ظلت اتفاقيات جنيف الموقعة قبل ستين عاماً مضت تشكل العمود الفقري للقوانين التي تحمي المقاتلين الجرحى والأسرى والمدنيين خلال الصراعات المسلحة، وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر.
وبالرغم من أن كل دول العالم البالغ عددها 194 دولة قد وافقت على هذه القواعد، إلا أن قابلية التطبيق العالمي للقانون الإنساني الدولي أصبحت في السنوات الأخيرة تخضع لرقابة متزايدة.
حيث قال جاكوب كيلينبرجر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤخراً: إننا نشهد خروقات مستمرة للقانون الإنساني الدولي في الميدان، وهي تتراوح بين التشريد الجماعي للمدنيين والهجمات العشوائية وسوء معاملة السجناء. إن للحروب أيضا حدودا، وإذا ما تم احترام القواعد القائمة بشكل أكبر فسيصبح بالإمكان تجنب الكثير من المعاناة التي تسببها الصراعات المسلحة... ولكن من الناحية الإيجابية، لم يعد الكثير من تلك الخروقات يمر دون ملاحظة، حيث زادت حالات مسائلة الأشخاص المسئولين عن أعمالهم مما يدل على حدوث تقدم".
وبالرغم من أنه تم تدعيم الاتفاقيات، على مر السنين، بثلاثة بروتوكولات إضافية وبقواعد القانون الإنساني الدولي المتعارف عليها غير أنها لا تزال تواجه تحديات رئيسية. ففي الوقت الذي تضاعفت فيه تعقيدات النزاعات أصبح التفريق بين المحاربين والمدنيين يزداد صعوبة. كما تشمل التحديات الإرهاب وشتى تجلياته. إضافة إلى انتقال العمليات العسكرية من ساحات القتال التي يسهل تمييزها إلى مناطق سكانية مثلما يحدث في مدينة غزة وفي غروزني ومقديشيو.
وفي هذا السياق، تقول كلير كابلن، الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "لقد تسببت ضبابية التمييز بين ما هو مدني وما هو عسكري بالإضافة إلى التدخل المتزايد للمدنيين في العمليات العسكرية في صعوبة التمييز بين ما يشكل أهدافا عسكرية مشروعة وبين من يجب حمايتهم من الهجوم المباشر. ونتيجة لهذا الخلط ، يزداد احتمال وقوع المدنيين ضحايا هجمات خاطئة أو غير ضرورية أو اعتباطية من جهة وتعرض الجنود غير القادريين على تمييز أعدائهم لخطر تعرضهم للهجوم من قبل أشخاص فشلوا في تمييزهم عن المدنيين".
خروقات
وكمثال على ذلك، أشارت كابلن إلى سائق شاحنة مدني يوصل الذخيرة إلى الخطوط الأمامية واحتمال اعتباره شريكاً مباشراً في الأعمال العدائية. وتساءلت عما "يمكن أن يكون وضع نفس السائق عند قيامه بنقل الذخيرة من مصنع ما إلى ميناء بعيد عن منطقة الصراع؟" وعلقت على ذلك بقولها: "من وجهة نظرنا، بالرغم من أن [هذا السائق] يدعم جهود القتال إلا أنه لا يعتبر مشاركاً في الحرب بشكل مباشر، وبالتالي فإنه يجب أن يكون محمياً من التعرض للهجوم".
من جهتها، أشارت منظمة أوكسفام أنترناشيونال إلى أن الاتفاقيات تعرضت للخرق في جميع الصراعات الحديثة "من أفغانستان إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى أدغال كولومبيا". فقد شهدت هذه الصراعات خروقات خطيرة تم خلالها استهداف المدنيين وحرمان ملايين الأشخاص المعرضين للخطرمن المساعدات التي يمكن أن تنقذ أرواحهم، وذلك "بسبب ثلاثة توجهات مترابطة تتمثل في الاعتراض المتعمد والعنف ضد عمال الإغاثة وحدة الصراعات" وفقاً للويس بيلانجر، الناطق باسم أوكسفام في نيويورك.
ولا يزال بعض المشاركين في الصراعات المسلحة لا يفهمون حدود الحرب. ففي استطلاع للرأي أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ست دول منها جمهورية الكونغو الديمقراطية ولبنان وليبيريا، أفاد 75 بالمائة من المشاركين أنه يجب أن تكون هناك حدوداً لما يفعله المحاربون خلال القتال.
وعند سؤالهم عما إذا كانوا قد سمعوا عن اتفاقيات جنيف، اتضح أن أقل من نصفهم فقط يعرف بوجود هذه القواعد، وفقا لفيليب سبوري، مدير شئون القانون الدولي باللجنة الدولية للصليب الأحمر. حيث أشار هذا الأخير إلى أن: "النتائج تكشف عن دعم الأشخاص الذين عاشوا في دول تتأثر بالنزاعات والعنف للأفكار الرئيسية لاتفاقيات جنيف وللقانون الإنساني الدولي ككل، ولكن المسح بين أيضاً أن التأثير الملموس على الأرض لهذه القواعد أضعف بكثير من الدعم المقدم لها".
"