لم يتبق من بيت فاتن مسلماني سوى أربعة جدران وسقف تتخلله أعمدة الإسمنت، فقد تسببت القذائف الإسرائيلية في هدم بيتها الواقع في قرية الغندورية جنوب لبنان خلال الحرب الأخيرة بين الجناح العسكري لحزب الله والقوات الإسرائيلية. وتولت الحكومة توزيع تعويضات لإعادة بناء ما تهدم، غير أن هذه التعويضات التي جاءت في الربيع لم تكف سوى لوضع الأساسات والجدران، وتوقف العمل في بناء البيت إلى الآن.
وقالت فاتن أن الوحيدين في القرية الذين استطاعوا استكمال أعمال إعادة بناء بيوتهم هم الذين يقدرون على تحمل تكاليف البناء على نفقتهم الخاصة". وأضافت قائلة: "نحن لا نقدر على ذلك ولا نعلم موعد حصولنا على الدفعة الثانية من التعويضات".
ويحصل السكان الذين فقدوا بيوتهم خلال الحرب على تعويضات يتم دفعها على مرتين حتى مبلغ لا يتجاوز 40,000 دولار أو مرة واحدة إذا كان المبلغ أقل من 8,000 دولار. وكان القصف الإسرائيلي قد دمر حوالي 120,00 منزلاً و862 مدرسة في الجنوب وفي الضاحية الجنوبية لبيروت. كما دمر 91 جسراً، حسب تصريح الحكومة.
ونتيجة لعدم قدرتها على إكمال إعادة بناء بيتها، وجدت عائلة مسلماني نفسها مجبرة على استئجار شقة في الجوار، قاموا بفرش غرفها بما يستطيعون تدبره من أثاث بسيط.
وكان حزب الله قد قدم لهذه الأسرة المكونة من ثلاثة أشخاص مبلغاً يكفيها لتغطية قيمة سنة من الإيجار، إلا أن السنة قد انتهت الآن حيث قالت فاتن: "نحن ندفع الإيجار من جيبنا، وذلك يرهق ميزانيتنا المتواضعة. لقد تعبنا من الوضع وكلنا أمل في أن نتمكن من العودة إلى حياتنا".
وكانت قرية الغندورية، التي تحتل موقعاً استراتيجياً على نهر الليطاني وتأوي حوالي 2,000 شخص، من أكثر المناطق تضرراً من القصف الإسرائيلي الأخير. وهذه هي المرة الثانية التي تتعرض فيها هذه القرية لمثل هذا القصف، حيث كانت القوات الإسرائيلية على وشك إبادتها خلال غزو عام 1978. وقال خالد حمود، مسؤول السجلات في بلدية القرية ومدير المدرسة المحلية: "لم يبق هناك يومها أي بيت قائم تقريباً. إن سكان الغندورية صامدون".
أما هذه المرة، فقد تم هدم 70 منزلاً وإلحاق أضرار بليغة بحوالي 100 منزل آخر. وأوضح خالد بأن القرويين يعيدون بناء بيوتهم في الوقت الذي تكفلت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة بإعادة تأهيل بناية المدرسة، ولكن عدم توفر الأثاث المدرسي وأجهزة الحاسب الآلي يضطر الأطفال إلى الذهاب لمتابعة دراستهم في المدينة المجاورة.
التضخم يضعف مبالغ التعويض
كما أوضح خالد بأن "الأزمة التي يواجها السكان الآن هو التضخم في أسعار مواد البناء والإسمنت والرمل والزجاج، وارتفاعها بشكل كبير نتيجة ازدياد الطلب عليها... وهذا يعني أن قيمة التعويضات التي حصل عليها المتضررون قد انخفضت"، حيث أن المبلغ الذي كان سيغطي حوالي 50 بالمائة من عملية إعادة البناء لا يغطي الآن سوى 30 أو 40 بالمائة.
ويعتقد السكان المحليون بأن الخلاف السياسي الذي استمر لمدة سنتين بين الولايات المتحدة والحكومة المدعومة من السعودية من جهة والمعارضة التي يقودها حزب الله من جهة أخرى قد زاد من تأخير الحصول على التعويضات.
وفي الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يوم 14 أغسطس/آب لإحياء ذكرى مرور سنة على نهاية الحرب، اتهم الحكومة بتأخير التعويضات، قائلاً بأن "الدولة حصلت على ما يقارب المليار دولار من أجل مساعدة الذين تضرروا من آثار الحرب، وهذا المليار دولار بالحد الأدنى هو حق الناس ويجب أن يؤدى إليهم حقهم". كما أضاف بأن حزب الله قام بتقديم حوالي 381 مليون دولار لمساعدة المتضررين على دفع الإيجارات وشراء الأثاث والقيام بالتصليحات، كما ساعد المزارعين والصيادين ورجال الأعمال وعمال النقل، وسيقوم أيضاً بتقديم المبالغ اللازمة لتجديد الإيجارات.
من جهتها نفت رولى حمادة من المجلس الأعلى للإغاثة اتهامات حسن نصر الله قائلة: "ما قاله حسن نصر الله عن احتجازنا لمبالغ المساعدات غير صحيح، فنحن لم نحصل على كل المبالغ التي وُعِدنا بها من أجل إعادة الإعمار. إن اتهامه اتهام سياسي". وتوضح ميزانية الدولة حصولها على 705 مليون دولار من الدول العربية و496 مليون دولار من الدول الغربية لتغطية تكاليف إعادة البناء.
الضاحية الجنوبية لبيروت
الصورة: لوسي فيلدر/إيرين |
جنوب لبنان الذي دمر في حرب تموز الماضي |
من جهته، أوضح نصري عبد النور من شركة خطيب وعلمي للبناء التي تعاقد المجلس الأعلى للإغاثة التابع للحكومة من أجل تولي عمليات إعادة الإعمار بأن "العديد من المستفيدين يتأخرون في تقديم الوثائق المطلوبة لإثبات الملكية القانونية، وذلك لعدم تسجيلهم لبيوتهم"، خصوصاً وأن البناية الواحدة تضم أحياناً حوالي 30 مالكاً.
أما رولى، فقد أكدت بأن الحكومة قد أسست حسابات باسم المستفيدين وبأن الدفعة الثانية قادمة "في الطريق".
"شكراً إيران"
وقامت بعض الدول بتولي مشاريع إعادة إعمار مباشرة وليست عن طريق الدولة، حيث تكفلت قطر بالقرى الأكثر تضرراً بالحدود وهي بنت جبيل وعيتا الشعب وعيناتا والخيام في حين تكفلت الإمارات العربية المتحدة بإعادة تأهيل المدارس، في حين ظلت إيران أحد أهم الأطراف التي تتولى مشاريع إعادة الإعمار. فوفقاً لمصدر إيرانية، تكفلت إيران بحوالي 1,300 مشروع، بما فيها مشاريع إعادة إعمار المساجد والكنائس و13 جسراً والعديد من الطرقات والمستشفيات وإنشاء الحدائق في جميع أنحاء الجنوب. وهذا ما يفسر وجود لافتات على البيوت كتب عليها باللغتين العربية والإنجليزية "شكراً إيران".
نحن نتدبر أمورنا الآن، ولكن الشتاء بارد هنا ولست أدري كيف سنتمكن من مواجهته |
في حين تشير الأرملة خديجة ملكاني إلى آثار الرصاص على جدران بيتها وإلى السقف المتهدم قائلة: "حصلنا على مبلغ 4,000 دولار مكننا من إنهاء غرفة واحدة فقط…نحن نتدبر أمورنا الآن، ولكن الشتاء بارد هنا ولست أدري كيف سنتمكن من مواجهته".
"