، سيصبح التوتر في كلا البلدين متشابكاً على نحو متزايد، ويتوقع المحللون أن يستعين السنيون اللبنانيون بإخوانهم عبر الحدود لمحاربة أعدائهم المحليين، أي حزب الله، في نهاية المطاف. هذا وقد بدأت أصلاً عمليات الخطف المتبادلة تحجب الخطوط الفاصلة بين الصراعين: فقد تورط السنيون السوريون في اختطاف لبنانيين شيعة؛ وتورط ضباط سوريون في اختطاف سنيين لبنانيين؛ وتورط السنيون اللبنانيون في اختطاف علويين لبنانيين.

من المستفيد من الاشتباكات؟

يقول المحللون أن كلا الجانبين في لبنان يستطيع تحقيق مكاسب من الاشتباكات. فقد استغل تيار المستقبل المناهض لسوريا، والذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، والذي أُجبر على التنحي من منصبه في يناير 2011، الاشتباكات التي وقعت باعتبارها فرصة للدعوة إلى استقالة رئيس الوزراء الحالي، بحجة أنه لم يتمكن من حفظ الأمن في طرابلس.

ولكن من وجهة نظر مقاتلي باب التبانة، وكذلك العديد من المحللين، تستطيع الحكومة السورية تحقيق مكاسب أكثر. فيؤكد المصري أن "أكثر ما يهتم به النظام السوري هو تشتيت انتباه وسائل الإعلام عمّا يجري في سوريا. ثانياً، يريد بشار الضغط على المجتمع الدولي عن طريق الادعاء بأنه قادر على التسبب بحرب أهلية في لبنان." وقال كل من مقاتلي باب التبانة والناطقين باسم الحزب العربي الديمقراطي لصحيفة ديلي ستار اللبنانية، أن حزب الله هو الذي يقوم بتوريد الأسلحة إلى كل من العلويين والسنة في طرابلس، ما يوحي بأن الهدف هو زعزعة استقرار لبنان - بغض النظر عن المنتصر - من أجل صرف الانتباه عن الوضع في سوريا.

* ليست أسماء حقيقية

ag/kb/ha/cb/oa-ais/bb

This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions

Share this article

Get the day’s top headlines in your inbox every morning

Starting at just $5 a month, you can become a member of The New Humanitarian and receive our premium newsletter, DAWNS Digest.

DAWNS Digest has been the trusted essential morning read for global aid and foreign policy professionals for more than 10 years.

Government, media, global governance organisations, NGOs, academics, and more subscribe to DAWNS to receive the day’s top global headlines of news and analysis in their inboxes every weekday morning.

It’s the perfect way to start your day.

Become a member of The New Humanitarian today and you’ll automatically be subscribed to DAWNS Digest – free of charge.

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join