قبل الحرب، كانت دار رعاية الأيتام تشتهر بتحويل الأيتام في اليمن إلى جنود وقادة أعمال تجارية وسياسيين. أما الآن، فإنها تكافح لمجرد الاستمرار في عملها بعد أن فر العديد من الأطفال من القصف الذي لا هوادة فيه وهربوا لتعقُّب أقاربهم. ولا يحصل الأطفال الباقون سوى على قدر قليل من الطعام وقدر أقل من التعليم. لقد أصبحت دار الأيتام إحدى البقايا الحزينة لزمن قديم، مجرد ضحية أخرى من ضحايا الصراع.
فبعد خمسة أشهر من بدء القصف الذي تشنه قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في محاولة لإزاحة المتمردين الحوثيين عن السلطة، أصبحت صنعاء هذه الأيام مكاناً ملوثاً ومُغبّراً.وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أوضح عبد الله عُباد الهندي، رئيس المؤسسة أن "دار الأيتام قريبة من العديد من المواقع العسكرية وقصر الرئاسة، وبالتالي فإن الضربات الجوية استهدفت تلك المواقع وبثت الخوف في قلوب الأيتام ... لقد بدأ [الأيتام] يصرخون أثناء النوم ويتبولون على أنفسهم [ويعانون من] الخوف والتوتر والقلق".
انظر: أسرّة مبللة وكوابيس: أطفال اليمن يتعلمون الحرب
وقد فر ما يقرب من نصف الـ800 طفل، الذين كانوا يعيشون في دار الأيتام قبل الحرب، منذ ذلك الحين. ولا يعرف الهندي أماكنهم الآن: "لقد رحل بعضهم بحثاً عن أقاربهم، ولكننا نشعر بالقلق بشأن أولئك الذين ليس لديهم أقارب في أي مكان".وتجدر الإشارة إلى أن دار الأيتام تواجه أزمة مالية خانقة، وحتى إذا حصلت على مزيد من المال، فلن يكون بوسعها عمل الكثير لتحسين الوضع لأن الحصار البحري الذي تفرضه قوات التحالف يمنع وصول الواردات، بما في ذلك الوقود الثمين، مما تسبب في نقص حاد في السلع الأساسية.
انظر: إغلاق المستشفيات بسبب نقص الوقود في اليمن
وقال الهندي: "كانت قاعة الطعام تحت التجديد، ولكن الضربات الجوية بدأت، ولم تستطع الدولة دفع أجر [مهندس الديكور]، وبالتالي، لم يتمكن من استكمال عمله، والآن يتناول الأيتام طعامهم في الفناء تحت الشمس، في الهواء الملوث والمُغبّر".ولم تعد هناك لحوم أو فواكه ليتناولها الأطفال بسبب نقص الأموال والحصار، وبالتالي، فإنهم مضطرون للاكتفاء بالأرز والبطاطس والخبز.
لقد ألحقت حرب اليمن خسائر فادحة بالمدنيين، وخاصة الأطفال. وتشير تقديرات اليونيسف إلى مقتل أو إصابة أكثر من 1,000 طفل منذ بدء حملة القصف. ومن المتوقع أن يكون 10 ملايين طفل - 80 بالمائة من سكان اليمن الذين لم يتجاوزا 18 عاماً - بحاجة ماسة إلى المساعدة.
تاريخ جيد
ولم يكن الحال كذلك دائماً في دار الأيتام، التي بُنيت في عام 1925 وأنتجت سلسلة من اليمنيين الناجحين.
تخرج محمد عبد الله الفضلي من دار للأيتام في عام 1967، وهو الآن المدير العام لمكتب التربية والتعليم، الذي يُعتبر جزءاً من وزارة التربية والتعليم في صنعاء.
وقال الفضلي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بكثير من الفخر والحنين إلى الماضي: "كانت دار الأيتام هذه هي بيت ومصنع الرجال، وكانت مثل الكلية العسكرية التي تخرج منها معظم القادة والمسؤولين في الدولة".
وأضاف أن "الأيتام كانوا أكثر جدية في التعلم، وكان المعلمون جادون للغاية في التدريس، ولكن في الوقت الحاضر، لا يسستطيع المعلمون التدريس والإشراف بشكل صحيح بسبب عدد الطلاب".
ويرتبط زوال دار الأيتام ارتباطاً وثيقاً بالتدهور العام في اليمن، أولاً بسبب الاضطرابات السياسية، ثم بسبب الصراع.
فبعد أكثر من 30 عاماً في السلطة، تمت الاطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح في عام 2012 في أعقاب احتجاجات شعبية. وتبخرت آمال الانتقال إلى ديمقراطية سلمية مع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية.
واستولى المتمردون الحوثيون الموالون لإيران على العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر الماضي، مما دفع الرئيس عبده ربه منصور هادي إلى الفرار قبل أن تشن المملكة العربية السعودية المجاورة في نهاية المطاف حملة عسكرية لإعادته إلى السلطة.
ويخشى الهندي من سقوط العديد من الشبان الذين يغادرون دار الأيتام في براثن الصراع وانضمامهم إلى الميليشيات المتحاربة في البلاد.
لم يكن خالد محمد جابر يتيماً بالمعنى المعروف. وقال صديقه زياد أحمد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن والديه المنفصلين تركاه على سُلّم دار الأيتام. وأراد مسؤولو الدار أخذه، ولكن لم تكن لديهم الأموال اللازمة.
وفي نهاية المطاف غادر الدار وحاول التواصل مع والده لطلب وظيفة. رفض والده ذلك، فدفعه اليأس للانضمام إلى المتمردين الحوثيين. ولقي جابر مصرعه الشهر الماضي أثناء القتال في مدينة مأرب في وسط البلاد.
ومع استمرار الحرب في اليمن، من المؤكد أن تُخلّف جيلاً جديداً من الأيتام في أعقابها.
am/jd-ag-ais/dvh"