بدأ التقييم الإنساني للوضع في المناطق السورية المتضررة يوم 18 مارس بتنظيم من الحكومة السورية وكانت أولى محطاته مدينة حمص التي تعرضت لتدمير كبير من جراء القصف المستمر منذ حوالي شهر.
وترافق بعثة التقييم فرق فنية من وكالات الأمم المتحدة المختلفة، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى منظمة التعاون الإسلامي. ومن المفترض أن تزور البعثة محافظات حمص وحماه وطرطوس واللاذقية وحلب ودير الزور وريف دمشق ودرعا.
إلا أن الحكومة لم تحدد المدن التي ستتم زيارتها داخل تلك المحافظات، وهذا يعني عدم وجود ما يضمن وصول عمال الإغاثة إلى المناطق الأكثر تضرراً.
وهو ما علقت عليه أماندا بيت، الناطقة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بقولها أن "هذا يخالف بوضوح اقتراح وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. إنه ليس ما طالبنا به، ولكنه على الأقل سيتيح لنا فرصة لجمع المعلومات حتى نتمكن من الوقوف بأنفسنا على طبيعة الوضع في بعض الأماكن والاحتياجات التي قد تكون ضرورية".
وربما يتيح ذلك أيضاً إمكانية الوصول إلى مناطق لم يتمكن حتى الهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر من الوصول إليها، على الرغم من أنهما منظمتي الإغاثة اللتان تملكان أفضل فرص الوصول إلى معظم أنحاء سوريا.
أما المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتي قد لا تتمكن الحكومة من الذهاب إليها، فيتوقع عمال الإغاثة الإنسانية أن يتمكنوا من الدخول إليها على أي حال، وذلك بمساعدة من الهلال الأحمر العربي السوري أو الزعماء الدينيين المحليين. كما يتوقعون أيضاً حشد استجابة فورية، إذا استطاعوا تحديد الاحتياجات العاجلة. وسوف يصل عمال الإغاثة التابعون للأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي أيضاً إلى استنتاجاتهم وتحليلاتهم الخاصة بشأن ما يرونه على الأرض.
وفي هذا السياق، قال أحد عمال الإغاثة: "نحن نشارك بحسن نية لأننا في الحقيقة لا نملك خياراً آخر".
وهناك أمل في أن يمهد هذا التقييم الأولي الطريق لبعثات فنية أخرى بشأن قضايا أكثر تحديداً، بما في ذلك المياه والصرف الصحي، أو تحديد مجموعات معينة من الفئات المعرضة للخطر بشكل خاص مثل المزارعين المتضررين من الجفاف.
وأفادت بيت أن الحكومة قد بدأت بالفعل اتخاذ "بعض الإجراءات" لمنح تأشيرات الدخول للمتخصصين، وذلك لدعم الفريق الإنساني على الأرض.
غير أن رفض الحكومة منح الفريق الإنساني فرص وصول كاملة إلى كافة المناطق وضع الأمم المتحدة في موقف صعب، نظراً لوقوعها تحت ضغط شديد لتقديم الإغاثة اللازمة لعدد متزايد من الناس المتضررين من الأزمة المتفاقمة من جهة، وخضوعها في الوقت نفسه للقيود المفروضة بموجب القانون الدولي على ما يمكنها عمله من دون إذن الحكومة من جهة أخرى.
ومن الجدير بالذكر أن منسقة شؤون الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، فاليري أموس، أمضت يومين في العاصمة السورية دمشق، خلال الفترة من 7 إلى 9 مارس، بهدف الضغط على مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى للسماح لعمال الإغاثة بالذهاب "حيث يريدون وقتما يريدون لتقديم المساعدات الإنسانية،" حسب تصريح بيت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) من نيويورك.
وأضافت بيت أن الحكومة السورية ردت بعد زيارة أموس بأنها بحاجة إلى "مزيد من الوقت" للنظر في المقترحات التي تقدمت بها منسقة شؤون الإغاثة الطارئة، وعرضت بدلاً من ذلك إجراء هذا التقييم - وهي خطوة لا تلبي مطالب عمال الإغاثة.
ومن ناحيته، حذر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جيكوب كيلينبرغر، من أن سكان المناطق المتضررة من الاضطرابات يعانون منذ عدة أشهر، وأن الوضع الإنساني قد يزداد تدهوراً.
وكانت الحكومة السورية قد شنت حملة قمعية عنيفة ضد الاحتجاجات المناهضة لها والتي بدأت منذ أكثر من عام. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المعارضة أكثر تسليحاً على نحو متزايد، مما أدى إلى حالة تقترب من الحرب الأهلية وسقوط أكثر من 7,500 قتيل معظمهم من المدنيين، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ودعا كيلينبرغر مرة أخرى إلى وقف القتال بشكل يومي للسماح لعمال الإغاثة بإجلاء الجرحى وتسليم مواد الإغاثة. كما وجه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو دعوة مماثلة يوم 16 مارس، قائلاً: "نحن لا نستطيع الوصول إلى المستشفيات أو النازحين أو المحتاجين".
ويختلف الاقتراح بتنفيذ "وقفة" إنسانية - أو بعبارة أخرى، وقف إطلاق نار مؤقت، ولكن منتظم لفترة محددة مسبقاً - عن الممر الإنساني، الذي يعني تحديد منطقة جغرافية "آمنة" يتعين تأمينها عسكرياً.
وفي حين لا تزال الأمم المتحدة تضغط من أجل ضمان الوصول الكامل دون عوائق – حسب تصريح أموس في البيان الصادر عنها يوم 15 مارس والذي قالت فيه: "ليس هناك وقت لنضيعه" – إلا أنها بدأت بالفعل تقديم المساعدات من خلال شركاء محليين، مثل الهلال الأحمر. حيث يقوم برنامج الأغذية العالمي، على سبيل المثال، بتوصيل المواد الغذائية إلى 100,000 متضرر من خلال الهلال الأحمر العربي السوري. كما تتعاون اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية على نحو مماثل مع الهلال الأحمر العربي السوري وغيره من الشركاء المحليين لتوصيل المساعدات الإنسانية.
من جهتها، تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري في 14 مارس من زيارة مدن الرستن وتلبيسة والزعفرانة في محافظة حمص، لتقييم الحاجة إلى العمل الإنساني. ووجدت المنظمتان أن 12,000 نازح بسبب أعمال القتال الأخيرة بحاجة إلى المفارش والبطانيات والمواد الغذائية وحليب الأطفال والأدوية الأساسية والأدوية الحيوية لعلاج الأمراض المزمنة.
وفي تعليق لها على الموضوع، قالت بيت: "حيث أن عشرات الآلاف من الناس قد يكونوا نزحوا من منطقة بابا عمرو وحدها، فإننا بحاجة إلى أن نكون قادرين على معرفة ما يحتاج إليه الناس بالفعل وأماكن تواجدهم حتى نتمكن من وضع خطة" استجابة ناجعة.
حيث أن عشرات الآلاف من الناس قد يكونوا نزحوا من منطقة بابا عمرو وحدها، فإننا بحاجة إلى أن نكون قادرين على معرفة ما يحتاج إليه الناس بالفعل وأماكن تواجدهم حتى نتمكن من وضع خطة [استجابة ناجعة] |
وبحسب تقديرات منظمات الإغاثة السورية، أدت الأزمة إلى نزوح ما لا يقل عن 200,000 شخص داخل البلاد، بالإضافة إلى عشرات الآلاف الذين فروا عبر الحدود.
وقد تلقت منظمة الصحة العالمية طلبات من المنظمات غير الحكومية المحلية لتوفير الأدوية المنقذة للحياة ومستلزمات الصدمة، من بين إمدادات أخرى. كما منحت السلطات السورية الإذن لمنظمة الصحة العالمية لإجراء تقييم للوضع بالمستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأولية في محافظات درعا وريف دمشق وحمص ودير الزور، وفقاً لآخر نشرة أصدرتها المنظمة.
كما تقوم الأمم المتحدة بإعداد خطة استجابة لمدة ثلاثة أشهر كما سيتم إطلاق نداء لجمع أموال لمساعدة المحتاجين داخل سوريا، ولكن عملية إجراء تقييم لتأكيد الاحتياجات المتوقعة كان يشكل "الحلقة المفقودة".
ويرى العديد من عمال الإغاثة أن هذه البعثة قد لا تكون كافية لإرضاء الجهات المانحة.
من جانبه، يقوم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بدراسة إمكانية تخصيص حوالي 10 مليون دولار للمشروعات الطارئة في سوريا من خلال صندوق الاستجابة المركزية للطوارئ.
كما ستقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بإطلاق نداء منفصل للحصول على أموال هذا الأسبوع من أجل الاستجابة لاحتياجات اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن.
من جهته، ذكر المكتب الإنساني للمجموعة الأوروبية، والذي يشكل الذراع الإنسانيي للمفوضية الأوروبية، أنه تم بالفعل التعهد عالمياً بتخصيص 20 مليون يورو للجهود الإنسانية داخل سوريا وفي الدول المجاورة التي تستضيف لاجئين سوريين.
وأكدت بيت الحاجة إلى استمرار استقلالية وصول المساعدات الإنسانية عن المناقشات السياسية التي تجريها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وهيئاتها. وأضافت أنه "إذا لم يتم النظر إلى العاملين في المجال الإنساني على أنهم محايدون وغير منحازون، فسيكون من المستحيل بالنسبة لنا مساعدة المحتاجين".
ha/cb-ais/amz
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions