لعبت الطائفية دوراً رئيسياً في الانتخابات البرلمانية التي انعقدت في 7 يونيو/حزيران والتي احتدم فيها الخلاف، وهو ما دفع المحللين للحديث عن المزيد من انعدام الاستقرار السياسي في البلاد. ويتنافس في هذه الانتخابات الائتلاف الحاكم المدعوم من الغرب والذي تسيطر عليه أحزاب سنية ومسيحية ودرزية مقابل المعارضة بقيادة حزب الله والمؤلفة في غالبيتها من المسلمين الشيعة والمسيحيين.
وقد أفاد تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات ICG أن "حملة عنيفة قد أيقظت من جديد ذكريات الحرب الأهلية المؤلمة" وهو ما "يعيد إحياء الخلافات الضمنية وليس حلها".
ويوجد في لبنان 18 مجموعة طائفية أو "ملة" في الوقت الذي ما تزال فيه البلاد تحمل آثار الجروح المؤلمة التي تركتها الحرب الأهلية التي امتدت بين عامي 1975 و1990 والتي قسمت البلاد إلى اتجاهات طائفية مختلفة.
وقد أجريت هذه الانتخابات وفقاً للقانون الانتخابي المعدل الذي أقر في سبتمبر/أيلول 2008 والذي رفع عدد الدوائر الانتخابية من 14 إلى 26 دائرة.
وأفاد تقييم نشرته المنظمة الدولية لنشر التقارير حول الديمقراطية DRI والجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات أن القانون "يبرز الانقسامات الطائفية" ويزيد من "إمكانية إطالة أمد الخلاف في البلاد".
ووجد التقرير أن التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية خلق 13 دائرة "أحادية الطائفة" وبذلك أصبح جميع المشرعين هناك ينتمون إلى مجموعة طائفية واحدة والناخبون متجانسين نسبياً.
وتنقسم القوى السياسية في لبنان وفقاً للمعتقد الديني، فالدوائر الانتخابية تضم أكثر من مقعد واحد كما أن المقاعد موزعة بحسب الطائفة الدينية.
وكتب المحلل دين شارب في مدونته الإلكترونية بعد الانتخابات اللبنانية أن "التداعيات الأكثر خطورة لقانون الانتخابات لعام 2008 هو أنه فاقم من الطبيعة الطائفية للسياسة اللبنانية".
وأخبر شارب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قائلاً: "في السابق، كان الاعتقاد أنه لا بد من أن تكون حملتك [الانتخابية] موجهة لقاعدة أوسع [من الناخبين] بدل توجيهها لناخبين من طائفتك" مضيفاً أن القوائم الانتخابية تعكس درجات أقل من التنوع الطائفي.
كما تدل الدوائر الانتخابية الصغيرة ضمنياً أن هناك حاجة أقل لائتلافات أكبر تضم مرشحين من طوائف مختلفة.
بدوره، قال إميل الحكيم، وهو خبير في الشؤون الشرق أوسطية في مركز هنري ستيمسون للأبحاث أن "الدوائر الانتخابية الصغيرة تميل نحو تأكيد الحساسيات الطائفية. كما يسيطر عليها في الغالب طائفة واحدة بينما يميل الساسة إلى تغذية تلك المخاوف".
مخاوف من فوز المعارضة
ويثير فوز المعارضة مخاوف من أن ينتقل لبنان من توجهه الموالي للغرب إلى توجه أكثر قرباً من إيران التي تتمتع بعلاقات قوية مع حزب الله.
الصورة: ريما أبو شقرة/إيرين |
"دقت ساعة التغيير" يقول أحد الإعلانات الانتخابية في لبنان. وقد تبنت البلاد قانوناً انتخابياً جديداً العام الماضي يرى المحللون أنه يشجع على الطائفية |
وبينما شكل قانون الانتخاب الجديد أحد العناصر الرئيسية في اتفاق السلام الذي أبرم عام 2008 بوساطة قطرية لإنهاء الاقتتال بين الفصائل اللبنانية، غير أن المحللين يقولون أن البلاد تبقى عرضة للاضطرابات السياسية.
فقد شهد لبنان منذ الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2005 سلسلة من الاغتيالات لشخصيات بارزة، وحرباً مدمرة مع إسرائيل عام 2006 بالإضافة إلى معركة مع الإسلاميين عام 2007 ونزاعاً طائفياً في مايو/أيار 2008 خلف عشرات القتلى.
وقد أفرزت هذه الحوادث موجات نزوح قصيرة وطويلة الأمد وعواقب اقتصادية وتوتراً متزايداً وشعوراً بعدم الثقة بين المجموعات الطائفية، مما يبقي البلاد على شفا الدخول في دوامة العنف مرة أخرى.
من جهته، قال هاني صبرا، وهو محلل مختص في الشؤون اللبنانية في مجموعة يوراسيا المتخصصة في أبحاث المخاطر السياسية: "بخلاف الدول الأخرى التي تشهد فترات من انعدام الاستقرار، يعتبر عدم الاستقرار ذا جذور عميقة في لبنان".
وأضاف أن "هناك العديد من العوامل المحفزة التي قد تؤدي إلى إشعال فتيل العنف في لبنان [مرة أخر] بينما تميل شؤون الحكم [في البلاد] لأن تكون مزيجاً من القيادات غير المستقرة التي تسعى لإرضاء الساسة المحليين ومناصريهم في الخارج".
"