1. الرئيسية
  2. Middle East and North Africa
  3. Yemen

اليمن: التمدين السريع يهدد مصادر المياه في العاصمة

Yehia Al-Dhamari, 80, rarely ventures beyond the walls of old Sana'a. Rapid urbanisation has seen the Yemeni capital grow by as much as 8 percent a year. David Swanson/IRIN

ليست هذه هي المدينة التي أريد أن أتذكرها!" هكذا قال يحيى الضماري، 80 عاماً، وهو يقف على مدخل صنعاء القديمة مشيراً بيديه إلى أعمال التمدين التي تخترق المدينة على مد البصر.

فصنعاء اليوم توسعت بشكل كبير لتتعدى أسوار الطين القديمة التي كانت تحيط بها قديماً. فقد كان سكانها في عام 1975 لا يتعدون 135,000 نسمة، في حين تجاوز عددهم اليوم 2 مليون نسمة، حسب تقديرات الحكومة. وهذا يعني بأن نسبة النمو السكاني في المدينة يتراوح بين 7 و8 بالمائة سنوياً، في الوقت الذي تعتبر فيه نسبة النمو السكاني في اليمن عموماً، والتي تصل إلى 3.5 بالمائة، واحدة من أعلى النسب في العالم.

ولا زال أكثر من 70 بالمائة من سكان اليمن البالغ عددهم 21 مليون نسمة يعيشون في المناطق الريفية، إلا أن عمليات التمدين باتت تشكل تحدياً كبيراً في هذا البلد الذي يعتبر واحداً من أكثر البلدان جفافاً وفقراً وأقلها نمواً.

وتفيد تقارير مكتب الأمم المتحدة الإنمائي بأن النمو السريع للمدينة، الذي ساهمت فيه وفرة الاستثمار وازدهار أعمال البناء والتعمير ووفرة اليد العاملة نتيجة الهجرة المتواصلة لسكان القرى إلى المدينة، لم يخل من السلبيات. فالعديد من المهاجرين يعيشون في فقر مدقع ويواجهون الأمراض ويفتقرون إلى أبسط ضروريات العيش الكريم.

البلدية عاجزة عن تقديم الخدمات

وفي الوقت الذي لازال فيه توفير الخدمات الصحية والتعليم والإسكان يشكل تحدياً كبيراً للحكومة، فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه الآن هو الاستنزاف السريع لموارد المياه القليلة في المدينة والذي يهدد استمرارها في البقاء.

وعلّق الدكتور محمد الحامدي، نائب وزير المياه والبيئة، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عن التهديد الذي تواجهه المدينة نظراً لندرة مصادر المياه فيها قائلاً: "ستصبح المدينة مدينة أشباح...فلا يمكن تصور الحياة بدون ماء. وسيضطر سكانها حتماً إلى مغادرتها والهجرة إلى مكان آخر".

وما قاله الدكتور الحامدي هو ما يردده العديد من المسؤولين الحكوميين، الأمر الذي ينذر بقرب حدوث أزمة على هذا الصعيد. فقد تحدث عبد الغني جميل، نائب محافظ صنعاء، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قائلاً: "تكمن المشكلة الأساسية في الماء، فمن دونه لن تكون هناك أية حياة. كما أن كل المشاكل الأخرى ستبدو ثانوية [أمام ندرة المياه]".

ندرة المياه في كافة انحاء البلاد

وليست مشاكل المياه في صنعاء سوى صورة قاتمة نوعاً ما لمشاكل المياه في مجموع البلاد. فاليمن يعاني من عدم توازن مزمن بين نسبة السكان المتزايدة باستمرار وبسرعة كبيرة ونسبة الموارد المائية المتناقصة، إذ تقدر الهيئة الوطنية للموارد المائية موارد المياه العذبة المتجددة بما لا يتعدى 2,500 مليون متر مكعب سنوياً، 1,500 منها مياه سطحية و1,000 مياه جوفية. في حين يقول الخبراء بأن الطلب الحالي يصل إلى 3,200 مليون متر مكعب سنوياً، أي بعجز يصل إلى 700 مليون متر مكعب.


الصورة: ديفيد سوانسون/إيرين
الإستنزاف السريع لمصادر المياه في صنعاء أجبر سكانها على شراء المياه من الخارج. تشهد مستويات المياه في العاصمة اليمنية انخفاضاً مستمراً بنسبة 6 متر في السنة
كما أوضح عبد الله الضاري، رئيس الهيئة العامة للموارد المائية بأن معدل حصة المواطن اليمني من المياه المتجددة يصل إلى 155 متر مكعب بالسنة، وهو عشر حصة الفرد في دول الشرق الأوسط وواحد من خمسين بالنسبة لمعدل حصة الفرد في العالم. غير أن هذه الحصة تضمحل أكثر فأكثر بموازاة النمو السكاني بحيث لن تتعدى "في السنوات القادمة أكثر من 80 متر مكعب"، حسب تصريح المسؤول الحكومي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

كما تفيد الهيئة العامة للموارد المائية بأن هذا التقدير قد يكون منطبقاً على صنعاء في الوقت الحالي، إذ أن مستويات المياه في حوض صنعاء تشهد هبوطاً مستمراً بنسبة 6 متر في السنة، حسب الهيئة.

آخر الطبقات المائية

وقد وصلت مشكلة العجز في المياه العذبة المتجددة بالمدينة إلى حد من الخطورة بحيث أصبحت السلطات تغوص في حفرياتها للحصول على المياه إلى مستويات أعمق بكثير مما كانت تغوص إليه من قبل. وهذا من شأنه أن يؤثر على الطبقات المائية وعلى جودة المياه، إذ قال قحطان الأصبحي، مسؤول البرامج بمكتب الأمم المتحدة الإنمائي وملحق بالهيئة العامة للموارد المائية بأن "الماء أصبح أكثر ملوحة من ذي قبل"، مما سيؤدى إلى ظهور مشاكل صحية خصوصاً أمراض الكلى. كما أشار إلى الرأي السائد الآن في أوساط خبراء المياه والذي ينذر بنفاذ موارد المياه في صنعاء في غضون 15 إلى 20 سنة نتيجة عمليات التمدين وندرة المياه وسوء الإدارة.

وفي الوقت الذي لا يتعدى فيه عمق الآبار 200 متر في معظم الدول المجاورة، فإنه قد يصل في صنعاء إلى 600 أو حتى 1200 متر، مقترباً بذلك من آخر الطبقات المائية. وقال الأصبحي معلقاً على الموضوع: "هذه آخر الطبقات المائية ولن يتبق لدينا أية موارد للمياه بعد ذلك".

شراء المياه


الصورة: ديفيد سوانسون/إيرين
يقول حيدر محمد 21 عاماً، بأن الماء لا يصل إلى الغرفة التي يسكن فيها، مما يدفعه إلى شرائه من الخارج. ولا تتعدى نسبة سكان المدينة الذين يحصلون على مياه شربهم من شبكة المياه الرسمية 15 إلى 25 بالمائة فقط
أما بالنسبة للعديد من سكان المدينة، فإن المياه قد نفذت منذ مدة طويلة، إذ يشكو حيدر محمد، 21 عاماً، والطالب في كلية الآداب، وضعه وهو يشير إلى حنفية الماء التي نفذت منها الماء غرفته قائلاً: "أنا أسكن هنا منذ سنتين، كنت اضطر خلالها دائماً إلى شراء ما أحتاجه من مياه من الخارج".

ولا تتعدى نسبة سكان المدينة الذين يحصلون على مياه شربهم من شبكة المياه الرسمية 15 إلى 25 بالمائة فقط. أما الباقي منهم فيشتري مياهه من مجموعة كبيرة من التجار الذين يجوبون شوارع المدينة لبيع المياه المستقاة من الآبار الخاصة في المدينة أو من القرى المجاورة.

ولأن أنابيب المياه وأنظمة الصرف الصحي تمشى جنباً إلى جنب، فإن نسبة كبيرة من السكان لا يستفيدون من شبكة الصرف الصحي أيضاً. وفي هذا الصدد، شرح الأصبحي الوضع قائلاً: "إن توفير المياه مربوط بالصرف الصحي وليست هناك أية طريقة للدوران حول ذلك"، مشيراً إلى أن العديد من مشاريع بناء البيوت المنتشرة في المدينة الآن لديها شبكاتها الخاصة للماء والصرف الصحي.

الإستراتيجيات المستقبلية

ولا زال النقاش حول أفضل طريقة لاحتواء أزمة المياه في المدينة قائماً، فقد طرحت الحكومة إمكانية تغيير الأسس الاقتصادية للبلاد بحيث ينتقل السكان من الأنشطة المعتمدة على الماء إلى أنشطة لا تعتمد عليه. غير أن طرحاً مثل هذا يبقى حساساً للغاية في بلد يعتمد 50 بالمائة من سكانه على الزراعة.

كما تمت أيضاً مناقشة إمكانية بناء مجموعة من السدود لتجميع مياه الأنهار، ولكن التكلفة الباهظة لهذا المخطط الطموح قد لا تمكنه من رؤية النور. وعلق الحامدي على هذا المشروع قائلاً: "للأسف، تكلفته جد باهظة". وفي الوقت الذي أوضحت فيه دراسة جدوى بأن بناء سد قرب صنعاء قد يوفر حوالي 7 مليون متر مكعب من المياه في السنة، فإن أنظمة الري وحدها تتسبب في إهدار 8 مليون متر مكعب من المياه.

واقترح الحامدي بدلاً من ذلك "استعمال الأموال المخصصة لبناء هذا السد في تحسين أنظمة الري وترشيد استهلاكها للمياه على المدى البعيد". كما أكد على الحاجة إلى إدارة متكاملة للموارد المائية بما فيها ضمان فعالية استهلاك الماء وأنظمة الري.

وبينما يستمر هذا النقاش، يداهم الوقت المدينة، إذ يقول نائب الوزير بصراحة شديدة: "العاصمة مهددة بأن تصبح أول مدينة في العالم تنفذ مصادر المياه فيها...ونحن لا نريد أن نصبح مشاهير لمثل هذا السبب".

"
Share this article

Get the day’s top headlines in your inbox every morning

Starting at just $5 a month, you can become a member of The New Humanitarian and receive our premium newsletter, DAWNS Digest.

DAWNS Digest has been the trusted essential morning read for global aid and foreign policy professionals for more than 10 years.

Government, media, global governance organisations, NGOs, academics, and more subscribe to DAWNS to receive the day’s top global headlines of news and analysis in their inboxes every weekday morning.

It’s the perfect way to start your day.

Become a member of The New Humanitarian today and you’ll automatically be subscribed to DAWNS Digest – free of charge.

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join