يحتفظ جاسم عبد الرحمن، 34 عاماً، من مدينة الصدر، إحدى ضواحي بغداد، في الفناء الخلفي لمنزله بست براميل يملؤها يومياً بالبنزين لتشغيل مولده الصغير. ففي الوقت الذي لا يدوم فيه التزويد بالكهرباء أكثر من أربع ساعات في اليوم، وبوجود طفل حديث الولادة في المنزل، يأبى عبد الرحمن أن يترك عائلته تعاني في هذا الجو الحار، ولذلك يصرف أكثر من نصف راتبه، الذي لا يتعدى 380 دولار، على إصلاح وتزويد المولد بالوقود.
ويقول عبد الرحمن عما يعانيه وعائلته: في معظم الأوقات لا يوجد كهرباء في منزلنا. وعندما يتعطل المولد نحتاج لساعات لإصلاحه. يبكي أطفالي عندها من شدة الحر ونضطر دائماً للتخلص من كميات كبيرة من الطعام الذي يفسد [بسبب الحرارة]".
وأضاف قائلاً: "لا يتوفر الوقود في محطات البنزين وعليّ أن أشتريه من السوق السوداء بسعر مرتفع. أدفع نقوداً كثيرة يمكن أن أصرفها على شراء الطعام لأسرتي".
وكان تزويد الكهرباء قد شهد تدهوراً كبيراً في العراق خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث أصبح الملايين من الناس لا يحصلون سوى على ثلاث ساعات أو أقل من الكهرباء في اليوم، وفقاً لرابطة المعونة العراقية.
واعترفت وزارة الكهرباء العراقية بعدم قدرتها على سد احتياجات المواطنين من الكهرباء، معزية السبب في ذلك لنقص الوقود واستمرار أعمال العنف في العديد من مناطق البلاد.
وأوضح عماد رفيد، وهو مسؤول رفيع المستوى في وزارة الكهرباء بأن إمدادات الكهرباء المتوفرة كافية لسد حاجة نصف السكان فقط، حيث قال: "يحول العنف دون إكمال عمليات إصلاح الأعطال في العديد من المناطق الخطرة، وهذه هي المناطق التي تعاني من نقص كبير في الكهرباء". وأضاف بأن الوضع اليوم أسوأ من أي وقت مضى منذ فرض الأمم المتحدة عقوبات على العراق في التسعينيات.
كما قال رفيد بأن المشكلة أكثر خطورة في العاصمة، وخصوصاً في ضواحيها، وبأن حلها لا يزال بعيد المنال بسبب العنف.
نقص الوقود
من جهتها، أفادت وزارة النفط العراقية بأن هنالك نقص حاد في الوقود بسبب إنتاج مصافي النفط كميات أقل من قدرتها وبسبب الهجمات الإرهابية عليها. كما أن العديد من الموظفين يتخلون عن وظائفهم فيها خوفاً من أن يتعرضوا لهجمات إرهابية، مما يزيد الأزمة تفاقماً.
ويمكن للمار بالقرب من محطات الوقود أن يرى الطوابير الطويلة من الأشخاص الذين ينتظرون تحت الشمس الحارقة للحصول على الوقود من هذه المحطات التي لا تعمل إلا لساعات قليلة فقط، ولا تبيع وقودها إلا للسائقين لعدم جواز شراء البترول في براميل.
ويقول عبد الرحمن: "لا أملك سيارة لأملأها بالوقود. لو كنت أملكها لقمت بتفريغ الوقود في براميل في المنزل. فالبائعون في السوق السوداء يبيعون الوقود 10 أو 15 مرة أغلى من سعره في المحطات".
كما قالت الشرطة بأنها شهدت العديد من الحالات التي أصيب خلالها أشخاص يحتفظون بالوقود في ساحات منازلهم الخلفية أو داخل بيوتهم. وقد لقي أربعة أشخاص، من بينهم طفل صغير، حتفهم بسبب ذلك خلال الأسبوعين الماضيين.
التأثير على الصحة
ويعتبر انقطاع الكهرباء واحداً من الأسباب التي تفاقم الوضع الصحي لدى الناس، فقد صرحت يسرية عبد الله، وهي مسؤولة رفيعة المستوى في وزارة الصحة، بأن العديد من الحالات نقلت إلى المستشفى بسبب الجفاف الناتج عن الحر، وهي حالات تقلل من حدتها مكيفات الهواء.
من جهته، قال الدكتور أحمد السامرائي، الطبيب في مستشفى اليرموك: "تتأثر المستشفيات بشكل خطير بانقطاع التيار الكهربائي. لقد قمنا بتركيب مولد صغير في حال توقفت المولدات الكبيرة عن العمل لأن معظم المولدات لا تعمل بشكل جيد".
كما تؤثر مشكلة انقطاع التيار الكهربائي على أقسام وعيادات الأمومة التي انخفض حجم عملياتها بسبب ازدياد حالات انقطاع الكهرباء.
"