قبل أربع سنوات، قرر أحمد زهير، 44 عاماً، أن يهرب هو وعائلته من بغداد بينما كانت القوات التي تقودها الولايات المتحدة في طريقها لإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وبعد بضع دقائق من مغادرتهم المنزل، وقعت انفجارات وأصابت شظاياها بناته الثلاث أرسلان، 14 عاماً، وسوزان، 12 عاماً، وبان 9 أعوام.
في ذلك الوقت، استطاع الأطباء إزالة الشظايا من جسد أرسلان وسوزان فقط. أما حالة بان فقد كانت أكثر صعوبة وتطلبت جراحة معقدة لم يكن بالإمكان القيام بها في العراق. فاضطرت الطفلة للعيش على مسكنات الألم للسنوات الأربعة الماضية لتحمل آلام الشظية التي استقرت في رأسها.
ولكن منذ آذار/مارس الماضي، أدت قطعة من الشظية المستقرة في دماغها إلى تشكل خرّاج مما تركها شبه مشلولة في سريرها وأجبرها على ترك المدرسة بشكل دائم.
وقال أحمد: بينما كانت القوات التي تقودها الولايات المتحدة متجهة نحو بغداد في 6 نيسان/أبريل [2003]، غادرت أنا وزوجتي، وبناتي الثلاث أرسلان وسوزان وبان بيتنا في حي الحرية شمال بغداد في حوالي الساعة الثامنة مساءً. وبينما كنا نمشي نحو بيت أحد أقاربنا لنهرب معهم في سيارتهم، هزت الانفجارات حيّنا وأصابت بناتي شظايا التفجيرات وقال الأطباء فيما بعد أنها قنابل عنقودية.
قمت على الفور باستئجار سيارة أجرة لآخذهم إلى أحدى مستشفيات الضواحي الشمالية الشرقية لبغداد لأنني لم أكن قادراً على أخذهم إلى مركز المدينة، ولكن جنود عراقيين أوقفونا ومنعونا من الاقتراب من منطقة المستشفى بسبب عملية عسكرية تجري في المنطقة. فتابعنا السير نحو بعقوبة [التي تبعد 60 كم شمال شرق بغداد] بينما كانت بناتي الثلاث ينزفن داخل سيارة الأجرة.
قضينا 10 أيام في مستشفى بعقوبة حيث قاموا باستخراج الشظايا من جسد أرسلان وسوزان وبعض الشظايا من جسد بان التي فقدت عينها اليسرى. ولكنهم تركوا ثلاث قطع أخرى من الشظايا في جسد بان إذ لم يكن لديهم الوسائل اللازمة للقيام بجراحة كبيرة كهذه. ونتيجة لذلك بقيت الشظايا في دماغها وظهرها ويدها اليمنى.
بعد عودتنا إلى بغداد، ذهبت إلى كل المستشفيات ولكنني أصبت بالصدمة عندما أخبرني الأطباء أنهم لا يملكون المعدات الطبية اللازمة للقيام بالجراحة لأن معظم المستشفيات قد نهبت في خضم الفوضى التي تلت الغزو. فتوجهت إلى مقر القوات الأمريكية في بغداد وإلى وزارة الصحة العراقية وجمعية الهلال الأحمر العراقية ولكن بلا جدوى. أخبرني الجميع أنه لا يمكن القيام بجراحة لها في بغداد ويجب معالجتها في الخارج.
نحن نعتمد على مسكنات الألم لتخفيف الصداع الذي لازمها خلال السنوات الأربعة الماضية، ولكن حالتها بدأت بالتدهور منذ آذار/مارس عندما أصيبت أطرافها العلوية والسفلية بالشلل. وتعاني بان الآن من صعوبات في التكلم والتنفس وتصاب بالإغماء من حين لآخر وبعدها تفقد قدرتها على التعرف على الآخرين. وبسبب كل هذا تركت مدرستها.
أخبرني الأطباء أن الشظية الموجودة في دماغها أدت إلى تشكل خرّاج أثر على أعصابها وهي بحاجة إلى جراحة كبيرة لا يمكن القيام بها في العراق.
جئت إلى النجف [حوالي 200 كم جنوب بغداد] لأعيش مع أحد أقاربي لأن الوضع الأمني أفضل من بغداد هنا يمكنني أن أسعف بان وأذهب بها إلى المستشفى خلال الليل كما أن الشبكة الكهربائية أفضل.
أرى مستقبل بان مظلماً فهي تتمدد ساكنة في سريرها أمامي طوال الوقت وأحياناً أرى الدموع تنهمر على وجنتيها وكأنها تعلم أنها تموت. الله وحده قادر على مساعدتها. إلى جانب ذلك، أنا اعتمد الآن على المعونة المالية التي يقدمها لي الأقارب لأنني لا أستطيع تركها لأذهب إلى العمل، ولا يمكن لزوجتي الاعتناء بها لأنها حامل".
"